رد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بعد ظهر أمس الأربعاء، على النقاش الذي يدور داخل إسرائيل وبين الوسطاء حول استئناف القتال في غزة وأكد أنه لا رجعة في ذلك مهما كلف من ثمن.
وقال نتنياهو “في الأيام الأخيرة تكرر السؤال: هل ستعود إسرائيل إلى الحرب بعد انتهاء هذه المرحلة من إعادة مخطوفينا؟ جوابي القاطع هو نعم، لن يكون هناك أي وضع لا نعود فيه إلى الحرب حتى النهاية. هذه سياستي ويقف خلفها الكابينت والحكومة أيضاً وكذلك الجنود والشعب وهذا بالضبط ما سنفعله”.
حديث نتنياهو جاء في وقت كان رئيس الموساد، ديفيد برنياع، يبحث مع الوسطاء الأميركيين والقطريين بلورة صيغة لوقف إطلاق النار بعد انتهاء أيام الهدنة التي اتفق على تمديدها حتى الإثنين صباحاً.
وكشف وزير العلوم والتكنولوجيا أوفير أوكنس، أن الحكومة الإسرائيلية صادقت في اجتماعها الأسبوع الماضي على تمديد الهدنة لمدة 10 أيام، وقال “طوال الوقت يتحدثون عن ضرورة تمديد وقف إطلاق النار، لقد صادقنا على تمديد الهدنة حتى اليوم العاشر، لكن كل أمر آخر يتطلب مصادقة جديدة وعقد اجتماع للحكومة، مثل تغيير عدد الأسرى الذين تشملهم الصفقة أو طبيعة وقف إطلاق النار”.
ويؤكد الوزير أن ما هو متفق عليه أيضاً هزيمة “حماس” قائلاً “سنهزم حماس ولن يكون للحركة وجود في قطاع غزة، لا عسكريين ولا مدنيين في نهاية هذه الحرب. قد يتخذ الأمر من الوقت شهرين أو ثلاثة أشهر أو حتى نصف سنة، فالوضعية غير سهلة هناك، فمنهم من هو فوق الأرض وهناك تحت الأرض وما يجب علينا سنقوم به للقضاء عليهم”.
في إسرائيل يضعون شروطاً عدة للصفقات المقبلة وبالأساس ألا يقتصر كل يوم هدنة على 10 أو أكثر بقليل من الأسرى الإسرائيليين لدى “حماس” إنما على العشرات في موازاة الحديث عن الجنود أيضاً.
سيناريوهات متوقعة
الكابينت الحربي يواصل اجتماعاته على مدى الساعة وبين الاجتماع والآخر يتوجه نتنياهو ووزير الدفاع، يوآف غالانت، إلى وحدات عسكرية في الجنوب والشمال ومن هناك يبعث كل منهما رسائله إلى الإسرائيليين والخارج، وإلى جانب هذا يسعيان إلى رفع معنويات الجنود، الذين ينتشرون في غزة وسط ضبابية ما ينتظرهم في الأيام المقبلة.
وبانتظار قدوم وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن الجمعة إلى إسرائيل يطرح على طاولة أبحاث متخذي القرار مختلف السيناريوهات المتوقعة، إلى جانب تمديد الهدنة حتى صباح الإثنين والتي إذا ما تم تنفيذها ستكون “حماس” قد أفرجت عن 100 أسير إسرائيلي في الأقل، مقابل الإفراج عن 300 أسير فلسطيني من السجون الإسرائيلية.
السيناريو الثاني هو تمديد الهدنة إلى مدة تتجاوز الأيام الـ10 وبمثل هذا السيناريو سيتعين على “حماس” أن تعرض اقتراحاً مغرياً للإسرائيليين، وفق توقعاتهم، لكن في ظل استبعاد احتمال أن تفعل “حماس” ذلك فإن احتمالات تنفيذ مثل هذا السيناريو أقل من الأول، خصوصاً بعد تصريحات نتنياهو وبيني غانتس وغالانت وبقية أعضاء الكابينت بأن إسرائيل لن تسمح بتمديد الفترة أكثر من 10 أيام إلا إذا تضمنت الشروط الإفراج عن العشرات من الإسرائيليين وبينهم الجنود.
السيناريو الثالث المطروح هو انهيار مفاجئ لوقف إطلاق النار، إذ يتوقع الإسرائيليون احتمال أن ينفذ يحيى السنوار، خطوات تكون، بحسب خبراء إسرائيليين، بمثابة خدعة استراتيجية أو تضليل لمختلف الجهات تؤدي من ثم إلى انهيار التهدئة.
