قرر الجيش الإسرائيلي تفريغ ساحة مستشفى الشفاء في مدينة غزة من جثث القتلى الذين سقطوا قبل 13 يوماً في باحة المرفق الصحي، وفرض على الجثامين النزوح الإجباري من الشمال ونقل الضحايا باتجاه الجنوب لدفنهم هناك.
وأثارت هذه الخطوة استياء المؤسسات الحقوقية والصحية واعتبروا إجلاء الجثامين من مدينة غزة نحو الجنوب لموارتهم الثرى بأنه قرار مجحف، إذ فرض على الجثث النزوح قسراً، كما فرض على سكان غزة والشمال الأمر نفسه، معتبرين ذلك مخالفاً للقانون الدولي الإنساني.
قصة الجثامين
وكان ينتشر في ساحة المستشفى جثث 111 قتيلاً، جميعهم سقطوا بفعل الضربات الجوية الإسرائيلية في 12 نوفمبر والتي استهدفت مبنى الجراحة في مستشفى الشفاء وساحة المجمع الطبي ومكان إيواء النازحين في المستشفى وبوابة المؤسسة الصحية.
ولم تستطع فرق الإنقاذ الوصول للجثامين الملقاة على الأرض في وقتها، إذ كانت الآليات العسكرية الإسرائيلية والقطع الجوية الهجومية، تحاصر مستشفى الشفاء من الجهات الأربع.
ومنعت إسرائيل سيارات الإسعاف من التحرك، على الرغم من أن مبنى مركز الإسعاف يقع في نفس المستشفى ويبعد أمتار قليلة عن الضحايا، وكذلك لم تتمكن الطواقم الطبية الموجودة في مباني المرفق الصحي من النزول إلى ساحة المستشفى لانتشال الضحايا.
وبسبب هذه الحال تعذر نقل الجثث الملقاة في ساحة المستشفى لدفنها في المقابر داخل مدينة غزة، وبقيت منتشرة في باحة المجمع الطبي، وفي اليوم التالي لسقوط هؤلاء الضحايا اقتحم الجيش المرفق الصحي لتفتيشه والبحث عن مقر قيادة “حماس” الذي يعتقد أنه يوجد أسفله.
يقول مدير مركز الإسعاف في الهلال الأحمر الفلسطيني محمد أبو مصبح، إن القوات الإسرائيلية منعتهم من الوصول إلى الجثامين الملقاة على الأرض في مجمع الشفاء الطبي لانتشالها ودفنها في مقابر مدينة غزة.
فحص الجثامين
ومضى أبو مصبح في حديثه بقوله، “بعد هذه الحادثة المؤسفة علقنا خدمات الإسعاف والإنقاذ والطوارئ في مدينة غزة، وأجبرنا الجيش على النزوح نحو الجنوب، بالتالي توقف عمل فرقنا بالإجبار في شمال القطاع، ولم نتمكن من دفن الموتى في مقابر غزة”.
وبعد أن دخلت القوات الإسرائيلية مستشفى الشفاء بقيت الجثث في ساحة المرفق الصحي من دون أن يلمسها أحد، إذ يقول مدير عام المستشفيات في غزة محمد زقوت “الجيش حول مجمع الشفاء إلى ثكنة عسكرية، كما جمع الجثامين الملقاة في باحة المستشفى ونقلها إلى جهة مجهولة”.
ويضيف زقوت، “يبدو أن الجيش يخضع الجثامين للفحص والتحليل إذ يعتقد أن بينهم رهائن، ونفذت القوات عمليات حفر وتفتيش داخل المستشفى وفي مكان الجثامين”، مؤكداً أن الجثامين تعرضت للتحلل جراء رقودها في مستشفى الشفاء لعدة أيام وتعرضها للهواء من دون مواراتها الثرى.
تهجير الجثامين نحو الجنوب
وبعد 13 يوماً من سقوط الضحايا، فرض الجيش الإسرائيلي على الجثامين التهجير القسري من مدينة غزة، وأجلى الجثث نحو مدينة خان يونس جنوب القطاع، حيث أمر سكان غزة بالتوجه إلى هناك. واعتبر أن هذه المحافظة منطقة إنسانية.
يقول العامل الصحي محمد مقداد وهو الذي استلم الجثامين “تلقيت اتصالاً من الجيش الإسرائيلي لتسلم الجثث، وتحركت ليلاً من الجنوب إلى الشمال، حتى وصلت إلى النقطة التي تفصل بين غزة والجنوب، ووجدت آلية إسرائيلية تجر حاوية، جرى نقلها إلى عربية فلسطينية ثم غادرنا”.
ويضيف “وسط تهديدات بالهجمات ضدنا، طلب الجيش نقل الجثامين لمدينة خان يونس بشكل سريع وحفر قبر جماعي لهم ودفنهم فيه، حاولت فحص الجثث لكن تم تسلمها متحللة، وليس من الممكن والسهل التعرف على الضحايا”.
قبر واحد
وبالفعل، حفرت الآليات الثقيلة في أرض خان يونس قبراً واحداً لدفن جثامين 111 ضحية سقطوا في مدينة غزة، لكنهم حرموا من الدفن فيها. ويشير مقداد إلى أن الجيش الإسرائيلي كفن الجثث بكفن لونه أزرق، فيما بالعادة تستخدم وزارة الصحة الفلسطينية كفن بلون أبيض، وهذا يدل على أنه جرى نقل القتلى لمكان آخر قبل فرض النزوح القسري عليهم على الرغم من موتهم.
يقول مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عمار الدويك، إن إسرائيل تتعامل بطريقة غير إنسانية مع الفلسطينيين، وحتى الضحايا فرضت على جثامينهم النزوح القسري نحو جنوب غزة لدفنهم هناك، وهو ما يعد انتهاكاً كبيراً لقواعد القانون الدولي الإنساني ولبنود اتفاقية جنيف الرابعة.
ويضيف، “لم نشاهد في العالم جثث يفرض عليها النزوح قسراً، وتحرم من الدفن في المقابر القريبة من مناطق سكن عائلات ذويهم، فلدى الفلسطينيين عادة زيارة القبور وبهذه الخطوة فإن إسرائيل تعتدي على عادات وتقاليد وطقوس شعب، وهذا انتهاك صارخ ومخالف للأعراف”.
الجميع يعيش في الجنوب
أما من جهة إسرائيل، فإن المتحدث العسكري دانيال هاغاري يقول، إنهم لم يحرموا الفلسطينيين اتباع عاداتهم في دفن جثامين القتلى، ولذلك جرى تسليم الجثث للصحة في غزة.
ويضيف “وجود الجثامين لفترة طويلة في الهواء داخل مستشفى الشفاء الذي يعمل فيه الجيش من أجل تدمير البنية التحتية لحركة حماس، أمر يؤدي إلى انتشار الأمراض والأوبئة بين القوات الإسرائيلية، لذلك عملنا على نقلهم”.
وبحسب هاغاري فإنه لا يوجد سكان مدنيون في مدينة غزة ليتولوا مهمة دفن القتلى أو يتسلموا الجثامين، وجميع طواقم الصحة وحتى أهالي الموتى انتقلوا للعيش في جنوب غزة حيث المنطقة الإنسانية الآمنة.