للأسبوع الثاني على التوالي، بعد زيارة وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، تفشل الجهود والضغوط الأميركية على إسرائيل لتحقيق هدنة لوقف إطلاق النار في غزة لمدة ثلاثة أيام، بعدما رفض رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، مطلب الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال محادثة بينهما، وقف إطلاق النار في غزة لمدة ثلاثة أيام، يتم فيها نقل مزيد من المساعدات الإنسانية للفلسطينيين وخروج حملة الجنسيات الأميركية والأجنبية من غزة.
وبحسب الاقتراح الأميركي تفرج حركة “حماس” عما بين 10 و15 أسيراً لديها، وتعمل خلال أيام الهدنة الثلاثة على التحقق من هوية جميع الأسرى لديها ولدى حركة “الجهاد الإسلامي” وأينما وجدوا وإعداد قائمة بأسمائهم وتسليمها لجهات الوساطة. وبحسب المعلومات المتوفرة تحتجز حركة حماس 180 أسيراً، بينما لدى “الجهاد الإسلامي” 40 آخرين، ويحتجز مدنيون فلسطينيون 20 أسيراً.
من جهتها، رفضت إسرائيل الاقتراح الأميركي ورد نتنياهو على بايدن بتمسك إسرائيل بقرار عدم اتخاذ أي خطوة من دون إعادة الأسرى والمخطوفين.
ونقل عن مسؤول إسرائيلي أن نتنياهو أكد لبايدن خلال محادثتهما أنه “لا يثق بأن حماس ستلتزم بكلمتها وتطلق عدداً كبيراً من الأسرى بل ستفرج عن بعضهم بالقطارة، بينما لن تتمكن إسرائيل من استئناف القتال بعد ثلاثة أيام من وقف إطلاق النار”. وبحسب مقربين من نتنياهو فإنه يعتقد أن الهدنة لمدة ثلاثة أيام “هي في الواقع وقف لإطلاق النار وأن إطلاق سراح عدد صغير من الأسرى الإسرائيليين لدى حماس لا يتطلب أكثر من بضع ساعات من الهدنة”.
وكان نتنياهو قال في مقابلة أجراها، أخيراً، مع شبكة “إيه بي سي” (ABC) الأميركية، “إذا كنا نتحدث عن هدنة تكتيكية، ساعة هنا أو ساعة هناك، فقد فعلنا ذلك بالفعل. سندرس الظروف لنرى ما إذا كانت تسمح بإدخال المساعدات الإنسانية أو إخراج بعض الأسرى”.
فشل جهود مدير الـ”سي آي إيه”
وضمن تكثيف الضغوط الأميركية على إسرائيل للتوصل إلى هدنة وصل إلى تل أبيب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، وليام بيرنز، وعقد جلسات مكثفة مع المسؤولين الأمنيين والسياسيين الإسرائيليين في تل أبيب في محاولة للتوصل إلى اتفاق حول الهدنة التي طرحها بايدن، كما ناقش الطرفان قضية الأسرى الإسرائيليين لدى حركة “حماس” ومنع توسع نطاق المواجهة المستمرة منذ أكثر من شهر، غير أن بيرنز لم ينجح في التوصل إلى تفاهمات مع الإسرائيليين، مثلما فعل وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن لدى زيارته الأخيرة إلى إسرائيل.
من جهته عاد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت. وأكد الموقف الإسرائيلي الرافض للسماح بهدنة إنسانية من دون إعادة الأسرى. وقال “مع استمرار القتال ستزداد الضغوط علينا، وسيكون مطلوباً منا اتخاذ قرارات صعبة”. وأضاف “من المستحيل وقف القتال حتى تتحقق أهداف الحرب”.
خلافات حول كمية المساعدات
في جانب آخر من المحادثات اتضحت خلافات بين إسرائيل والولايات المتحدة بكل ما يتعلق بكميات المساعدات الإنسانية المفترض إدخالها إلى قطاع غزة، وبحسب واشنطن فإن تل أبيب لا تلتزم بما اتفق عليه، فالتفاهمات السابقة بينهما كانت تنص على رفع عدد المساعدات تدريجاً لتصل إلى 100 شاحنة يومياً. وفي حين كان معدل الشاحنات التي تدخل إلى قطاع غزة قبل الحرب يقدر بما بين 500 و600 شاحنة، لا يدخل إلى قطاع غزة عبر معبر رفح خلال هذه الفترة إلا عشرات قليلة من الشاحنات، وتشدد واشنطن على ضرورة زيادتها. وأوضحت القناة أن كل الشاحنات التي تدخل عبر رفح تفحص من قبل الجيش الإسرائيلي في معبر نيتسانا.
الفلسطينيون في “اليوم الذي يلي”
على جانب آخر من الضغوط الأميركية على إسرائيل، تطلب واشنطن من تل أبيب وضع تصور حول اليوم الذي يلي انتهاء الحرب. ويقول غالانت إن “إسرائيل لن تسيطر على قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، ولكن ستكون هناك حرية عمل في المجال الأمني لإحباط أي شخص يمكن أن يلحق بنا الأذى”. وسئل وزير الدفاع الإسرائيلي في مؤتمر صحافي عمن سيحكم القطاع، فقال إنه يستطيع أن يقول من لن يحكم القطاع، “لن تكون حماس ولن تكون إسرائيل”.
من جهتها، تعارض الولايات المتحدة “احتلالاً إسرائيلياً جديداً طويل الأمد لقطاع غزة”، بعدما قال نتنياهو إن إسرائيل ستتولى “لأجل غير مسمى” المسؤولية الأمنية الشاملة عن القطاع الفلسطيني.