السيناريو الرابع هو الحل الذي تطمح إليه إسرائيل بإخراج قيادة “حماس” من غزة، كما سبق وذكر نتنياهو، لكن هذا السيناريو أيضاً غير متوقع. وإزاء الاحتمالات الضئيلة بالتوصل إلى حلول تضمن وقفاً طويلاً للنار فسيواجه بلينكن في اجتماعاته بإسرائيل وكذلك الوسطاء في قطر ومصر صعوبات كبيرة، وعليه تتوقع جهات أخرى أن يعود الجيش الإسرائيلي الإثنين إلى القتال في غزة على رغم الجهود الدولية والأميركية.
إسرائيل من جهتها تسعى إلى اتفاق هدنة تكون فيه شروط صفقة الأسرى مختلفة بحيث تضمن الإفراج عن عشرات الإسرائيليين في غزة وتغيير معادلة أسير إسرائيلي مقابل ثلاثة أسرى فلسطينيين.
الاعتراف بالفشل
في إسرائيل تتكشف يومياً جوانب عدة لوضعية الجيش داخل غزة ويتعمق النقاش حول العودة للقتال في القطاع، من ثم تأجيل المفاوضات في شأن الأسرى، وهو نقاش عكس عدم تحقيق إسرائيل ولو 50 في المئة من أهدافها في غزة، إذ كشف مسؤولون عن أن الجيش لم يتمكن من القضاء حتى على أقل من 10 في المئة من مقاتلي “حماس”، فمع بداية الحرب ذكر تقرير استخباراتي إسرائيلي أن لدى الحركة أكثر من 30 ألف مقاتل واليوم تحدث البعض أنه حتى وقف إطلاق النار منذ أسبوع لم يتمكن الجيش من القضاء على أكثر من ألفي عنصر بـ”حماس”.
أما بالنسبة إلى الأنفاق فالتقديرات تشير إلى أن الجيش لم يتمكن من تدمير أكثر من 20 في المئة من الأنفاق، بل هناك من يتوقع أن شبكة الأنفاق الأكبر ما زالت على حالها، وذكرت تقارير أن حكومة إسرائيل تأخذ بالحسبان احتمال أن يهرب من خلالها يحيى السنوار وغيره من القيادات مع الأسرى الإسرائيليين باتجاه سيناء.
وأمام ما يتكشف من عدم تحقيق الجيش الإسرائيلي أهداف الحرب دعا المتخصص العسكري، عاموس هرئيل، القيادة إلى الاعتراف بأن “إسرائيل تلقت ضربة شديدة في بداية الحرب وعدم السعي إلى هزيمة حماس في حرب طويلة يمكن أن تؤدي إلى كارثة إنسانية قاسية من تفشي الأمراض والجوع والعطش وتجمع مئات الآلاف من دون مأوى”.
رئيس تحرير صحيفة “هآرتس”، ألوف بن، رأى أنه خلال الأسبوع المقبل سيتعين على نتنياهو أن يحسم إذا كان سيبدأ جولة قتال جديدة في غزة مع ضمان تجنيد الموافقة الأميركية أو التراجع عن القتال حتى يضمن إزالة الخطر عن استمرار رئاسته في الحكومة الإسرائيلية.
وبحسب ألوف بن فإن “نتائج المرحلة الأولى في المعركة تدل على أن تحقيق هذا الهدف غير سهل. فحماس فقدت مقاتلين وقادة، لكن هذا غير كاف لأن تفقد السيطرة على قواتها أو إظهار علامات الاستسلام. وشبكة الأنفاق الضخمة لديها تضررت بشكل جزئي. واستئناف إطلاق النار سيحتاج إلى القتال في منطقة مكتظة تضاعف عدد السكان فيها بسبب طرد سكان شمال القطاع، وأمام ضغط دولي لوقف إطلاق النار، سيزداد كلما زاد عدد القتلى من النساء والأطفال في الطرف الفلسطيني، وهذا ليس بالأمر السهل”.
ويصف ألوف بن نتنياهو بـ”رهينة لواشنطن” وفي رأيه فإن “إسرائيل لا يمكنها اتخاذ قرارات وحدها حول خطواتها. الأميركيون يشاركون من كثب في إدارة الحرب على كل المستويات، بدءاً بالتنسيق العملياتي وانتهاء بمحادثات الرئيس الأميركي ومبعوثيه وكبار ضباطه مع رئيس الحكومة نتنياهو والوزير غالانت ورئيس الأركان، هرتسي هليفي ورؤساء الاستخبارات وسلاح الجو. في هذا الوضع فإن قرار إسرائيل استمرار القتال في الجنوب، وبالتأكيد توسيع القتال ضد (حزب الله) في الشمال، سيكون خاضعاً لموافقة أو في الأقل تفهم الأميركيين”.