قرر زعماء الاتحاد الأوروبي الخميس فتح مفاوضات انضمام أوكرانيا إلى التكتل، في قرار سارع الرئيس فولوديمير زيلينسكي إلى الترحيب به، معتبراً إياه “انتصاراً” لبلاده.
وقرر القادة المجتمعون في قمة ببروكسل “فتح مفاوضات الانضمام مع أوكرانيا ومولدافيا”، بحسب ما أعلن رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، مضيفاً “إنها إشارة أمل قوية لمواطني هذين البلدين ولقارتنا”.
وتحدث المستشار الألماني أولاف شولتز عن “إشارة دعم قوية” لأوكرانيا تمنح “أفقاً” لهذا البلد الذي يشهد نزاعاً منذ الاجتياح العسكري الروسي في فبراير (شباط) 2022.
واعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن القرار “جواب منطقي وعادل وضروري على تطلعات الشعب الأوكراني”، متعهداً “الوقوف إلى جانب أوكرانيا والشعب الأوكراني لمواكبتهما ودعم الإصلاحات”.
وهذا القرار الذي كان يبدو بعيد المنال بسبب معارضة المجر، رحب به زيلينسكي على الفور، معتبراً أنه “انتصار لأوكرانيا، انتصار لأوروبا برمتها، انتصار يحفز ويلهم ويعزز القوة”.
وأضاف الرئيس الأوكراني بعد ساعات من حضه الأوروبيين على اتخاذ القرار أن “التاريخ يكتبه أولئك الذين لا يتعبون أبداً من النضال من أجل الحرية”.
ورحب البيت الأبيض بالقرار “التاريخي” الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي في شأن أوكرانيا ومولدافيا، معتبراً إياه “خطوة حاسمة نحو تحقيق تطلعاتهما الأوروبية الأطلسية”.
تم اتخاذ القرار من دون أي معارضة من زعماء الاتحاد الأوروبي، إذ اختار رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان في النهاية الامتناع عن التصويت.
خيار أحمق
وأوضح دبلوماسي أوروبي لوكالة الصحافة الفرنسية، طالباً عدم الكشف عن هويته، أن “أوربان لم يكن حاضراً في القاعة عندما تم اعتماد النص، لقد تم الاتفاق معه في شأن ذلك”، موضحاً “أنه حل عملي، لقد أعطيت الإشارة السياسية”.
وقال أوربان في مقطع مصور نشر على “فيسبوك” إن “المجر لا تريد أن تتقاسم مسؤولية” هذا الخيار “الأحمق” الذي اتخذته الدول الـ26 الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، و”امتنعت تالياً” عن التصويت.
وكان أوربان صرح لدى وصوله إلى القمة في بروكسل أن “التوسيع عملية تتضمن تفاصيل من الناحية القانونية وتستند إلى الأهلية، لقد حددنا سبعة شروط، وفي ضوء تقييم المفوضية نفسه فإن ثلاثة شروط من سبعة ليست مستوفاة، هذا يعني أننا لسنا في موقع للبدء بالتفاوض”.
لكن بانسحابه من القاعة في لحظة التصويت، تنازل أوربان عملياً عن استخدام حق النقض. ويعارض الزعيم القومي المجري أيضاً تقديم دعم أوروبي بقيمة 50 مليار يورو لأوكرانيا.
أعلن أوربان فجر الجمعة أنه استخدم حق النقض لمنع إقرار مساعدة أوروبية لأوكرانيا بقيمة 50 مليار يورو.
وكتب أوربان على منصة إكس (تويتر سابقاً) “ملخص الجلسة الليلية: فيتو على الأموال الإضافية لأوكرانيا، وفيتو على مراجعة الميزانية الأوروبية المتعددة السنوات، سنعود إلى هذه القضية العام المقبل بعد استعدادات مناسبة”.
وأعلن رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال فجر الجمعة أن دول الاتحاد الأوروبي ستستأنف “مطلع العام المقبل” بحث تقديم مساعدة جديدة لأوكرانيا بعدما استخدم رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان حق النقض لتعطيل إقرار حزمة قروض وهبات أوروبية لكييف بقيمة 50 مليار يورو.
وقال ميشال للصحافيين “لا أريد الغوص كثيراً في التفاصيل، سأعمل خلال الأيام والأسابيع المقبلة مع زملائي للتحضير لقمة في بداية العام المقبل”.
وكان زيلينسكي ينتظر، على غرار ملايين الأوكرانيين، إشارة تشجيع من الأوروبيين، في وقت تتزايد فيه الإشارات السلبية من واشنطن.
