يعود رئيس الوزراء الأسبق إلى مقدّمة المشهد السياسي خلال فترة تتسم بالاضطراب. يعاين هذا المقال القضايا التي سيحتاج كاميرون إلى معالجتها أولاً والوجهة التي ستأخذه إليها غرائزه
من المؤكد أن عودة ديفيد كاميرون ليحتل مكانه إلى جانب سياسي الصف الأول تثقل دور ريشي سوناك، فكاميرون رجل مأمون الجانب حضر مؤتمرات قمة وأجرى اجتماعات مع قادة، كان عددها أكبر مما شارك فيه الآخرون.
وبينما يتطلع سوناك إلى التركيز على الشؤون الداخلية في الفترة التي تسبق الانتخابات، فإن تجربة كاميرون ستكون مهمة [على هذا الصعيد]. إلا أن هذا لا يعني أن الأمور ستكون سهلة بينما تعصف صراعات عدة بالعالم.
حرب إسرائيل و”حماس” وتأثيرهما على غزة
إن القضية الأكثر إلحاحاً هي الحرب التي تشنها إسرائيل على حركة “حماس” وعواقب الصراع بالنسبة إلى السكان المدنيين في غزة، علاوة على أنها تثير أخطار نشوب صراع إقليمي أوسع نطاقاً يمكن أن يمتد ليشمل “حزب الله” في لبنان ودولاً من بينها إيران. وفي يوم الخميس الماضي، توجه جيمس كليفرلي، وزير الخارجية السابق في المملكة المتحدة لكي يناقش مع وزراء خارجية دول الشرق الأوسط الجهود التي تبذل من أجل منع التصعيد. وسيكون استئناف هذه الجهود الدبلوماسية [التي بدأها سلفه] هو المهمة التي ينبغي أن يضطلع بها كاميرون على الفور.
دعمت حكومة المملكة المتحدة بقوة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بعدما شنت حركة “حماس” هجوماً داخل إسرائيل أسفر عن مقتل ما يزيد على 1200 شخص، واحتجاز نحو 240 شخصاً كرهائن في غزة. ودعا سوناك إلى [عدد من حالات] “توقف إنساني” في الصراع وذلك للسماح بدخول المساعدات. غير أنه لم يصل إلى حدّ المناشدة بتطبيق وقف كامل لإطلاق النار، وهو الموقف نفسه الذي اتخذته دول أخرى منها الولايات المتحدة. ومع ذلك، تزايدت الدعوات المطالبة ببذل المزيد من الجهود بغرض حماية أرواح المدنيين في غزة مع استمرار العمليات العسكرية البرية إلى جانب القصف الجوي والحصار المفروض على القطاع.
لا شك بأن كاميرون يتمتع بالكثير من الخبرة حول القضايا المهمة في الشرق الأوسط، إلا أن هذا يعني أيضاً أن هناك الكثير من التعليقات السابقة [بشأن سجله المتعلق بالمنطقة] التي يجدر بالمرء أن يراجعها. وإذ قال كاميرون عن نفسه بأنه “مشهور كصديق قوي لإسرائيل”، إلا أنه أوضح خلال زيارة له إلى تركيا في عام 2010 أن “الوضع في غزة يجب أن يتغير… يجب أن تتدفق البضائع الإنسانية والأشخاص في الاتجاهين [من إسرائيل إلى غزة وبالعكس]”. وأضاف “لا يمكن ولا يجب كذلك، السماح، لغزة بالبقاء كمعسكر اعتقال”. ثم زاد في وقت لاحق في إطار الرحلة نفسها أنه قد استخدم لغة مماثلة [لوصف أوضاع غزة] في مجلس العموم قبل بضعة أسابيع. وذكرت تقارير أنه قال في تلك المرحلة “يعلم الجميع أننا لن نتمكن من حل مشكلة عملية السلام في الشرق الأوسط فيما يبقى هناك، عملياً، سجن عملاق مفتوح في غزة”.
