على أرضية الخيمة فردت هدى لحافاً من الصوف ونامت عليه برفقة أطفالها الثلاثة، سحبت آخر غطاء تمتلكه، وهو مماثل للذي وضعته على الأرض، ولكن الصغار لا يزالون يشعرون بالبرد.
تعيش هدى حالياً في خيمة نصبتها في محافظة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، بعد أن نزحت مرتين: الأولى من بلدة بيت حانون شمالاً، والثانية من مدينة خانيونس جنوباً، وفي كل مرة جربت فيها الهرب من القصف الإسرائيلي كانت تخرج بأطفلها من دون أي مستلزمات تقيم حياتهم.
عندما وصلت هدى إلى محافظة رفح لم تجلب معها أغطية أو فرش، إذ لم يسعفها الوقت كونها خرجت على عجل هرباً من القصف والغارات.
تتشارك هدى و35 فرداً خيمة صغيرة لا تتجاوز مساحتها المرتين المربعين، وجميعهم وصلوا إلى رفح من دون أغطية شتوية تقيهم البرد القارس. تقول الأم “طلبت من أحد سكان رفح لحافات لينام عليها أطفالي وتبرع أحدهم لي باثنين فقط، وهذا كل ما أملكه”.
تضطر هدى إلى فرد أحد اللحافين على الأرض عندما يرقد صغارها للنوم، وتستخدم الأخير كغطاء لهم. تقول “لم يقدم لنا عاملو الإغاثة الطارئة أية أغطية حتى اليوم وأطفالنا يعانون البرد”.
هل أشعل الحطب؟
تملك هدى قليلاً من الحطب، فكرت مراراً في إشعال النار فيه أثناء الليل، لكنها تخاف أن يتسبب اللهب في حريق بالخيمة يقضي على أطفالها أو يخنقهم الدخان الأسود الذي يتصاعد من الخشب.
طول فترة الليل يرتجف أطفال هدى من البرد ولا يستطيعون النوم، وبسبب عدم حصولهم على الدفء يعانون ألماً في البطن، تؤكد الأم أن هذا المشهد يتكرر مع صغارها بشكل يومي.
في الأيام القليلة الماضية انخفضت درجات الحرارة في قطاع غزة، إذ بدأ تقلب الفصول وحل الشتاء وباتت الحرارة أدنى حتى وصلت إلى تسع درجات مئوية، مما فاقم معاناة 1.5 مليون نازح هربوا إلى مدنية رفح التي تفتقر إلى مراكز إيواء، كما أن بنيتها التحتية غير مجهزة لفصل الشتاء وهطول الأمطار.
في ظل هذا الطقس، ازدادت حاجة هدى للأغطية الشتوية، لكنها عاجزة عن توفيرها فهي غير موجودة في الأسواق، تؤكد أنها سحبت منذ بدء أزمة النزوح، واليوم تواجه البرد من دون أية مساعدات إنسانية.
حال هدى القاسي، يتكرر مع سعاد التي تعيش هي الأخرى في خيمة. تقول “ننام على الرمال، أنا مريضة سرطان ولا أجد أية أغطية للتدفئة، لم نر أي شيء جيد هنا على الإطلاق، نحن نعيش في البرد القارس”.
وتضيف سعاد “نتجمد من البرد، الليلة كان الأطفال يرتجفون، لا أستطيع العثور على بطانية لتغطيهم، في بداية حركة النزوح أعطونا بطانية لكل شخص، لكن البطانية كانت رقيقة جداً ولا تقينا من البرد، والسترات والملابس الشتوية غير متوفرة، لا نعرف ماذا نفعل”.
بحسب سعاد تزن البطانية كيلو غراماً واحداً، وهي رقيقة لا تقي طفلاً من البرد، لذلك تضطر إلى ثنيها مرات عدة من أجل تدفئة صغيرها، مشيرة إلى أن لديها مولوداً جديداً يحتاج هو الآخر إلى إيواء مناسب.
ربما كان حال سعاد أفضل من وضع محمود، الذي يقول إن “الجو بارد جداً، والخيمة صغيرة للغاية، وكل ما أملك هو الملابس التي أرتديها، ولا أعرف ما الخطوة التالية، إذا لم يمت الناس من القصف فسيموتون من البرد، إنه أمر فظيع عندما يهطل المطر”.
المساعدات بطيئة
وفقاً للمراقبين الإنسانيين، فإنه إذا لم يحصل النازحون على الملابس الشتوية والبطانيات وحتى مراتب النوم فإنهم معرضون للخطر على نحو مضاعف.
يقول المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة هشام مهنا، “طلبنا من المنظمات الدولية توفير الأغطية الشتوية الثقيلة للأطفال والكبار على حد سواء، لا سيما أن النازحين تركوا بيتوهم منذ ما يزيد على 68 يوماً، أي قبل حلول الشتاء”.
ويضيف مهنا، “هناك نقص في الأغطية الشتوية وصعوبة في توفيرها فهي غير موجودة في الأسواق المحلية، والمساعدات الإنسانية كانت تحمل بعض مستلزمات الشتاء لكن ليس بالقدر الكافي”.
حتى مراكز الإيواء التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” تشهد ضغوطاً شديدة أمام حاجة النازحين إلى أغطية الشتاء، يشير متحدث الوكالة كاظم أبو خلف إلى أن الوضع يزداد حدة في كل ساعة، ويتوقع أن يكون فصل الشتاء معقداً مع غياب التجهيزات المناسبة للوقاية من البرد والأمطار.
وفي شأن ما إن كانت هناك أية استعدادات وترتيبات خاصة لذلك، يتأسف أبو خلف على أن هذه الأوضاع ستشهد تدهوراً أكبر، مؤكداً أن بطء تدفق المساعدات يعقد الوضعية في الوقت الراهن من دون حتى التفكير في مستقبل الأسابيع المقبلة التي ستزداد فيها الأمور تعقيداً.