مع اعتراف الجيش الإسرائيلي بسقوط 20 صاروخاً من لبنان باتجاه بلدات الشمال والجولان، وإلحاق أضرار كبيرة في الممتلكات والبنى التحتية، خصص وزير الدفاع يوآف غالانت جانباً من بحث لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، للجبهة الشمالية، مهدداً “إذا ارتكب نصرالله خطأ فسيحسم مصير لبنان”. وحذر من أن إسرائيل لن تسمح باستمرار حرب الاستنزاف عند الحدود الشمالية.
وفي تقرير خاص تم استعراضه أمام لجنة الخارجية والأمن، تبين أن أكثر من 120 ألف إسرائيلي غادروا بلدات الشمال في أعقاب التوقعات بأن يتصاعد التوتر الأمني تجاه لبنان، على رغم أن المؤسسة العسكرية أسقطت من حساباتها احتمال تسلل عناصر “حزب الله” إلى هذه البلدات والسيطرة على بعضها، وذلك في أعقاب تعزيز الأمن وتطويق الجيش وحرس الحدود جميع البلدات والانتشار داخلها وتعزيز الوحدات العسكرية على طول الحدود مع لبنان، وكذلك منطقة الجولان وحتى جبل الشيخ.
رؤساء المستوطنات غاضبون
في أعقاب تكثيف إطلاق الصواريخ من لبنان وخشية إسرائيل من إشعال فوري للمنطقة وصل رئيس الأركان هرتسي هليفي، إلى الشمال لتقييم الوضع وبحث السيناريوهات المحتملة في ظل الأوضاع الأخيرة مع قيادة المنطقة، كما أجرى جولة بين الوحدات العسكرية المتمركزة هناك في محاولة لرفع معنوياتهم، كما حاول أن يطمئن السكان الذين خرجوا يحتجون ويلقون على القيادة مسؤولية وضعهم القلق وعدم ضمان أمنهم.
وقال هليفي، “لقد وضعنا هدفاً لا لبس فيه لاستعادة وضع أمني أفضل بكثير على الحدود الشمالية. نحن نفهم جيداً ونسمع كثيراً عن مشاعر سكان الشمال. إننا مستعدون في أية لحظة للهجوم، وندرك تماماً أنه يمكن أن يحدث وتندلع حرب واسعة في هذه الجبهة، غير أننا نثق بكم كثيراً، وأيضاً لأن الدفاع هنا قوي”.
بعد انتشار قوات كبيرة من الجيش وحرس الحدود داخل بلدات الشمال، وفي كريات شمونة ونهاريا بشكل خاص بعد تعرض البلدتين للقصف الصاروخي، رفض بعض سكان كريات شمونة التجاوب مع طلب الجيش إخلاء بيوتهم، ووجه رؤساء السلطات هناك انتقادات لاذعة للقيادتين السياسية والعسكرية مفادها “نحن مهملون منذ سنوات طويلة. لقد تركتمونا من دون أمن أو حماية”، ولا يقتصر الانتقاد على عدم حماية الحدود بتعزيز الأمن في هذه المنطقة أو داخل البلدات، وإنما بعدم توفير الملاجئ والأماكن الآمنة، بل وقرار القيادة في أول أيام الحرب على غزة بنقلهم إلى مؤسسات تعليمية لا يتوافر بها الحد الأدنى من الحماية.
اليوم وفي ظل تكثيف إطلاق الصواريخ على الشمال أصبحت البلدات كمدن الأشباح لا تتجول فيها سوى وحدات عسكرية ومدرعات خشية تسلل عناصر “حزب الله” واقتحامها، علماً بأن هرتسي هليفي طمأن الجميع بأن الحراسة ورفع الجاهزية والأمن لن تسمح بتكرار أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) في بلدات الشمال.
سياسة الاستنزاف والإشغال
ما زال الإسرائيليون، وبعد سقوط وابل من الصواريخ، يربطون بين تصعيد الأوضاع وخطاب الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، يوم الجمعة الماضي. وخلافاً للمتخصصين والعسكريين والأمنيين السابقين الذين دعوا إلى عدم الاستهتار بحديث نصرالله، خصوصاً في ما يتعلق بمقتل المدنيين، اعتبر عسكريون أن نصرالله، وبعد مشاهد دمار غزة، لن يقدم على حرب مع إسرائيل، ووصف بعضهم إطلاق الصواريخ من لبنان بسياسة الاستنزاف وإشغال الجيش الإسرائيلي بشكل يشل كثيراً من القوات في المنطقة ويبقي البلدات فارغة.
في تقرير يستعرض الوضع عند الحدود الشمالية، دعا مسؤولون عسكريون إلى اتباع سياسة أخرى وعدم إبقاء التعامل مع “حزب الله” كرد فعل على الصواريخ التي تسقط في إسرائيل. وجاء في التقرير أنه “لا شك أن الجيش الإسرائيلي لم يبق غير مبال لقدرات حزب الله في خط التماس، وهو يعمل على إضعافها، لكن قوة الرضوان لا تزال على الجدار، وهذا بالتأكيد ليس كافياً لإعادة المواطنين والمواطنات الذين تم إخلاؤهم من هناك”.
هل تتجه الحرب لـ لبنان؟
وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن “حزب الله” قد يشدد أكثر فأكثر ردود فعله في الأيام القريبة المقبلة وفقاً للتطورات في الحرب في غزة. كما أن الاحتمال كبير بتوسيع نيران الصواريخ إلى بلدات أبعد في شمال إسرائيل. وإذا ما استمر القتال في غزة لفترة زمنية ذات مغزى، فإن احتمال التصعيد أكبر بكثير في الشمال سيزداد.
يقول المتخصص العسكري تل ليف رام، “تتميز الأيام الأخيرة بدرجة أكبر من التصعيد من جانب حزب الله ضد إسرائيل، وهو ما يعبر عن جاهزية الحزب لتصعيد الوضع تدريجاً في الساحة الشمالية”.
وأضاف “إذا ما تحقق هذا السيناريو سيكون المستوى السياسي مطالباً بأن يحسم ما هي النقطة التي تصبح فيها ساحة الحرب المركزية لإسرائيل هي لبنان وليست غزة. فإسرائيل غير المعنية بالحرب في الساحة الشمالية ستكون مطالبة بأن تستعد لها. وعلى رغم أنها تنفذ خطوات صغيرة في هذه المرحلة، لكنها تتيح لإسرائيل استخدام القوة ضد حزب الله في الرد على العدوان من جانبه”.
أما المستشرق عوديد غرانوت، فيرى أن “حزب الله” يسير وفق سياسة النار الهادئة، مضيفاً “القرار الحاسم ليس بيد سكان الجنوب في لبنان، وهو أيضاً ليس كثيراً بيد نصرالله، وحزبه هو العنصر الأساس في محور الشر الذي تقف على رأسه إيران، ويشكل سلاح يوم الدين للإيرانيين في حال تعرضهم للهجوم من الخارج. واستخدام هذا السلاح الآن لغرض آخر، أي فتح حرب شاملة ضد إسرائيل، يستوجب إذناً مسبقاً وضوءاً أخضر من طهران، والاحتمال الأكبر أنه لم يصدر بعد”.