على رغم عدم حسم المجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينت) والحكومة الإسرائيلية طبيعة الحرب التي أعلنوا خوضها تجاه “حماس”، إلا أن الإسرائيليين أجمعوا أنهم أمام حرب هي السادسة بعد حرب 48، وحرب 67، وحرب أكتوبر، وحرب لبنان الأولى، وحرب لبنان الثانية.
بنيامين نتنياهو دعم شن الحرب بعد موافقة المجلس الوزاري الأمني المصغر من أجل تحقيق هدف القضاء على “حماس” وتدمير قوتها العسكرية والقضاء على قادتها، ولاتخاذ القرار النهائي ستبحث لجنة الخارجية والأمن في غضون يومين العملية لاتخاذ قرار بشأن موعدها وطبيعتها.
ووفق أمنيين وعسكريين بينهم الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية، عاموس يدلين، والقائد السابق لسلاح الجو، اليعزر مروم، فإن هذه الحرب ستغير وجه دولة إسرائيل، “سنكون أمام دولة مختلفة. هذه الحرب لن تكون مثل أي حرب سابقة، ستكون قاسية والقرار باتخاذها قاس مع سقوط هذا العدد الهائل من القتلى والمصابين، ومع وجود هذا العدد الكبير من الأسرى لدى حماس، وهو عدد لم يسبق أن وقع مثله أسرى حرب”.
حتى الرابعة من بعد ظهر اليوم الثاني من عملية “حماس” كانت لا تزال قوات الجيش الإسرائيلي والشرطة وحرس الحدود تدير مواجهات قاسية مع المقاتلين الفلسطينيين المتحصنين في ستة مواقع في جنوب إسرائيل، وبحسب الجيش، فقد دخل إسرائيل ألف مقاتل فلسطيني، قتل الجيش 350 منهم خلال المواجهات واعتقل 200 على الأقل، فيما عاد البقية إلى غزة أو انتشروا في مواقع مختلفة في جنوب إسرائيل لا يعرف الجيش أو أي طرف إسرائيلي مكان وجودهم، وهذا بحد ذاته يزيد القلق الإسرائيلي من احتمال استمرار القتال ووقوع مزيد من القتلى.
وخلال بحث الوضع الأمني تجاه غزة، بحث المجلس الوزاري المصغر الوضع على الجبهة الشمالية بعد قصف مزارع شبعا، وأوعز وزير الأمن يوآف غلانت بإخلاء البيوت المتاخمة للحدود، وتم نشر قوات معززة من الجيش ونقل آليات عسكرية ومدرعات إلى المنطقة، وشوهدت عشرات المدرعات أمام بلدات عربية في الشمال مثل فسوطة وغيرها بانتظار أوامر تقدمها نحو حدود لبنان.
وهدد الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هجاري، برد قاس على لبنان قائلاً، إن الأجهزة الأمنية العسكرية ترصد وتراقب نشاطات عناصر “حزب الله” في نقاط قريبة من إسرائيل.
المرحلة الأولى لم تنته
اعتبرت إسرائيل المرحلة الأولى من حرب غزة هي المواجهات التي تدور بين المقاتلين والجيش، وتمشيط جميع المناطق الإسرائيلية وإخلائها من جميع المقاتلين الفلسطينيين، وهذه بحد ذاتها، كما قال مسؤول عسكري، ما زالت مهمة غير سهلة، “حيث عشرات الأسرى والجثث المنتشرة في الشوارع، التي لا يعرف الطرف الإسرائيلي تفاصيل كاملة عنها وعن وضعها، ما يجعل المواجهات أكثر صعوبة”.
الكابينت والحكومة والأجهزة الأمنية تواصل اجتماعاتها لتقييم الوضع وسط نقاشات حادة وخلافات في الرأي حول إطلاق الحرب على غزة، في وقت ينتشر مئات آلاف الجنود والمعدات الحربية في منطقة الشمال بانتظار صدور القرار الذي يعيقه بالأساس الأسرى في غزة، وخشية إلحاق الضرر بهم في حال أي قصف أو مدفعية تصيب مناطق يتواجدون فيها.
داني ياتوم الرئيس السابق للموساد، يرى أنه يتوجب على إسرائيل الانتظار والدخول في مفاوضات لإنقاذ الأسرى، قائلاً “هذا أفضل من أن نغمض أعيننا وندخل في حرب قاسية لتحقيق أهداف ونحسن من خلالها قوة الردع الإسرائيلية. في حماس سيستخدمون كل أسير درعاً واقياً، لذلك هناك حاجة لتجنيد المجتمع الدولي لمناقشة وضعية الأسرى في غزة”.
من جهة ثانية، عين نتنياهو جنرال احتياط، غال هيرش، المسؤول عن موضوع المخطوفين والأسرى، لينسق بين كافة المسؤولين ذوي الشأن في الحكومة والمؤسسة الأمنية.
وقد عقد أهالي الأسرى مساء اليوم الأحد مؤتمراً صحافياً توجهوا فيه للقيادة لإطلاعهم على مصير أبنائهم، واعتبروا أن نتنياهو والجيش عاجزان لإهمالهما ذويهم، وحملوهما مسؤولية أي ضرر يلحق بهم.
