بعد شهر من اندلاع الحرب في قطاع غزة، تتعرض الحكومة الأمريكية لضغوط متزايدة للتخلي عن دعمها العسكري والسياسي الواسع للحكومة الإسرائيلية وإجبارها على قبول “هدنة إنسانية” ووقف الصراع. والذي قد أودى بحياة أكثر من 10 آلاف شخص، بينما أصيب أكثر من 24 ألف آخرون.
ويواجه الرئيس جو بايدن نفسه ضغوطا متزايدة في الداخل والخارج لإجبار إسرائيل على اتخاذ خطوات لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين، حيث أظهر استطلاع رأي.. أن أغلبية واضحة من الأمريكيين يريدون أن تتفاوض الدولة لطرد السكان الإسرائيليين، وإبعاد أهل غزة خارج دائرة الخطر.
ورفضت إسرائيل مرارا الدعوات المتزايدة لوقف إطلاق النار قائلة إنها ستسمح لأعضاء حماس بإعادة تنظيم صفوفهم.
ويرى المراقبون والمحللون أنه بالنظر إلى تأثير الحرب التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة على الأمن المستقبلي، فقد بدأ الكثير من الناس في الولايات المتحدة وخارجها ينظرون إلى الحرب التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة باعتباره “عبئا استراتيجيا”. ويتزايد الغضب في الولايات المتحدة وأوروبا بشكل عام، بسبب ارتفاع عدد القتلى في غزة وتداعياته في أماكن أخرى، وأبرزها تغير المصالح الأمريكية في أوكرانيا والزخم المتزايد للميليشيات في الشرق الأوسط.
مع مرور أيام الحرب، يبدو أن الانتقادات الموجهة إلى تعامل الحكومة الأمريكية مع صراع الشرق الأوسط تتزايد، وهو ما ينعكس في التعليقات المعارضة للسياسات الأمريكية وبعض المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في بعض المقاطعات الأمريكية. بالإضافة للانتقادات داخل الحكومة الأمريكية ذاتها والتي تمثلت في استقالة مسؤول بارز في وزارة الخارجية الأمريكية.
مبادئ واشنطن مهددة
وقال مهدي عفيفي، عضو الكونجرس الديمقراطي الأمريكي والمحلل السياسي من نيويورك، إن “حرب إسرائيل على غزة أصبحت عبئا كبيرا على المستويات السياسية والاقتصادية والشعبية“
وحدد عفيفي تبعات استمرار الحرب بنفس الوتيرة، التي ستؤدي لتزايد الضغوط على الإدارة الأميركية في عدد من النقاط، قائلًا:
- نرى حالة ناشئة حيث يرفض الجمهور دعم إدارة بايدن المطلق لإسرائيل ويتغاضى عن العديد من “المذابح” التي تتعارض مع المبادئ الأمريكية. لذلك سنجد شكاوى من محاولات التعتيم على هذه المواقف الغير إنسانية.
- هناك تيارات داخلية ترى أن السياسة الأمريكية في الحروب والصراعات في الشرق الأوسط لها انعكاسات كبيرة على الأمن الداخلي والاقتصاد الأمريكي.
- ومع ذلك، كانت هناك محاولات لاستعادة الدعم لإسرائيل والتركيز بشكل مباشر على دعم أوكرانيا، خاصة وأن اجتماعات مجلس الشيوخ الماضية أثارت مسألة خفض الدعم الأمريكي لأوكرانيا، ونظرت في المكاسب التي حققتها كييف في حربها الطويلة مع موسكو، في العام الماضي في ظل غياب التقدم العسكري الكبير.
- من المؤكد أنه بذلك الوضع فإن أجراس الإنذار تدق في أمريكا، بسبب المخاوف من أن تستغل الصين الاهتمام الأميركي والأوروبي بالشرق الأوسط للتقدم نحو تايوان، وهي نية صينية واضحة للسيطرة الكاملة على الجزيرة. وقد تعالت بالفعل أصوات محلية في الولايات المتحدة بشأن هذه النوايا الصينية.
- لكنني لا أعتقد أن إدارة بايدن تشعر بالقلق إزاء الوضع العام مع الميليشيات في الشرق الأوسط. لكن الخوف الوحيد من المجموعات الموالية لإيران في العراق أو سوريا، خاصة أن حزب الله اللبناني اتخذ موقفًا بعدم الدخول في حرب مباشرة، ومن ثم لا يوجد ما يثير قلق واشنطن الكبير من هذه النقطة، والتي اتخذت خطوات مُسبقة لردع أي تحرك في هذا الصدد.
- لا يوجد تنامي للعنف في الولايات المتحدة بعد حرب غزة رغم تسجيل واقعة واحدة سرعان ما أدانتها الإدارة، لكن في أوروبا فهناك تخوفات أمنية حقيقية من ردود فعل داخل تلك الدول.
وكان بارزًا ما كشفت عنه صحيفة “بوليتيكو” الأميركية، التي حصلت على مذكرة انتقد خلالها بشدة مسؤولو وزارة الخارجية، تعامل إدارة بايدن مع الحرب بين إسرائيل وحماس، مشددين على أنه يجب على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة لانتقاد الإسرائيليين علنا.
وتتضمن المذكرة طلبين رئيسيين، أن تدعم الولايات المتحدة وقف إطلاق النار، وأن توازن بين رسائلها الخاصة والعامة تجاه إسرائيل، بما في ذلك توجيه انتقادات للتكتيكات العسكرية الإسرائيلية ومعاملة الفلسطينيين التي تفضل الولايات المتحدة عموما الاحتفاظ بها سرا.
قدرات متعددة
من ناحية أخرى، ترى إيرينا تشوكرمان، الخبيرة الأمريكية المتخصصة في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، أن الولايات المتحدة دولة كبيرة يمكنها التعامل مع العديد من الصراعات الكبرى في نفس الوقت.
وأوضحت زوكرمان أنه على المستوى الاستراتيجي، لم تمثل الحرب عبئًا على الولايات المتحدة كأمة، لكنها قالت إن “العبء يكمن في الافتقار إلى طريقة سياسية لممارسة الردع فعليًا بما يتجاوز إشارات الاتصالات الاستراتيجية“.
وأضافت: “الوضع الحالي يخلق فرصا للصين لدخول المنطقة وتوسيع عملياتها في بحر الصين الجنوبي وتقديم الدعم لإيران ووكلائها“.
ومع ذلك، فإن الخبيرة الأمريكية لا يعتقد أن الولايات المتحدة قد أهملت بشكل واضح الوضع في أوكرانيا، وقال: “الأشخاص الذين أدلىوا بهذا التصريح هم في الغالب من الروس وعملائهم”.. بل أن أوكرانيا لا تتطلب التواجد الأمريكي على الأرض، ولكنها فقط تطلب نقل شحنات الأسلحة.
وشدد زوكرمان على أن سياسة الردع الحالية التي تنتهجها واشنطن في المنطقة تظهر أن “السياسات القوية يمكن أن تمنع اندلاع أي صراع قبل أن يبدأ”.