مع انتهاء الشهر الأول من استمرار المواجهات اليومية بين “حزب الله” وإسرائيل على طول الحدود الجنوبية للبنان، ظهرت بعض المؤشرات العسكرية التي تتجاوز ما يسمى بـ “قواعد الاشتباك”، حيث وصلت الغارات الإسرائيلية إلى مواقع وبنى تحتية للحزب على عمق حوالى 25 كلم في عمق الجنوب، في حين سجل أيضاً إطلاق صواريخ من لبنان باتجاه منطقة حيفا الساحلية واستهداف مستوطنات بصواريخ “الغراد” إضافة إلى إطلاق صواريخ أرض – جو باتجاه المسيرات الإسرائيلية.
في المقابل تستمر الضغوطات والتحذيرات الدولية، والرسائل التي تصل لبنان من قبل الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، لمطالبة “حزب الله” بوقف العمليات الجارية على الحدود، محذرين من إمكان توسع رقعتها وخروجها عن السيطرة نتيجة أي خطأ ميداني. تشدد الرسائل الدولية على الالتزام بالقرارات الدولية لا سيما القرار 1701، والتنسيق مع قوات “اليونيفيل” جنوباً، علماً أن القرار الذي صدر عقب حرب يوليو 2006، يتضمن انسحاب “حزب الله” عسكرياً إلى شمال نهر الليطاني أي بعمق يتراوح بين 15 و20 كلم عن الحدود الإسرائيلية، ووافق حينها الحزب على القرار الذي بموجبه توقفت الأعمال الحربية.
قواعد الاشتباك
وفي السياق يقول مصدر مقرب من “حزب الله”، إن إسرائيل توسع خروجها تدريجاً عن قواعد الاشتباك، مشيراً إلى أن العملية الأولى التي نفذها الحزب في الثامن من أكتوبر الفائت كانت في مناطق مفتوحة باتجاه مواقع عسكرية إسرائيلية في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، أي ضمن منطقة متنازع عليها، وخارج نطاق القرار الدولي 1701. إلا أن إسرائيل ردت في اليوم نفسه بقصف منزل في بلدة “الضهيرة” الواقعة ضمن نطاق عمل قوات حفظ السلام الدولية، حيث قتل حينها أربعة مقاتلين من الحزب، الأمر الذي اضطره للانخراط في كامل الجبهات على الحدود وضمنها مناطق جنوب الليطاني التي كانت تعد خارج قواعد الاشتباك.
وأضاف المصدر أن الغارة الإسرائيلية على سيارة مدنية في الجنوب ذهب ضحيتها ثلاث طفلات وجدَّتهن تشكل خروجاً إضافياً، وتفعل معادلة “المدني مقابل المدني”، التي أعلن عنها أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصر الله، مشدداً على أن الحزب لم يكن يسعى إلى الخروج عن النطاق الذي بدأ به.
عناصر النخبة
وفي مؤشر على طول المعركة وحدتها، تشير المعلومات إلى أن “حزب الله” سحب نحو 1500 من عناصر النخبة المنتشرة إلى جانب اللواء 46 بريف حلب الغربي مع جيش النظام السوري، وقد انتقلت تلك العناصر إلى منطقة القصير، وتدريجاً ستصل إلى مواقع في الداخل اللبناني.
وتشير المعلومات إلى استقدام ميليشيات بديلة لملء الفراغ إلى جانب جيش النظام السوري من ألوية “فاطميون” و”الباقر الأفغانية” وغيرها من الأذرع الموالية لإيران.
القرارات الدولية
من ناحيته اعتبر الكاتب السياسي أسعد بشارة، أن معادلة قواعد الاشتباك هي اختراع “حزب الله” ليقول بأنه يساند غزة، فهذه العمليات التي تشن عبر الحدود، سواء من الحزب أو فصائل فلسطينية، تخالف بشكل واضح القرار الدولي 1701 الذي ينص على احترام الخط الأزرق بشكل صارم، وعلى وقف الأعمال الحربية عبر الحدود، وكذلك على تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة بالـ 1701 كالقرار 1559 الذي ينص بدوره على نزع كل السلاح غير الشرعي، والـ 1680 الذي ينص على ترسيم الحدود.
