كشفت الردود الإسرائيلية التي رافقت عرقلة الإفراج عن الفوج الثاني من الأسرى لدى حركة “حماس” حدة الصراع والانقسام في إسرائيل حول التعامل مع “حماس” عموماً، وقضية الأسرى خصوصاً، ما بين الإصرار على استمرار تنفيذ صفقة الأسرى وعدم التوقف من دون ضمان عودة الجميع وبين أصوات عسكرية وأمنية اعتبرت قرار الحركة عرقلة نقل الأسرى الإسرائيليين مناورة حمساوية تسعى إلى إظهار ضعف إسرائيل أمام الحركة، وهو ما استدعى القيادة في تل أبيب إلى تكثيف تهديداتها ضد “حماس” وبالعودة إلى القتال من النقطة التي توقف فيها عند بدء الهدنة ومباشرة تنفيذ صفقة الأسرى.
واعتبر وزير التربية الإسرائيلي، يوآف كيش، أن عدم استئناف القتال فور إعلان حركة “حماس” رفضها تسيلم الفوج الثاني من الأسرى، “خطأ فادح”. وكشف أن إسرائيل تخطط لعملية نوعية خاصة لإعادة الأسرى الذين لن تشملهم الصفقة المتفق عليها مع “حماس”. وقال “واجبنا أن ندخل بكل قوة لاستكمال عملية إبادة حماس، وبعد أن ننهي الخطة في شمال غزة يستمر الجيش وبقوة أكبر إلى الجنوب ونضمن خلال ذلك أن قوات الجيش منتشرة في كل مكان، وعندها يمكننا أن نعيد أسرانا بعملية عسكرية وهذه مهمتنا الأولى ونحن مصرون عليها”.
من جهته، وصل وزير الدفاع، يوآف غالانت، عبر البحر إلى غزة للقاء الجنود، مستبدلاً الطائرة المعتاد أن يصل فيها إلى القطاع التزاماً ببنود الصفقة، والتقى هناك وحدات عسكرية بعد أن عبّر جنود عن حالة إحباط بسبب وجودهم في أرض غزة من دون معرفة ما ينتظرهم وما هي خطة الجيش، وما إذا كان سيعود إلى العمليات العسكرية أم سيستمر في الهدنة ووقف إطلاق النار.
لكن غالانت سعى إلى رفع معنويات جيشه، حيث أبلغهم أن الجيش ماضٍ في تنفيذ خطته الحربية في غزة، وقال “نجحنا في إعادة مجموعة المخطوفين نتيجةً للضغط الذي مارسه الجيش، وقد عملنا وسنواصل العمل وفق الأسلوب التالي: في اللحظة التي يستمر الضغط العسكري عليهم (حماس) سيحتاجون لراحة قليلة، وعندما نزيد الضغط سيحتاجون إلى أكبر فترة من الراحة، وعندما نضاعف الضربات العسكرية أكثر وأكثر فسيحضرون إلينا باقتراح صفقة، وبالتأكيد كلما زدنا الضغط العسكري ستكون صفقة أفضل، هذه هي الوسيلة، ولذلك لا نستطيع أن نوقف الحرب في غزة حتى نصل إلى وضع نعيد فيه جميع الأسرى”.
لا يمكن هزيمة “حماس” من دون مواصلة معارك
وتوصل الإسرائيليون إلى قناعة بأن حركة “حماس” والقيادي فيها، يحيى السنوار، يديرون حرباً نفسية ضد إسرائيل، وما كان هناك أي سبب لعرقلة تنفيذ اليوم الثاني من الصفقة سوى محاولة السنوار أن تبقى يد “حماس” هي العليا في كل ما يتعلق بالصفقة. وتوصل أمنيون وعسكريون إلى قناعة بأنه لا يمكن الوصول إلى وضع يحقق فيه الجيش الإسرائيلي هدفه بسحق “حماس”.
ويقول الخبير العسكري، تل ليف رام، إنه “لم يسبق لإسرائيل أن واجهت معضلة من هذا النوع عند الحرب وكيف تتعهد بأن تعيد كل المخطوفين وهم على قيد الحياة، ومهما يكن من أمل، لا شك أنه كلما كان زمن الهدنة أطول سيكون تحدي العودة إلى القتال أصعب وأكثر تعقيداً”.
وعلق تل ليف رام على تقرير أشار إلى أن القيادة العسكرية والسياسية متفقة على أنه لا يوجد سبيل لهزيمة “حماس” عسكرياً من دون مواصلة المعركة بعد الهدنة في جنوب القطاع، وقال “هذا تحدٍ معقد يصبح أشد كلما مر الوقت. ساعة الزمن السياسية مع الأميركيين ليست أبدية بالتأكيد، لكن في هذه اللحظة على الأقل لا يزال لإسرائيل فيها ائتمان لمواصلة العملية، حتى عندما يصبح هذا أكثر تعقيداً تجاه دول صديقة أخرى في أوروبا”.
