وسط مساحة من الوحل ومياه الأمطار يعيش إبراهيم علي حميد البالغ 43 سنة مع عائلته منذ أكثر من أربعة أعوام في مخيم سري كانيه الواقع شرق مدينة الحسكة، بعد أن نجا بعائلته من الاشتباكات في مناطق التماس بين قوات سوريا الديمقراطية “قسد” وفصائل الجيش الوطني السري المدعوم من تركيا بريف الحسكة الشمالي.
وتتسبب أمطار الشتاء لإبراهيم ومعظم قاطني المخيم في مشكلات بالسكن والتنقل، إضافة إلى الأمراض خصوصاً لدى الأطفال الذين يتعرضون للتبلل سواء داخل الخيام أم في الشوارع التي تفيض بالسيول، كما أن الخيمة التي تسكنها عائلته مثل معظم جيرانه في المخيم أصبحت رقيقة ومهترئة في أجزاء كبيرة منها بسبب قدمها وعدم تبديلها من إدارة المخيم.
السيول الأخيرة أحدثت طوفاناً من فرش وأمتعة عشرات العائلات المقيمة في المخيم لا سيما في ساعات ليل الجمعة الماضية، مما استدعى القاطنين لحفر أقنية بين الخيام والشوارع لتسهيل جريان المياه المتجمعة خصوصاً في الأماكن المنبسطة التي تتجمع فيها مياه المطر.
وعلى عكس السكان المحليين الذين يستبشرون خيراً بقدوم الأمطار، يزداد قلق النازحين المقيمين في مخيمي واشوكاني وسري كانيه المتاخمين لمدينة الحسكة، وهذا القلق نابع من تشكل السيول وغمر الشوارع والساحات التي تفصل بين الخيام التي يقطنها هؤلاء النازحون.
المخيمان اللذان يقعان على طرفي المدينة أنشآ في أعقاب نزوح عشرات الآلاف من سكان مدينة سري كانيه (رأس العين) وريفها إثر العملية العسكرية التركية “نبع السلام” عام 2019، وبالتحديد في الأسابيع الأولى منها، إذ جهزت الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا بداية مخيم واشوكاني الذي يقع على بعد 12 كيلومتراً في الجهة المقابلة لبلدة توينة غرب مدينة الحسكة وسميت تيمناً بالاسم التاريخي لمدينة رأس العين في العصر الميتاني.
أما مخيم سري كانيه فيقع في الجهة الشرقية للحسكة قرب جبل كوكب وافتتح في صيف 2020 لتنتقل إليه العائلات التي اتخذت من مدارس الحسكة مراكز للإيواء، ومن ثم استقبل العائلات الفارة من مناطق خطوط التماس جراء الهجمات والاشتباكات التي كانت تجري بين فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في ريفي تل تمر وزركان شمال غربي الحسكة.
اعتراف شكلي
على رغم وجود عشرات الآلاف من السكان في هذين المخيمين إلا أنهما لم يلقيا الاهتمام والاعتراف من وكالات الأمم المتحدة، لاسيما المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التي ترعى عدداً من مخيمات المنطقة مثل مخيم الهول الذي يأوي عائلات تنظيم “داعش” والنازحين الفارين من المعارك التي جرت خلال الحرب على الإرهاب، فيما بقى هذان المخيمان من دون التزام أممي تجاههما باستثناء بعض الخدمات الطارئة، بحسب مسؤولي الإدارة الذاتية.
شكل الموقف الرسمي للحكومة السورية عائقاً كبيراً لتوجيه الدعم الأممي وتبني وتأسيس المخيمين خصوصاً مع إصدار محافظ الحسكة في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 2019 تعميماً إلى فرع الهلال الأحمر السوري ومكاتب المنظمات الدولية ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية(OCHA) يقضي بعدم نقل أو استقبال وافدين في المخيمات أو المساهمة في افتتاح مخيمات جديدة لهم في الحسكة واقتصار الدعم فقط على مراكز الإيواء التي كانت معظمها مدارس واقعة في مناطق الإدارة الذاتية.
