أعلنت الولايات المتحدة يوم الخميس إنها أسقطت طائرة مسيرة وصاروخا باليستياً مضاداً للسفن في جنوب البحر الأحمر أطلقهما الحوثيون في المحاولة الثانية والعشرين من جانبهم للهجوم على الملاحة الدولية منذ 19 أكتوبر الماضي.
وأفادت القيادة المركزية الأميركية عبر منصة “إكس” بعدم ورود تقارير عن أضرار أو إصابات.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن يأمل في تشكيل تحالف دولي قوي للتصدي لهجمات جماعة الحوثي اليمنية على السفن في البحر الأحمر من خلال تشكيل قوة عسكرية بحرية جديدة، لكن بعد أسبوع من إطلاقها يبدو أن العديد من الحلفاء لا يريدون الانضمام إليها سواء علناً أو على الإطلاق.
وأصدرت دولتان من حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، وهما إيطاليا وإسبانيا، بيانات تشير في ما يبدو إلى أنهما تعرضان عن المشاركة في القوة العسكرية البحرية، وذلك على رغم الإعلان عن أنهما من المساهمين في عملية “حارس الازدهار”.
وتقول وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن قوة المهام هي تحالف دفاعي يضم أكثر من 20 دولة وتهدف إلى ضمان حرية حركة التجارة التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات عبر ممر ملاحي حيوي في البحر الأحمر قبالة اليمن.
لكن ما يقرب من نصف تلك الدول لم تقدم حتى الآن على الإقرار بمساهماتها ولم تسمح أيضاً للولايات المتحدة بالقيام بذلك، وتتراوح هذه المساهمات بين إرسال سفن بحرية والمشاركة بضباط.
وبقدر ما يعكس امتناع بعض حلفاء الولايات المتحدة عن الانضمام إلى قوة المهام الخلافات الناجمة عن الحرب في قطاع غزة، إذ يدعم الرئيس الأميركي جو بايدن إسرائيل بقوة حتى مع تزايد الانتقادات الدولية للهجوم الإسرائيلي الذي تقول وزارة الصحة في غزة أنه أودى بحياة أكثر من 21 ألف فلسطيني.
قلق أوروبي
وقال متخصص العلاقات الدولية في جامعة كمبلوتنسي بمدريد ديفيد هيرنانديز، “الحكومات الأوروبية تشعر بقلق بالغ من أن ينقلب عليها قطاع من ناخبيها المحتملين”، مشيراً إلى أن الشعب الأوروبي ينتقد إسرائيل على نحو متزايد ويخشى من التورط في صراع.
وهاجم الحوثيون المتحالفون مع إيران 10 سفن بالصواريخ والطائرات المسيرة منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) أو استولوا عليها في مسعى لخلق تبعات دولية لحملة إسرائيل العسكرية على غزة، والتي جاءت في أعقاب هجوم شنّه مقاتلو “حماس” على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وأسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز 240 رهينة.
وأسقطت القوات البحرية للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا كل على حدا طائرات مسيرة أو صواريخ أطلقها الحوثيون.
وقال شخص مطلع على تفكير إدارة بايدن إن الولايات المتحدة تعتقد أن هجمات الحوثيين المتزايدة تتطلب رداً دولياً منفصلاً عن الصراع المحتدم في غزة.
والبحر الأحمر هو المدخل للسفن التي تستخدم قناة السويس، التي يمر بها حوالى 12 في المئة من حجم التجارة العالمية وهي طريق مهم لحركة البضائع بين آسيا وأوروبا، وقد أدت هجمات الحوثيين إلى تغيير مسار بعض السفن لتدور حول أفريقيا عبر طريق رأس الرجاء الصالح مما زاد بشكل كبير من وقت الإبحار والتكاليف.
وقالت شركة “ميرسك” الدنماركية العملاقة للحاويات السبت الماضي إنها ستستأنف عمليات الشحن عبر البحر الأحمر وخليج عدن لكن شركة “هاباج لويد” الألمانية قالت أمس الأربعاء إنها لا تزال تعتقد أن البحر الأحمر محفوف بالأخطار وستواصل إرسال السفن للمرور عبر طريق رأس الرجاء الصالح.
خلاف حول غزة
تقول الولايات المتحدة إن 20 دولة انضمت إلى قوة المهام البحرية التي تقودها لكنها لم تذكر بالاسم سوى 12 دولة فقط، وقال الميجر جنرال الأميركي باتريك رايدر للصحافيين الأسبوع الماضي “سنسمح للدول الأخرى بالتحدث عن مشاركتها”.
