بموجب “قانون مقاتلين غير شرعيين” الإسرائيلي، يحتجز الجيش مئات الفلسطينيين من قطاع غزة في منشآت عسكرية، في ظل ظروف “اعتقال قاسية، ومعاملة وحشية تفتقد الحد الأدنى من المعاملة الإنسانية”.
ويحتجز الجيش الإسرائيلي منذ هجوم السابع من أكتوبر الماضي أكثر من 1200 فلسطيني بعد الإفراج عن 400 شخص على مراحل، وفق المرصد الأوروبي المتوسطي لحقوق الإنسان في جنيف.
مراحل الاعتقال
وتنقسم حملة الاعتقالات في قطاع غزة إلى ثلاث مراحل؛ الأولى بدأت خلال هجوم حركة “حماس” على إسرائيل، وشملت مقاتلين من الحركة، والمدنيين الذين دخلوا بعد اجتياز الجدار الأمني، بينما يعتبر الآلاف من العمال الفلسطينيين من قطاع غزة الذين يعملون في إسرائيل بتصريح رسمي من المرحلة الثانية للاعتقالات التي بدأت بعد أيام على الهجوم، أما المرحلة الثالثة فتشمل المئات من أهالي قطاع غزة الذين اعتقلهم الجيش الإسرائيلي خلال عمليته البرية في مدن وأحياء القطاع.
ويتم تجميع الأسرى من قطاع غزة في قاعدة “سديه تيمان” العسكرية قرب بئر السبع، وقاعدة “زكيم” العسكرية شمال قطاع غزة، إضافة إلى معسكر “عناتوت” قرب القدس، ومعتقل “عوفر” قرب رام الله.
روايات مفزعة
وروى أسرى فلسطينيون محررون تحدثت إليهم “اندبندنت عربية” عقب الإفراج عنهم عن ظروف اعتقالهم “القاسية وغير المسبوقة والوحشية، ومن ضمن هؤلاء محمود العدوي من حي الزيتون شرق غزة حيث أفرجت إسرائيل عنه وتركته على معبر كرم أبو سالم جنوب القطاع بعد تجريده من كل متعلقاته وحتى من حذائه.
ويقول محمود “طلبوا منها تسليم أنفسنا ونحن في منازلنا، وبقينا ثلاثة أيام في أرض فارغة مكبلي الأيدي”، مضيفاً “الجيش الإسرائيلي حرمنا من النوم والأكل والشرب لساعات طويلة، وضربنا بشكل مبرح”، موضحاً أن الجيش الإسرائيلي أمرهم بالبقاء جاثيين على ركبهم، وممددين على بطونهم لساعات طويلة، مع ضربهم بالعصي.
وبدت آثار التعذيب على جسم محمود الذي تركه الجيش الإسرائيلي وهو حافي القدمين ولا يعرف كيف يصل إلى عائلته بعد نزوحها من منزلها في حي الزيتون.
واتهم الجيش الإسرائيلي محمود ومجموعة فلسطينيين من حي الزيتون بالانتماء لحركة “حماس” لكنه تساءل “كيف نُسلّم أنفسنا ونحن ننتمي للحركة؟”، متابعاً بأنه كان شاهداً على وفاة بعض الأسرى المرضى خلال اعتقالهم، مضيفاً أن عمه يبلغ من العمر 74 سنة كان مسجوناً معه، وحرمه الجيش الإسرائيلي من أدويته”.
رهن الاحتجاز
من جهته، قال عبدالوهاب العدوي عقب إفراج الجيش الإسرائيلي عنه “بقينا 40 يوماً ونحن معصوبي الأعين، ولا نعرف الليل من النهار”، متابعاً وآثار القيود الحديدية على يديه، بأنه حُرم من الطعام والشرب لفترات طويلة، وأُجبر مع الآخرين على الجثي على ركبهم لساعات طويلة.
وأضاف عبدالوهاب أن اثنين من الأسرى توفيا بعد حرمانهم من العلاج، فيما تم إعطاء الأسرى حبوباً مهلوسة لتسجيل اعترافات بأنهم من مقاتلي “حماس”.
واعترف الجيش الإسرائيلي باعتقال أكثر من 500 فلسطيني من قطاع غزة خلال نوفمبر الماضي بينهم نحو 350 من “حماس” و120 من حركة “الجهاد”.
وقال الجيش الإسرائيلي إن المعتقلين محتجزون في مرافق الاحتجاز حتى يتم نقلهم إلى جهاز الأمن وإخضاعهم لمراجعة قضائية لمدة تصل إلى 14 يوماً بعد صدور أمر الاعتقال الدائم وفقاً للقانون”، لكن قانون “المقاتلين غير الشرعيين” الذي يستخدم للمرة الأولى بعد 20 سنة على إقرار الكنيست الإسرائيلي له يتيح احتجاز الفلسطينيين لـ30 يوماً قبل إصدار أوامر الاعتقال، وعرضها على القاضي العسكري خلال 45 يوماً من اعتقالهم.
