قضى استمرار الاشتباكات في السودان وانتقال الصراع إلى ولايات مختلفة بعد أن كان غالبه يدور في مدينة الخرطوم على حلم عودة السودانيين النازحين الذين بلغ عددهم نحو 5.3 مليون من مدن العاصمة الثلاث الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري نحو الولايات المختلفة.
وكانت أعداد كبيرة من السودانيين الذين نزحوا إلى الولايات المختلفة أو إلى دول الجوار مثل مصر وإثيوبيا وإريتريا وتشاد، قد عزمت بعد أكثر من ثمانية أشهر على اندلاع الأزمة بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” على العودة لمنازلهم لصعوبة استمرار وجودهم خارجها بسبب سوء الأوضاع السيئة وعدم قدرتهم على تحمل كلفة الإيجارات الباهظة.
والآن يرى كثر من النازحين أن انتقال النزاع إلى مدن مجاورة كمدينة ود مدني ينذر بخطر امتداده في بقية بقاع السودان واحتمالية استمراره لفترات أطول مع فقدان تام للغذاء والكهرباء والماء وغيرها من حاجات الحياة، فضلاً عن وجود انتهاكات في حق المواطنين من قتل وضرب واغتصاب.
مؤشر خطر
يقول الباحث والمحلل الاستراتيجي محمد محيي الدين إن “ما يحدث في ود مدني تحول خطر في مسار الحرب بكل المقاييس، لكن هذا لا يعنى نهايتها أو هزيمة القوات المسلحة، فعلى رغم أن لها تأثيرات في المواطن بإجباره على النزوح، فإنها تعمق غربة قوات (الدعم السريع) عن الشعب السوداني، وهذه نقطة مهمة ومركزية لأن هذا التحرك يستهدف إعادة هذه القوات إلى المشهد السياسي من طريق الاتفاق، لكن استمرار الانتهاكات تجاه المواطنين سيزيد من الشقة بين ميليشيات (الدعم السريع) وداعميها من جهة والشعب السوداني من جهة أخرى، لأن الانتهاكات ذاتها التي تم ارتكابها في دارفور والخرطوم والآن في ود مدني”.
وأضاف “أتوقع تحولاً في المواقف العسكرية داخل مدينة ود مدني خلال الساعات المقبلة وفق المعلومات المتوفرة حول المعارك التي تدور بين القوات المسلحة والميليشيات المتمردة، لذلك من الوارد في أية لحظة أن يحدث تحول يستعيد ميزان القوة لصالح الجيش، وهذا الأمر له تأثير في مجمل الحرب، وقد يقود باتجاه توحيد المجهود الحربي من المواطنين مع القوات المسلحة، من ثم مواجهة مفتوحة بمشاركة الأجهزة الأمنية المختلفة والمستنفرين من أبناء الشعب. وهنالك مطالبات كثيرة في ولايات السودان الأخرى بمشاركة المستنفرين وضرورة مدهم بالسلاح، وهذا سينقل المعركة لتصبح معركة شعب ضد هذه الميليشيات وليست معركة جيش فقط، بخاصة أن هناك تدخلات خارجية وراء ما يحدث، ويومياً يزيد التلاحم مع القوات المسلحة وهو الأمر سيغير المعادلة في الفترة المقبلة”.
انقطاع الإمداد
تعد مدينة ود مدني من المدن الرابطة بين مختلف ولايات السودان، ولها تأثير كبير فيها، كما أن تأثرها بالصراع الحالي سيؤثر في بقية مناطق البلاد مما سيجعل فكرة عودة كثر من النازحين إلى الخرطوم أمراً مستحيلاً.
هنا يقول الناشط السياسي عمار مهدي إن “ما حدث في ود مدني يبدد كل أحلام السودانيين الذين كانوا تواقين ومهيئين للعودة للخرطوم، بخاصة أن ود مدني تقع في وسط السودان وتربط بين ولاياته المختلفة، وسقوطها بالتأكيد سيؤثر في جميع الولايات لأن كل حاجات المواطنين تأتي من طريقها، فكل الإمداد القادم من مدينة بورتسودان الواقعة في شرق السودان نحو سنار وكوستي والأبيض والخرطوم سينقطع تماماً مما سيقلل من فرص عودة المواطنين إلى العاصمة”.
وعن انسحاب الجيش من مدينة ود مدني وسيطرة قوات “الدعم السريع” عليها خلال ساعات قليلة، قال مهدي إن “الحكومة والجيش انسحبا من المدن وتركا المواطنين يواجهون ميليشيات الدعم السريع، لكن المواطنين لا يستطيعون تقديم الحماية لأنفسهم لأنهم عزل وليست لديهم مقدرة على مواجهة تلك الميليشيات، فضلاً عن تعرضهم لمزيد من النزوح وسوء الأوضاع”.
إحباط عام
بعد فترة قليلة من الطمأنينة التي انتشرت وسط الشعب وعودة أعداد كبيرة إلى منازلها بالخرطوم من مختلف الولايات ودول الجوار، وبخاصة مصر، ورغبة أعداد كبيرة أخرى بالعودة في الفترة الأخيرة، فإن أحداث ود مدني شكلت صدمة للجميع وإنذاراً باستمرار الصراع وتفشيه في كل مناطق السودان.
المواطن هيثم سليمان المقيم في مصر، قال “كانت أسرتي ترغب في العودة للسودان، سواء إلى الخرطوم أو أية ولاية أخرى آمنة، وبالفعل عزمنا على ذلك وقمنا بتجهيز متطلبات السفر، لكن ما حدث أخيراً من تطورات بانتقال الصراع إلى ولاية الجزيرة التي كانت تعد ملجأ للنازحين من الحرب بدد أحلامنا تماماً وجعلنا نتراجع عن رأينا، فسقوط مدينة ود مدني هو بمثابة إنذار واضح وصريح بأن الصراع سيستمر لوقت أطول”.