وأبدى الاتحاد الأوروبي دعمه لقوة المهام البحرية ببيان مشترك يندد بهجمات الحوثيين، وعلى رغم أن بريطانيا واليونان ودولاً أخرى عبرت علناً عن انضمامها للعملية العسكرية الأميركية، فإن العديد من الدول التي ورد ذكرها في الإعلان الأميركي سارعت إلى القول إنها لا تشارك في العملية بشكل مباشر.
وقالت وزارة الدفاع الإيطالية إنها سترسل سفينة إلى البحر الأحمر استجابة لطلب ملاك السفن الإيطاليين وليس في إطار العملية الأميركية، فيما قالت فرنسا إنها تدعم الجهود المبذولة لتأمين حرية الملاحة في البحر الأحمر لكن سفنها ستبقى تحت القيادة الفرنسية.
وتقول إسبانيا إنها لن تنضم إلى عملية “حارس الازدهار”، وتعارض استغلال عملية أتالانتا العسكرية الحالية لمكافحة أعمال القرصنة والتابعة للاتحاد الأوروبي لحماية الشحن في البحر الأحمر، لكن رئيس الوزراء بيدرو سانتشيث قال أمس الأربعاء إنه مستعد للنظر في إطلاق مهمة مختلفة للتصدي للمشكلة.
ويساعد الغضب العام تجاه الهجوم الإسرائيلي على غزة في تفسير قدر من معارضة القادة السياسيين، فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته شركة “يوجوف” أخيراً أن غالبية كبيرة من مواطني غرب أوروبا بخاصة إسبانيا وإيطاليا يعتقدون أنه يتعين على إسرائيل وقف العمليات العسكرية في غزة.
وهناك أيضاً خطر أن تتعرض الدول المشاركة لانتقام من جماعة الحوثي، حيث يقول الشخص المطلع على تفكير الإدارة الأميركية إن هذا الخطر وليس الخلافات حول غزة هو ما يدفع بعض الدول إلى الابتعاد عن هذه العملية.
ويبدو أن هذا هو نفس موقف الهند التي لن تنضم إلى العملية الأميركية على الأرجح، وفقاً لمسؤول عسكري هندي كبير، حيث قال مسؤول حكومي هندي إن الحكومة تشعر بالقلق من أن التحالف مع الولايات المتحدة قد يحولها إلى دولة مستهدفة.
دعم دولي
في الواقع، تشارك العديد من الدول الأوروبية والخليجية بالفعل في أحد التحالفات العسكرية العديدة التي تقودها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ومن بينها تحالف القوات البحرية المشتركة الذي يضم 39 دولة.
ووفقاً لمتحدث باسم عملية أتالانتا التابعة للاتحاد الأوروبي، فإن العملية تتعاون بالفعل مع تحالف القوات البحرية المشتركة في إطار “علاقة متبادلة”، ويعني هذا أن بعض الدول التي لم تنضم رسمياً إلى قوة المهام البحرية في البحر الأحمر لا يزال بإمكانها تنسيق الدوريات مع البحرية الأميركية.
وعلى سبيل المثال، لم تعلن إيطاليا، وهي عضو في عملية أتالانتا، أنها ستنضم إلى عملية “حارس الازدهار”، لكن مصدراً حكومياً إيطالياً قال إن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة راض عن المساهمة التي تقدمها روما.
وأضاف المصدر أن قرار إرسال فرقاطة بحرية في إطار العمليات الحالية بمثابة وسيلة لتسريع نشر القوات العسكرية ولم يتطلب القرار موافقة جديدة من البرلمان.
وتأتي المساعي الأميركية لجذب الدعم الدولي لجهودها الأمنية في البحر الأحمر في ظل ضغوط متعددة تواجهها الولايات المتحدة من وكلاء إيران العسكريين في المنطقة.
وإلى جانب الحوثيين في اليمن، تشن الفصائل المدعومة من إيران هجمات على القوات الأميركية في سوريا والعراق، وحتى الآن، شنت الولايات المتحدة ضربات جوية انتقامية محدودة ضد الفصائل في العراق وسوريا، لكنها امتنعت عن القيام بذلك في اليمن.
وقال نائب مساعد وزير الدفاع السابق لشؤون الشرق الأوسط في عهد إدارة ترمب، مايكل مولروي، إن هدف “البنتاغون” من التحالف البحري الجديد هو جعل أي هجمات مستقبلية يشنها الحوثيون قضية دولية وفصلها عن الحرب بين إسرائيل و”حماس”.
وأضاف “بمجرد أن تبدأ عملية (حارس الازدهار) في حماية سفن الشحن الدولية وتتعرض لهجوم مباشر، فإن الحوثيين سيهاجمون التحالف بأكمله وليس الولايات المتحدة فقط”.