قانون المقاتلين
ولا يتعامل الجيش الإسرائيلي مع معتقلي قطاع غزة كأسرى حرب كبقية الأسرى من الضفة الغربية أو القطاع الذين اعتقلوا قبل اندلاع الحرب، لكن كمقاتلين غير شرعيين، وبعد التحقيقات يتم الإفراج عن المعتقلين غير المتورطين بأنشطة عسكرية، فيما يتم نقل المعتقلين الآخرين إلى مصلحة السجون الإسرائيلية.
ومن بين مئات المعتقلين، أحال الجيش الإسرائيلي 71 من أهالي قطاع غزة الذين اعتقلوا بعد السابع من أكتوبر إلى القاضي العسكري الذي وافق على اعتقالهم.
وأشار مدير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في جنيف رامي عبده إلى أن الجيش الإسرائيلي يشن “حملة اعتقالات عشوائية للمدنيين من دون الاستناد إلى معلومات استخباراتية”.
وأوضح عبده أن الشهادات التي جمعها المرصد من الأسرى المحررين تُجمع على أن الجيش الإسرائيلي “ينتهج ممارسة التعذيب القاسي، والحرمان من النوم والأكل والشرب لفترات طويلة ضد الأسرى في معسكرات الاعتقال”، واصفاً تلك المعسكرات بمعسكر غوانتانامو العسكري الأميركي.
وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أن الجيش الإسرائيلي نفذ عمليات إعدام ميداني بحق بعض المعتقلين، فيما توفي آخرون جراء التعذيب الشديد وسوء المعاملة خلال احتجازهم.
معلومات موثقة
وفي السياق، أوضح مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان راجي الصوراني أن الجيش الإسرائيلي “يتعمد إذلال، والحط من كرامة المعتقلين المدنيين خلال وبعد الاعتقال والاحتجاز في المعسكرات”، مشيراً إلى أن المركز “جمع معلومات موثقة من الذين كانوا في الاعتقال تفيد بأن المعتقلين يتعرضون للتعذيب والتعرية”.
وأشار الصوارني إلى أن المفرج عنهم أخبروهم بسؤال عناصر الجيش الإسرائيلي عن مقاتلي “حماس” والأنفاق، ووصف الحديث عن هؤلاء المعتقلين “بترف المثقفين” في ظل المذابح الجماعية للفلسطينيين في قطاع عزة، وإبادة عائلات بأكملها”.
ويرفض الجيش الإسرائيلي السماح للجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة هؤلاء الأسرى لمعرفة ظروف اعتقالهم وعددهم.
من جهته، شبّه رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين قدورة فارس معسكرات اعتقال الجيش الإسرائيلي بمعسكر غوانتانامو وكذلك معسكرات اعتقال اليهود في أوروبا، مشيراً إلى أن إسرائيل ومؤسساتها تحوّلت إلى منظمات إرهابية وعادت إلى سيرتها الأولى حين تأسست قبل 75 سنة.
وبعد تزايد الانتقادات حول سوء معاملة أسرى قطاع غزة، أصدرت وزارة الصحة الإسرائيلية تعليمات بخصوص الجرحى والمرضى منهم.
ممارسات مرفوضة
وبحسب أوامر أجهزة الأمن الإسرائيلي، يبقى المعتقل مكبل اليدين ومعصوب العينين أثناء العلاج، باستثناء حالات توجد فيها ضرورة لإزالتها، وبإمكان الطواقم الطبية نقل معتقل إلى العلاج في المستشفى فقط في حال تقرر أن ذلك ضروري من أجل إنقاذ حياته.
ويعتبر المستشفى الميداني في معسكر “سديه تيمان” منشأة اعتقال عسكرية، بحسب إعلان وزير الدفاع يوآف غالانت.
وكان الجيش الإسرائيلي نشر في السابع من الشهر الجاري صوراً ومقاطع فيديو تظهر تنفيذه اعتقالات جماعية لفلسطينيين في شمال قطاع غزة، وإجبارهم على خلع ملابسهم باستثناء الداخلية.
وأظهرت تلك الصور هؤلاء الفلسطينيين وهم راكعين في الشارع، ويرتدون عصابات الأعين، ووضعهم في عربات عسكرية إسرائيلية
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري “نحن نقوم بالتحقيق والتحقق ممن لديه علاقات بحركة (حماس) ومن ليست لديه علاقات، نعتقلهم جميعاً ونستجوبهم”.