لاهاي المعركة المقبلة
من جهة أخرى، تدير عائلات الأسرى الإسرائيليون لدى “حماس” معركتين في الوقت ذاته، ففي حين تكثف العائلات احتجاجاتها داخل إسرائيل وتجند عشرات الآلاف لدعم مطلبها بتنفيذ صفقة شاملة لجميع الأسرى حتى وإن تطلب الأمر الإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، تعمل مجموعة كبيرة من تلك العائلات على إعداد شكاوى لرفعها إلى محكمة “لاهاي” ضد حركة “حماس” بتهمة تنفيذ جرائم حرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وسيطالب الإسرائيليون من المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، بدء إجراءات ضد “حماس”. وتشمل الدعوى، من بين أمور أخرى، مقاطع فيديو توثق الأفعال مع إفادات لمَن تعرضوا للهجوم، إضافة إلى التصريحات العلنية لأعضاء “حماس” الذين شاركوا في السابع من أكتوبر.
ولن تتدخل إسرائيل الرسمية في هذه الدعوى لعدم اعترافها بسلطة محكمة العدل الدولية في لاهاي ولأنها ليست عضواً فيها، فيما انضمت فلسطين إليها في عام 2015، وأخذت على عاتقها حق التحقيق في الصراعات التي شاركت فيها، بما في ذلك الحرب الحالية، واستخلاص النتائج بشأنها على المستوى الجنائي الدولي.
كما تعمل العائلات الإسرائيلية على تعزيز الإجراءات القانونية ضد “حماس” في الدول الأوروبية والولايات المتحدة، وتتوقع أن تمارس المحكمة الدولية صلاحيتها بتقييد “خطوات قادة حماس، وإصدار مذكرات اعتقال دولية”، وفق الإسرائيليين. ونُقل عن مسؤولين مطلعين على تقديم الشكاوى أن “المؤسسة الإسرائيلية تساعد في الإجراءات ضد سلطات الإدعاء في الدول الأوروبية والولايات المتحدة، لكنها تركز في هذه المرحلة على التحقيق وصياغة لوائح اتهام ضد من شارك في أحداث السابع من أكتوبر”.
صعوبات قضائية في إسرائيل
وإلى جانب لوائح اتهام ضد الفلسطينيين، الذين اعتقلتهم إسرائيل بعد أحداث 7 أكتوبر، تواجه وزارة القضاء الإسرائيلية صعوبة في تجميع أدلة ضد المعتقلين الفلسطينيين وتدرس إمكانية الملاحقة القضائية الجماعية. وفي هذا الإطار، تتم دراسة خيارات عدة، من بينها تقسيم المعتقلين إلى مجموعات بحسب المستوطنات التي ارتكبوا فيها أعمالهم وسَنّ قانون خاص بأحداث يوم السبت 7 أكتوبر يسمح بمحاكمة كل من شارك فيها أو محاكمة المعتقلين وفقاً للقانون الحالي لمنع الإبادة الجماعية”. وفي الوقت نفسه، تدرس المؤسسة الإسرائيلية سَنّ قانون خاص سيتم بموجبه محاكمة الفلسطينيين أمام المحاكم العسكرية، وذلك لتخفيف العبء المتوقع على النظام القضائي”.
ويعمل مكتب المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهارا ميارا، ووزارة القضاء على تقديم لوائح اتهام، وبالنظر إلى أبعاد الحادثة وتعقيداتها، فإن تشكيل البنى التحتية للأدلة ضدهم لغرض تقديم لوائح الاتهام يشكل تحدياً كبيراً، بل وفي بعض الحالات ليس ممكناً. على سبيل المثال، في بعض الحالات، لا توجد وثائق تربط معتقلاً معيناً بارتكاب أي عملية قتل، أو في حالات أخرى، تكون البنى التحتية للأدلة عند مستوى منخفض مما يصعّب ملاحقتهم قضائياً، وفرض عقوبات صارمة عليهم”، وفق مسؤول إسرائيلي.
أحد الخيارات التي يتم النظر فيها، هو الملاحقات القضائية الجماعية، بحيث يتم اتهام جميع الفلسطينيين الذين تم القبض عليهم في منطقة معينة بذات لائحة الاتهام.
وكان وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، قد سبق وقال بعد بحثه اقتراح قانون الإعدام بحق الفلسطينيين، إن العديد من وزراء الحكومة مهتمون بفرض عقوبة الإعدام، غير أن مصادر قانونية رفيعة تؤكد أن “القرار النهائي بشأن كيفية محاكمة الفلسطينيين لن يتم اتخاذه إلا بعد انتهاء التحقيق، وهي خطوة لا تزال تبدو بعيدة المنال”.
ويبقى السؤال الذي طرحه كثيرون وهو كيف ستتصرف إسرائيل عندما تطالب “حماس” في صفقة الأسرى النهائية أن تشمل جميع الأسرى الفلسطينيين بمن فيهم من اعتُقل في السابع من أكتوبر.