وتتتالى الأخبار السيئة على أوكرانيا منذ أسابيع، فقد فشل هجومها العسكري المضاد في تحقيق اختراق حاسم، كما تعطلت المساعدات الغربية الضرورية للمجهود الحربي.
مسألة وجودية
وفي اللحظة التي بدأت فيها القمة الحاسمة في بروكسل، أبدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ثقته في انتصار بلاده في هذه الحرب، قائلاً إن “قواتنا المسلحة تحسن مواقعها على طول خط المواجهة”.
من جانبه، حذر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ من أنه “في حال انتصر بوتين في أوكرانيا فثمة خطر فعلي ألا ينتهي عدوانه هناك، دعمنا ليس صدقة بل هو استثمار في أمننا”.
وأكد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن “استمرار وزيادة” المساعدات لأوكرانيا هما “مسألة وجودية” بالنسبة إلى التكتل.
وتطالب المجر الاتحاد الأوروبي بالإفراج عن جميع الأموال المستحقة لها والتي تم تجميدها بسبب انتهاكات لسيادة القانون.
وأمنت بودابست الأربعاء الإفراج عن 10 مليارات يورو بقرار من المفوضية الأوروبية أثار غضب أعضاء في البرلمان الأوروبي استنكر عديد منهم ضعف بروكسل في مواجهة “ابتزاز” رئيس الوزراء المجري.
من جانبها، رحبت رئيسة مولدافيا مايا ساندو بقرار دول الاتحاد الأوروبي.
وقالت عبر “فيسبوك”، “إنه انتصار لنا جميعاً، صفحة جديدة في تاريخنا، قبل عامين لم يكن أحد يتخيل” مثل هذا السيناريو، في وقت تتقارب هذه الجمهورية السوفياتية السابقة بخطى حثيثة مع الاتحاد الأوروبي منذ انتخاب ساندو نهاية عام 2020.
كما قرر الاتحاد الأوروبي منح جورجيا وضع الدولة المرشحة لعضويته وفتح مفاوضات الانضمام مع البوسنة والهرسك، بشروط.
ورحبت الرئيسة الجورجية سالومي زورابيشفيلي على الفور بالقرار، قائلة إن “هذا اليوم يمثل علامة فارقة كبيرة بالنسبة إلى جورجيا وعائلتنا الأوروبية”.
دعم أميركي
من ناحية أخرى، قرر مجلس الشيوخ الأميركي الخميس تأجيل عطلة نهاية العام لمنح نفسه مزيداً من الوقت للتوصل إلى اتفاق في شأن حزمة دعم لأوكرانيا، بحسب ما أعلن زعيم الغالبية الديمقراطية فيه تشاك شومر.
وصادق الكونغرس على مساعدات هائلة لأوكرانيا منذ بدء الحرب الروسية في فبراير 2022، لكنه يشهد خلافات في شأن الحزمة الأخيرة التي اقترحها الرئيس الديمقراطي جو بايدن.
ويؤيد الديمقراطيون الحزمة التي تناهز قيمتها 61 مليار دولار وتشمل مساعدات عسكرية وإنسانية واقتصادية.
كذلك فإن هذه الحزمة لا يعارضها الجمهوريون، باستثناء حفنة من المشرعين اليمينيين المتشددين، لكنهم يطالبون في المقابل بتشديد سياسة الهجرة في الولايات المتحدة بشكل كبير.
وكان أمام مجلس الشيوخ مهلة حتى الجمعة فقط، الموعد التقليدي لبداية العطلة البرلمانية، للتوصل إلى حل وسط في شأن الحزمة الجديدة.
لكن تشاك شومر أعلن أن “مجلس الشيوخ سينعقد الإثنين لمنح المفاوضين، نيابة عن البيت الأبيض والديمقراطيين والجمهوريين في مجلس الشيوخ، وقتاً للتوصل إلى اتفاق”.
وأثناء زيارته لواشنطن هذا الأسبوع، حض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي المشرعين الأميركيين على فض خلافاتهم قبل نهاية العام، مؤكداً أن الرئيس الروسي فلاديمير “بوتين وزمرته من المختلين” سعداء بـ”المفاوضات التي لا نهاية لها في الكابيتول”.
ولكي يتم اعتماد الحزمة الخاصة بأوكرانيا نهائياً، يجب أن يصادق عليها أيضاً مجلس النواب الذي علق بالفعل عمله لهذا العام.
ومن الممكن نظرياً استدعاء النواب من دوائرهم الانتخابية إذا جرى التوصل إلى تفاهم.