وبعيداً من غزة، هناك كذلك قضية العنف فالذي تشهده الضفة الغربية المحتلة، حيث يتحدث الفلسطينيون عن إجبارهم من قبل المستوطنين الإسرائيليين على ترك أراضيهم. وتعتبر المستوطنات القائمة في مناطق مثل الضفة الغربية مخالفة للقانون الدولي [الذي تعتمده] منظمة الأمم المتحدة وقطاعات كبيرة من المجتمع الدولي. وفي عام 2016، قال كاميرون، الذي كان حينذاك رئيساً للوزراء، إن “ما فعلته هذه الحكومة باستمرار وراحت تواصل القيام به، هو القول نعم، نحن من مؤيدي إسرائيل، لكننا لا ندعم المستوطنات غير القانونية”.
ومن الواضح أن تجربة كاميرون في التعامل الدبلوماسي مع الأحداث التي تشهدها إسرائيل وغزة لن تكون تجربة سهلة. ويمكنه أن يسأل وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، عن ذلك. وقد زار هذا الأخير المنطقة مرات عدة خلال الأسابيع الستة الماضية، إلا أن التقدم [الذي حققه] كان بطيئاً.
وقال كاميرون في البيان الذي أدلى به لدى الإعلان عن قبوله لمنصبه الجديد “في هذا الوقت الذي يشهد تغيراً جوهرياً على مستوى العالم، نادراً ما كان الوقوف إلى جانب حلفائنا، وتعزيز شراكاتنا والتأكد من أن صوتنا مسموع، أكثر أهمية منه الآن بالنسبة إلى هذه البلاد”. وإن الوضع في إسرائيل وغزة هو الذي سيكون بمثابة الاختبار لذلك.
روسيا والحرب على أوكرانيا
ومن الممكن تطبيق هذا الموقف ذاته، حيال الحلفاء والشراكات، على قضية أوكرانيا. وكانت المملكة المتحدة واحدة من الدول التي أيدت أوكرانيا بقوة في أعقاب تعرضها للغزو الروسي في فبراير (شباط) 2022، إذ قدمت لها الأسلحة والمساعدات المالية كما أعطت قضيتها ثقلاً سياسياً. وقد أوضح سوناك أن بريطانيا ستبقى معنية لوقت طويل بما يجري في أوكرانيا.
سيكون الإدلاء بمثل هذه التصريحات عبارة عن مهمة بسيطة بالنسبة إلى كاميرون، ولا شك أنه سيكون هناك المزيد من الدعم العملي أيضاً [لأوكرانيا]. وسوف تلعب هذه القضية دوراً في إبقاء بقية أوروبا والولايات المتحدة على وفاق. وهناك بعض الهدوء حالياً في الأقل، على الخطوط الأمامية في جنوب أوكرانيا وشرقها.
قال الرئيس فولوديمير زيلينسكي إن لدى أوكرانيا خطة لخوض معارك تستمر حتى عام 2024 وذلك من أجل استعادة أراضيها من روسيا. إلا أن ما تحتاجه كييف الآن لا يزال كما كان تماماً لبعض الوقت. فهي في حاجة إلى المزيد من قطع المدفعية، والمزيد من أسلحة الدفاع الجوي، فضلاً عن طلباتها للطائرات المقاتلة التي تصعب تلبيتها. وقد وافقت المملكة المتحدة على تقديم المساعدة في خطط التدريب على طائرات الجيل الحالي، كما تشكل الدول الأخرى طرفاً في هذه الشراكة. ولكن، وكما توضح كييف، فإنها تحتاج إلى هذا كله عاجلاً وليس آجلاً، وخصوصاً لأن زيلينسكي يتوقع أن تتعرض بلاده إلى هجوم جوي على البنية التحتية للطاقة مشابه لذاك الذي استهدفها في الشتاء الماضي. والهجوم [المتوقع] من شأنه أن يترك الآلاف غارقين في ظلام دامس في أي وقت.
ويواجه كاميرون أيضاً القضية المتفاقمة التي تتمثل في التمويل الأميركي لأوكرانيا. فقد قال الرئيس جو بايدن إنه يريد إرسال أموال جديدة إلى كييف، فيما حذّر البنتاغون هذا الأسبوع من أنه مضطر إلى “تقليص” دعمه لكييف، بعد استنفاد 95 في المئة من الأموال التي كان قد خصصها لأوكرانيا. إلا أن الإغلاق الحكومي الوشيك، إلى جانب اللامبالاة المتزايدة بين بعض أطراف الحزب الجمهوري تجاه تمويل أوكرانيا، يجعلان الأمور [المتعلقة بدعم أوكرانيا] أقل متانة مما يودها البيت الأبيض أن تكون.