ويرى الأميركيون ضرورة أن “يكون الفلسطينيون في مقدمة هذه القرارات وأن غزة أرض فلسطينية وستبقى فلسطينية، غير أن الأمور لن تعود إلى ما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي”.
وفي سياق الحديث في هذا الجانب، تسعى الولايات المتحدة أمام إسرائيل إلى ملاءمة شكل الحرب لاحقاً وذلك من خلال سحب معظم قوات الجيش من القطاع والانتقال إلى طريقة الاقتحامات الموضعية ضد منظومات “حماس” في شمال القطاع وربما في مناطق أخرى أيضاً. ويقول المتخصص العسكري عاموس هرئيل نقلاً عن مسؤولين عسكريين، إنه من غير الواضح بعد ما يبتغي رسمه لليوم الذي يلي الحرب، ويوضح أن “الاعتقاد هو أنه في الإمكان تفكيك قوة حماس العسكرية والتنظيمية، وعدم القضاء عليها بالكامل، لأنه لا يمكن تدمير فكرة أو أيديولوجيا”. وفي رأيه فإن “حقيقة أن حماس ترفض في هذه المرحلة أي مفاوضات حقيقية حول تحرير واسع للأسرى من شأنه أن يدل أيضاً على أن قيادتها لا ترى حالياً أن وضعها خطر جداً. وبرز في اليومين الأخيرين تراجع في كمية القذائف الصاروخية التي أطلقت إلى وسط إسرائيل. ويجب هنا الدمج بين سببين على ما يبدو: صعوبة تواجهها حماس بإطلاق الصواريخ من شمال القطاع إثر هجوم الجيش الإسرائيلي، ورغبة بإبقاء عدد كاف من القذائف الصاروخية متوسطة المدى للمراحل المقبلة من الحرب”.
ما بين المعركة الحالية واليوم الذي يليها
وفيما يسيطر بحث سيناريوهات اليوم الذي يلي حرب غزة على أجندة الإسرائيليين، دعا البروفيسور يعقوب نيغل، الذي سبق وشغل منصب القائم بأعمال رئيس هيئة الأمن القومي في إسرائيل، إلى الفصل بين سير المعركة في غزة واليوم الذي يليها. وقال نيغل إن “القيادة السياسية والأمنية ملزمة بالتركيز على النصر الكامل وباستيفاء أهداف الحرب كما حددها الكابينت: الرفض التام لوجود حماس في غزة، تدمير قدراتها العسكرية، السلطوية والتنظيمية، وقتل كل زعمائها (بغض النظر عن مكان وجودهم الجسدي) ومن شارك في تخطيط وتنفيذ الهجوم البربري، وأولاً وقبل كل شيء إعادة كل المخطوفين والجثث إلى إسرائيل، من دون إنجازات لحماس”.
ودعا نيغل متخذي القرار في إسرائيل إلى عدم الرضوخ لأي ضغوط داخلية أو خارجية، وعدم تأثير التفكير في اليوم التالي على استراتيجية القتال أو أن يشكل ذلك كابحاً لإنهاء المهمة.
ويرى نيغل أنه “في غزة بعد الحرب لن يكون هناك من يمكن الحديث معه، ومحظور على إسرائيل أن تتحكم مرة أخرى بالحياة اليومية المدنية لملايين الغزيين. إسرائيل غير معنية بتسوية في غزة وباتفاقات سلام، وعليه فمحظور ربط الوضع في غزة بأي حلول سياسية، خصوصاً في ضوء الأصوات التي بدأت تنطلق في هذا الاتجاه”.
وضمن طروحاته لمتخذي القرار، وضع نيغل تصوراته لليوم الذي يلي الحرب. وقال “لا يهم من هي الجهة التي ستتحمل المسؤولية المدنية عن غزة. غزة ستتحول إلى مكانة مشابهة أو أقل من مكانة المناطق ب B في الضفة. وإسرائيل ستكون هي التي تحدد الواقع والمسؤولية الأمنية في المنطقة لسنوات طويلة”. وأضاف أن “السلطة الفلسطينية، بغض النظر عن الزعيم الذي يقودها، لن تكون بأي حال جزءاً من المسؤولية المدنية عن القطاع. توجد حلول عدة ستبحث إسرائيل في شأنها لاحقاً، بالتعاون مع أصدقائها الذين أثبتوا دعمهم في الحرب، لا سيما الولايات المتحدة وأوروبا. المؤكد أن القطاع كله سيكون مجرداً من السلاح ولن يتضمن إنفاقاً وسلاحاً وقدرات إنتاج للسلاح والصواريخ”.
وطرح نيغل تصوره لضمان الأمن في غزة وفي رأيه أن “كل ما يدخل إلى القطاع سيكون مراقباً بالكامل من قبل إسرائيل، ويمكن لقوات الأمن الإسرائيلية أن تدخل القطاع في كل زمان ومكان والتأكد من إزالة كل تهديد محتمل، إضافة إلى ذلك، ستبنى منطقة أمنية جديدة بعرض بضعة كيلومترات على طول الجدار القديم الذي لن يحدد فقط كموقع مجرد من السلاح بل كمنطقة قتل، بكل ما ينطوي عليه ذلك. في هذه المنطقة، التي ستكون مكشوفة تماماً، كل ما يتحرك من دون إذن سيكون في خطر الموت الفوري”.
وإلى أن تصل إسرائيل إلى حل مستقل يقوم على أساس هذه المبادئ، يقول نيغل “ستمر إسرائيل في طريق معركة متواصلة، لكن بشروطها، من دون تخوف دائم من التدهور أو الامتناع عن الأعمال اللازمة في المنطقة كنتيجة لمثل هذا التخوف”.