لكن رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون لم يبد تفاؤلاً في شأن إمكانية التوصل إلى اتفاق.
ومنذ بداية النزاع يراهن الكرملين على تراجع المساعدات الغربية، ويعزز أي تردد من جانب حلفاء كييف اعتقاد روسيا بأن رهانها سيفوز.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مؤتمره الصحافي السنوي الخميس “هذه الهدايا قد تتوقف ذات يوم، ومن الواضح أنها بصدد التوقف”.
في المقابل، أبدى الرئيس الأوكراني الخميس ثقته في دعم الحلفاء، مؤكداً أنه يتوقع “أن يتخذ الكونغرس الأميركي قريباً القرار الحاسم بمواصلة دعمه الحيوي لأوكرانيا”.
عقوبات جديدة على روسيا
على صعيد آخر، تبنى قادة الاتحاد الأوروبي الحزمة الـ18 من العقوبات على روسيا، التي تتضمن خصوصاً فرض حظر على واردات الألماس الروسي إلى الاتحاد الأوروبي، وتدابير لتحسين فعالية العقوبات المتعلقة بالنفط الروسي.
ورحب الزعماء الأوروبيون المجتمعون في قمة ببروكسل باعتماد هذه الحزمة الجديدة، وهي الـ18 منذ بدء الاجتياح الروسي.
وفرض الاتحاد الأوروبي مجموعة غير مسبوقة من العقوبات على روسيا منذ أن أمر الرئيس فلاديمير بوتين قواته باجتياح أوكرانيا في فبراير 2022.
وتحظر العقوبات الأخيرة، التي لم يتم نشرها بعد في الجريدة الرسمية للاتحاد، صادرات روسيا من الألماس.
وتشمل الحزمة أيضاً إجراءات ترمي إلى تشديد تطبيق سقف أسعار النفط بهدف الحد من إيرادات الكرملين من مبيعات النفط الخام إلى دول خارج الاتحاد الأوروبي.
وفي الأثناء، يحذر دبلوماسيون أوروبيون من محدودية عدد القطاعات المتبقية التي يمكن أن يستهدفها الاتحاد الأوروبي مستقبلاً.
ولا يزال الاقتصاد الروسي غير متأثر إلى حد بعيد بالعقوبات الغربية، وقد أشاد بوتين الخميس بقدرة بلاده على “المضي قدماً”.
صواريخ فرط صوتية
ميدانياً، أعلنت القوات الجوية الأوكرانية أن روسيا أطلقت الخميس ثلاثة صواريخ فرط صوتية في اتجاه كييف وغرب البلاد تم إسقاط واحد منها في الأقل.
وتزامن إطلاق الصواريخ مع المؤتمر الصحافي السنوي للرئيس فلاديمير بوتين في موسكو الذي كرر فيه أن روسيا ماضية قدماً في حربها في أوكرانيا.
ولم يسجل حتى الآن سقوط ضحايا أو وقوع أضرار.
وذكرت القوات الجوية أن هذه الصواريخ الباليستية من طراز “كينجال” أطلقت في اتجاه كييف ومدينة ستاروكوستيانتينيف (منطقة خميلنيتسكي) التي تضم مطاراً عسكرياً.
وأوضحت أن أحد الصواريخ دمر في منطقة كييف، وبعد الظهر سمع مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية دوي انفجارات عدة في العاصمة بعيد إطلاق صفارات الإنذار.
ولم تحدد القوات الجوية هل بلغت الصواريخ الأخرى أهدافها أم تم إسقاطها، لكن المتحدث باسمها يوري ايغنات قال في وقت سابق إن صاروخاً “أصاب منطقة خميلنيتسكي” من دون أن يوضح ما إذا كانت منطقة القاعدة العسكرية في ستاروكوستيانتينيف قد طاولها القصف.
استهدفت منطقة خميلنيتسكي حيث تقع ستاروكوستيانتينيف مراراً بهجمات روسية خلال الحرب المستمرة منذ نحو عامين.
وتم إطلاق الصواريخ الفرط صوتية التي يصعب عادة إسقاطها من مقاتلات “ميغ-31”.
وأشارت القوات الجوية إلى أن “10 دقائق فقط” فصلت بين إطلاق صفارات الإنذار ووصول الصواريخ إلى وسط أوكرانيا.
وأطلق الإنذار المذكور في كييف أربع مرات الخميس، وذلك للمرة الأولى منذ أشهر.
وكثفت موسكو هجماتها على كييف خلال الأيام الأخيرة. والأربعاء، أصيب 53 شخصاً بجروح جراء قصف روسي على العاصمة الأوكرانية.