أما بالنسبة إلى روسيا، فإن كاميرون يتمتع بخبرة كبيرة في التعامل مع موسكو، إذ إنه التقى فلاديمير بوتين مرات عدة. كما كان رئيساً للوزراء خلال الفترة التي ضمّت فيها روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014. ونشر كاميرون قوات بريطانية لتدريب القوات الأوكرانية في عام 2015 بعد الاستيلاء على شبه جزيرة القرم، وهو ما وصفه كاميرون بأنه “انتهاك صارخ للقانون الدولي”.
الصين
وعلى المدى الطويل، من المرجح أن تمثل علاقة المملكة المتحدة مع الصين المهمة التي تنطوي على التحدي الأكبر بين مهام كاميرون.
وكان كاميرون قد أدار دفة ما يسمى “العصر الذهبي” للعلاقات بين بريطانيا والصين بوصفه رئيساً للحكومة، [وهو دور] اشتمل على استضافة زيارة دولة قام بها الرئيس الصيني شي جينبينغ، والترحيب بالاستثمارات الآتية من بكين إلى المملكة المتحدة. بيد أن العلاقات بين البلدين قد تدهورت بعد ذلك الحين. وكان ريشي سوناك قد أعلن في أول كلمة ألقاها حول السياسة الخارجية، بعد وصوله إلى رئاسة الوزراء، نهاية ذلك “العصر الذهبي” ووصف السعي إلى إقامة علاقات اقتصادية أقوى [بين بلاده والصين] خلال العقد الماضي بأنه “ساذج”.
وفي عام 2017، وافق كاميرون على العمل لدى صندوق الاستثمار الصيني البريطاني بقيمة مليار جنيه استرليني، كنائب للرئيس، وبقي في هذا المنصب لبعض الوقت. وكانت تلك خطوة وصفتها لجنة الاستخبارات والأمن التابعة للبرلمان بأنها ربما جاءت “في بعض جوانبها [إجراء] صمّمته الدولة الصينية من أجل إضفاء بعض الصدقية على الاستثمار الصيني، وكذلك على العلامة التجارية الصينية الأوسع”.
كما أثار منصبه الجديد ذاك انتقادات. وقال لوك دي بولفورد، وهو المدير التنفيذي للتحالف البرلماني الدولي المتشكك في الصين، إنه [شغله بفضل] “توظيف رجعي غير مفهوم” ووصف كاميرون بأنه “في واد والبرلمان والدولة في واد آخر في ما يتعلق بالصين”.
الاتحاد الاوروبي
وكانت علاقة المملكة المتحدة بالاتحاد الأوروبي هي القضية التي نسفت رئاسة كاميرون للوزراء، عندما دعا إلى الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وعلى رغم أننا قد تجاوزنا أسوأ الصدامات التي شهدتها المفاوضات [بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي]، إلا أنه لا تزال هناك حاجة إلى التحلي بالحساسية.
وتؤثر تداعيات هذه العلاقة أيضاً في عدد من القضايا الأخرى، مثل كيفية تعاون بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بقضايا مثل مسألة أوكرانيا. وسيُنظر إلى كاميرون على أنه يتمتع بحضور رزين في هذا الصدد، ولكن ستكون هناك أيضاً حاجة للتعامل مع دول مثل فرنسا وألمانيا على أساس فردي. وعندما يتصل الأمر بفرنسا، ستكون هناك كذلك مشكلة القوارب الصغيرة التي تأتي من هناك إلى شواطئ المملكة المتحدة. وفي حين أن هذا سوف يمثل بلا شك مشكلة بالنسبة لوزير الداخلية في غالب الأحيان، فسوف أُفاجأ إن لم يُطلب من كاميرون أن يدلي بدلوه بهذا الشأن.