واعتبرت الإدارة الذاتية وقتها أن الموقف الحكومي نابع من قرار سياسي يهدف إلى الضغط على الإدارة الذاتية وإظهارها عاجزة أمام موجة النزوح الكبيرة، وأن التعميم الصادر من المحافظ ألغى أي دور للأمم المتحدة في الاستجابة لأزمة النازحين.
ويقول مدير مخيم واشوكاني برزان عبدالله إنه في إطار سعي الإدارة الذاتية للحصول من الأمم المتحدة على اعتراف وتبني من وكالاتها للمخيمين جرت اجتماعات عدة مشتركة خلال السنوات السابقة وكحصيلة لتلك الجهود، اعترفت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين برسمية وشرعية المخيمين في يناير (كانون الثاني) 2023، لكن هذا الاعتراف والتبني شكلياً ولم يرق إلى مستوى تقديم الدعم ولا يمكن مقارنته بمستوى الدعم المقدم للمخيمات الرسمية مثل الهول والعريشة.
تقليل الدعم
ووفق مدير المخيم الذي يبلغ تعداد قاطنيه 16784 شخصاً، فإن المساعدات المقدمة لقاطنيه تسهم في معظمها منظمات غير حكومية، لافتاً إلى أن هذ الدعم أيضاً تقلص بشكل كبير مع بدء الحرب في أوكرانيا والزلزال الذي وقع جنوب تركيا وشمال غربي سوريا وأخيراً الحرب في غزة.
وتابع عبدالله القول إنهم أبلغوا رسمياً من المفوضية ومجموعة عمل المنظمات غير الحكومية بأن الدعم المقدم للمخيمات في منطقة الجزيرة سينقص بنسبة 30 في المئة مع العام الجديد 2024، مؤكداً أن هذا الخفض سيؤثر سلباً في أوضاع النازحين.
بنية هشة
وفي مخيم سري كانيه الواقع شرق مدينة الحسكة وللسنة الرابعة على التوالي، أي منذ نشوئه، تفيض المياه في أنحاء واسعة منه، التي تسهم طبيعة مساحته الجغرافية في تشكل السيول في بعض أجزائه عند هطول الأمطار، مع أنه يقطنه أكثر من 16 ألف شخص.
وعلى رغم وضع مصارف المياه في بعض شوارع المخيم إلا أنها تخفف من تشكل السيول عند هطول الأمطار الغزيرة، لكن البنية التحتية للمخيم ضعيفة ولا تقوى على صرف مياه الأمطار، إضافة إلى أن شوارعه غير معبدة وهو ما يزيد من كمية الأوحال.
من جهته استبعد الرئيس المشترك لمجلس إدارة مخيم سري كانيه عبد الرزاق محمد وجود أي أدوار كبيرة لمنظمات الأمم المتحدة في المخيم على رغم جولاتها وزياراتها التي قامت بها خلال السنوات السابقة، أو أي تأثير في تحسين أوضاع النازحين الذين يقطون فيه، لافتاً إلى أن الأحوال تبدلت إلى الأسوء منذ نشوئه، إذ أصبحت معظم الخيام مهترئة ومثقوبة لا تقي سكانها من البرد وأمطار الشتاء ولا من قيظ الصيف وغباره الكثيف قرب جبل الكوكب شرق الحسكة، وهو ما دفع النازحين إلى بناء غرف متواضعة على نفقتهم الخاصة بمساحات صغيرة قرب خيامهم.
وشدد محمد على أنه في حال جرى تقديم دعم مناسب والتزام حقيقي من الأمم المتحدة للنازحين في المخيم فإن ذلك سيحسن من أوضاعهم لا سيما وأنهم تركوا جميع ما يملكون وفروا من المعارك دون اصطحاب أي شيء من أمتعهم أو ممتلكاتهم، مناشداً المنظمات الإنسانية والمعنية بشؤون اللاجئين النظر إلى أحوالهم “التعيسة”، على حد تعبيره.
وفي المخيم ذاته يدعو النازح إبراهيم علي حميد الذي ترك منزله في مناطق التماس بين “قسد” والجماعات المدعومة من تركيا، ويبدو أنه لا أمل قريباً لديه بالعودة لقريته بسبب المعارك، لكنه يطالب بتحسين وضعه في مكان نزوحه القسري واستبدال خيمته المهترئة بأخرى جديدة في الأقل.