ما بين المفاوضات و”تحطيم عظام العدو”
الهدف المركزي من الحرب ليس فقط إعادة الأسرى، إنما أيضاً القضاء على “حماس”، وهو هدف أجمع عليه كافة الإسرائيليين من معارضة وائتلاف ومن يمين ويسار، لكن الأصوات العالية كانت تدعو إلى حرب تدمر كل غزة بغض النظر عن مكان ووضعية الأسرى.
أرئيل كهانا الكاتب الصحافي صاحب المواقف اليمينية المتطرفة، دعا إلى حرب ضروس على غزة توقع العدو في ضربة قاضية، وقال “بعد 50 عاماً بالضبط من حرب يوم الغفران (حرب أكتوبر)، وجدت إسرائيل نفسها مرة أخرى تحت هجوم مفاجئ، نتائجه مخيفة ومرعبة، ولا حاجة لأن يكون المرء خبيراً عظيماً كي يفهم أنه كان عمى استخباراتياً، وأن الجيش الإسرائيلي غير مستعد لمثل هذا الهجوم غير المتوقع، والمطلوب الآن هو تحويل الهزيمة إلى نصر، لا يكفي جباية ثمن هائل، مثلما قال رئيس الحكومة. في الظروف التي فرضت علينا يجب تحطيم عظام العدو، بمعنى إنزاله إلى الركبتين كي يصرخ كفى، ضربه دون رحمة وسحقه بوحشية. من دون محكمة العدل العليا ومن دون بتسيلم، من دون احتواء ومن دون قيد، من دون توازن ومن دون رأفة. وإذا كان التخوف هو من لاهاي، فثمة ما يكفي من المتطوعين للمهمة ليبقوا في البلاد حتى نهاية أيامهم، وهذا يعني أن نعيد غزة إلى العصر الحجري. أن نجري اختطافات مضادة لكبار رجالات حماس وأبناء عائلاتهم. أن ندمر بيوتهم، وأبراجهم العالية، والمطاعم والمتنزهات في غزة”.
ودعا كهانا متخذي القرار إلى عدم التردد بأن تكون حرباً غير كل الحروب، قائلاً “في انتظار العدو أيام قاسية لا يتوقعها. في الحرب علينا أن نعض الشفتين ونتغلب على الصدمة وعلى الألم، ونصل إلى النصر الذي سيوقع على العدو ضربة مذهلة لا يمكنه أن ينهض منها، ضربة توضح لكل اللاعبين في المنطقة ممن يفركون أيديهم فرحاً الآن، بأن إسرائيل قد تكون فوجئت مرة أخرى، لكن في السنوات الخمسين التالية على الأقل لن يتطاول عليها أحد مرة أخرى”.
“لحظات الإهانة”
من جهته، قال شلومي الدار، المخرج السينمائي والكاتب: “عندما تقوم حماس باحتجاز كثير من المواطنين الإسرائيليين، فلا يوجد أمام إسرائيل أي خيار سوى الفهم بأنها توقفت عن أن تكون القوة الأكبر في المعادلة.
وحذر الدار من أن “حماس لن تهزم ولن يتم إسقاطها، لا في الغد ولا في الأشهر القريبة المقبلة. هي التي ستملي المعركة والمفاوضات أيضاً. هي ستدير نتنياهو والكابينت وحكومة اليمين المطلقة التي ملأت إسرائيل بوهم أنها توجد لديها حلول سحرية بالقوة للنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين. أيضاً المعارضة ستضطر إلى تقويم خطها بسبب القلق على حياة مواطني إسرائيل. في الساعات القريبة المقبلة وفي الأيام والأسابيع المقبلة، ستنشر حماس أفلام فيديو سيكون لها تأثير كبير. هذه ستكون لحظات صعبة وقاسية وستحفر في الوعي الإسرائيلي بكونها لحظة من لحظات الإهانة والعجز الكبيرين اللذين عرفناهما في حياتنا. قصف محطة توليد الكهرباء في غزة أو تدمير البنى التحتية المدنية غير ممكن، فأي عملية قصف أو أي هجوم سيعرض مخطوفاً آخر للخطر “.
ويصف الحرب والمواجهات بـ”القاسية” قائلاً “نحن نتعامل مع عدو، قادته أذكياء لكنهم مخادعون، ويؤسفني القول إنهم أكثر حكمة وذكاء وتصميماً من القيادة في إسرائيل الآن. غزة لن تجوع وحماس لن تسقط بهذه السرعة. من لم يسقطهم من قبل وسمح لهم بتعزيز قوتهم وقدراتهم وقام بتحويل الشيكات المليئة بالأموال لهم، هو الذي يقف الآن أمام الواقع الفظيع الذي تحول إلى صدمة وطنية جديدة، لا تشبه أي شيء مما عرفناه في السابق. وجه يحيى السنوار المبتسم هو وأصدقاؤه سنضطر إلى رؤيته كثيراً في الأشهر المقبلة، ولن نستطيع فعل أي شيء أكثر من القول “خسارة أننا لم نقم بتصفيتهم من قبل”.