ورد يوم الإثنين الماضي خبر مقتل قيادي في الحرس الثوري بسوريا وأطلق بعدها رئيس النظام الإيراني إبراهيم رئيسي تهديدات ضد إسرائيل وتوعدها بـ “الانتقام الصعب”.
ما طبيعة رد النظام الإيراني على إسرائيل؟
إذا ما استعرضنا سير الأحداث خلال الأسابيع الماضية نجد علائم لتدخل إسرائيل في قتل القيادي في الحرس الثوري وإنها قد ردت على أداء النظام الإيراني، أي أن تل أبيب ترى أن إيران مسؤولة عن الهجمات المتكررة خلال الأسابيع الماضية ضد مالكي السفن الإسرائيلية أو تلك التي تتوجه إلى إسرائيل لذلك قتلت القائد في الحرس الثوري في سوريا.
تقارير تؤكد أن القيادي المقتول في سوريا رضى موسوي من العناصر الأساسية في الحرس الثوري المعنية بتزويد الميليشيات المتحالفة مع إيران بالسلاح والصواريخ، ويثبت رد فعل زعيم ميليشيات “حزب الله” حسن نصرالله صحة هذه المعلومات.
في حين لم يتخذ النظام السوري والرئيس بشار الأسد موقفاً من الهجوم الذي وقع على الأراضي السورية وصف حسن نصرالله مقتل القيادي في الحرس الثوري على يد إسرائيل بأنه جريمة، وقال “نعتبر عملية الاغتيال هذه هجوماً واضحاً ووقحاً واعتداء على الحدود”.
وكان انتخاب الهدف من قبل إسرائيل مدروساً ويمكن اعتباره رداً على تدخلات النظام الإيراني في الحرب الحالية بين إسرائيل و”حماس”، وكذلك الهجمات ضد السفن الإسرائيلية.
الحضور الخفي لإيران في ساحات الهجمات بعيداً من الحدود الإيرانية يحدث بواسطة الميليشيات الحوثية التي تخوض حرباً نيابية والتي أطلقت صواريخ على إسرائيل بحجة الدفاع عن “حماس” وفتحت جبهة ضد تل أبيب من خلال خطف السفن وتهديد حركة الملاحة البحرية المتجهة إلى إسرائيل أو تلك المرتبطة بها.
أشرت في مقابلة سابقة إلى التعاون الاستخباراتي بين النظام الإيراني والحوثيين لتحديد السفن الإسرائيلية، وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية أكدت صحة هذه المعلومات.
التحالف البحري ضد الحوثيين الذي تحدثت عنه الولايات المتحدة الأميركية لم يستطع بعد توفير الأمن للملاحة البحرية في المياه الدولية في المنطقة، ولم يضم البلدان العربية المؤثرة في المنطقة، كما أن عدداً من الدول الأوروبية منها فرنسا وإسبانيا لم ينضما إلى التحالف.
الدول التي لم تتخذ مواقف واضحة من الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين نظراً لأوضاعها الداخلية ترجح أن تتخذ موقف المتفرج وتترك أي مواجهة عسكرية إلى الولايات المتحدة وإسرائيل.
لكن الهجوم الأخير في المحيط الهندي الذي استهدف سفينة بعيدة من المنطقة التي تحرسها الولايات المتحدة الأميركية في باب المندب تزيد من التعقيدات المرافقة لحماية السفن الإسرائيلية.
وأعلن “البنتاغون” أن المسيرة التي استهدفت السفينة في المحيط الهندي أطلقت من إيران على رغم أنه لم تنشر بعد صور الأقمار الاصطناعية التي تحدد مكان إطلاق المسيرة، لكن مثل هذه الإجراءات تسبب أخطاراً كبيرة لإيران.
النظام الإيراني يرفض هذه الإدعاءات لكن يعرف الجميع أنه زود الحوثيين بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة وأن الميليشيات تزج بنفسها في الصراعات الإقليمية بإيعاز من إيران.
تعرف بلدان المنطقة فضلاً عن أميركا وإسرائيل أن إيران تستخدم الحوثيين كقوة نيابية وتتدخل في الحرب بين إسرائيل و”حماس”.
يبدو أن العجز في المقامرة في الزج بـ”حزب الله” اللبناني في الحرب ضد إسرائيل واستمرار قصف غزة واحتمال فشل “حماس”، حث إيران على التدخل غير المباشر في حرب القطاع.
المسؤولون الإيرانيون أعلنوا منذ بداية حرب غزة بشكل صريح أنهم ليسوا على اطلاع من هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) التي نفذتها “حماس” على رغم دعمها للحركة وكذلك “الجهاد”.
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” أكدت بناء على وثائق أمنية واستخباراتية أميركية أن سفينة إيرانية تنقل معلومات حول حركة السفن البحرية في باب المندب والبحر الأحمر إلى الحوثيين.
هذه المعلومات تشي بقرب تنفيذ خيارين إما أن تقدم الولايات المتحدة الأميركية على حرب مباشرة ضد إيران أو أنها ستحذر طهران لكي تعمل على احتواء الحوثيين.
بعد نشر هذه المعلومات في 24 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، شهدنا هجوماً بواسطة طائرة مسيرة ضد سفينة في المحيط الهندي، وأكدت وزارة الدفاع الأميركية أن إيران مسؤولة بشكل مباشر في الهجوم.
يبدو أن إسرائيل ومن خلال قتل القيادي في الحرس الثوري المسؤول عن تجهيز سوريا بالصواريخ قد ردت على إيران التي ترى أنها مسؤولة مباشرة في الهجوم على السفن المرتبطة بإسرائيل.
ربما يبدو للوضع أن النظام الإيراني استطاع إخماد الأزمة الداخلية من خلال قمع احتجاجات “ثورة مهسا أميني” وأنه يرسل رسائل بأن الوضع مستقر في الداخل لكن الأوضاع خارج حدود إيران تمر بأزمة.
لا أتحدث هنا عن أزمة شرعية النظام الإيراني، بل أتحدث عن التهديدات التي يتعرض لها الأمن الوطني والبلاد حيث أن النظام للأسف يزج بالبلاد والشعب في الصراعات من خلال دعمه للميليشيات المنتمية إليه ومحاولة حمايتها.
ننهي عام 2023 في وقت تشير وقائع أحداث الـ83 يوماً الماضية في غزة والمواجهات بين الميليشيات في المنطقة وأميركا وإسرائيل أن إيران ستمر بعام مليء بالأحداث في 2024.
كنت قد كتبت مراراً أن توفير الأمن لتل أبيب يحظى بأهمية كبيرة للولايات المتحدة الأميركية، وكانت واشنطن غادرت المنطقة لأن الأوضاع سارت بشكل مريح لها بعد السلام بين عدد من بلدان المنطقة وإسرائيل، لكنها عادت بعدما تعرض الأمن الإسرائيلي ووجودها إلى خطر وأنها تعمل على أساس ما يتطلبه الوضع لضمان أمن ووجود إسرائيل.