لذلك يقول بشارة إن إعطاء هذه العمليات العسكرية صفة قواعد الاشتباك هو أمر خاطئ ومخترع. وعن المدى الذي ستذهب إليه العمليات فيعتقد بشارة أن “حزب الله” “ينفذ هذه العمليات على وتيرة ما يحدث بين إيران وأميركا، فعندما وجهت واشنطن تهديداً مباشراً لطهران، انضبطت هذه العمليات خلف خطوط حمر واضحة، لم تقترب من احتمال إشعال مواجهة كبرى في لبنان أسوة بما يحصل في غزة، وستستمر هذه الوتيرة مع إمكان أن ترتفع أكثر، ولكن حتى إشعار آخر في ظل الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، والتحذيرات الواضحة لإيران من فتح جبهة حرب من لبنان.
سقوط الدولة
ورأى الباحث في الشؤون الأمنية العميد خالد حمادة، أن ما يجري في الجنوب اللبناني ما زال ضمن قواعد الاشتباك المعمول بها، وهناك ناظم لعمليات التبادل وإطلاق النار في الجنوب يفرض مستوى معيناً من وتيرة القتال كما يفرض عمقاً معيناً في الأهداف، إذا ليس هناك أي اختراق، وليس صحيحاً أن ينظر دائماً إلى أن أي اشتباك يجب أن يتصاعد بالوتيرة نفسها من قبل الجانبين.
وبرأي حمادة “إذا كانت هناك إرادة تصعيد إسرائيلية أو من قبل طهران فسيظهر في الميدان، وكل ما نقرأه الآن لا يدل على نية لتطور الموقف، فالناظم لهذا الاشتباك الإيراني – الأميركي يسعى إلى الحفاظ على هذه الوتيرة، التي إن انخفضت أو ارتفعت ستبقى على مستوى معين من عمق الأهداف ونوعيتها والأسلحة المستخدمة”. وأوضح أن “الدولة اللبنانية تمارس الهروب إلى الأمام ولا تستطيع أن تجتمع لاتخاذ قرار، وكل الحكومات التي جاءت تحت عنوان “حكومات الوحدة الوطنية” عاجزة أمام قوى الأمر الواقع، أكانت “حزب الله” أو غيره”.
“اتفاق نيسان”
في المقابل يرى العميد ناجي ملاعب، أن قواعد الاشتباك ليست مسألة مكتوبة أو مبرمة أو وثيقة موقعة، بل هي قواعد بنيت أساساً على تفاهم أبريل عام 1996، الذي رعته الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وسوريا في حينه، وفق معادلة “في حال قتل مدنيون فسنرد بقتل مدنيين”. هذا الموضوع توسع من قبل “حزب الله” بعد حرب عام 2006، على قاعدة أنه أصبح لديه نوع من قوة ردع يتصرف من خلالها، وتشمل “القصف مقابل القصف”.
وأوضح ملاعب أنه “عندما تغتال إسرائيل صحافيين، وتطلق النار وتقتل مدنيين في سيارات مدنية هذا يعني لم يعد هناك من قواعد اشتباك، وعندما تصدر بيانات من فصائل فلسطينية في لبنان ومن “قوات الفجر” التابعة للجماعة الإسلامية عن إطلاق صواريخ باتجاه مستعمرات إسرائيلية، فهذا يعني أن قواعد اشتباك سقطت عند كل الأطراف”.
ونوه ملاعب بتقديم الحكومة اللبنانية شكوى إلى مجلس الأمن بعد إقدام إسرائيل على قصف سيارة مدنية ومقتل مدنيين، وبالحركة الدبلوماسية لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وبرأيه أن “حزب الله” يمتلك مشروعية في محاولة تحرير أراض لبنانية محتلة، “ويمتلك تغطية سياسية في البيانات الوزارية التي وافق عليها المجلس النيابي والتي تنص على استعمال الوسائل كافة لتحرير الأراضي المحتلة. ولذا ضمن هذا الإطار هو يمتلك مشروعية في قتاله ولا لزوم عندها لقواعد الاشتباك”.