تصاعدت حدة المواجهات بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” بصورة غير مسبوقة، إذ تبادل الطرفان عمليات القصف المدفعي العنيف والمتواصل من منصاتهما المختلفة تجاه مواقع وتمركزات بعضهما بعضاً في مدن العاصمة الثلاث الخرطوم وأم درمان وبحري.
وبحسب مصادر عسكرية، فإن أمس الأربعاء شهد تصعيداً عسكرياً من طرفي النزاع على جميع جبهات القتال بالعاصمة، إذ كثف الجيش غاراته الجوية باستخدام الطيران المسير، فضلاً عن المدفعية على مواقع “الدعم السريع” بأحياء بري والمنشية بشرق الخرطوم، وأحياء الأزهري بجنوب الحزام، مما أدى إلى تصاعد أعمدة الدخان في سماء تلك المناطق، كما كثف الطيران الحربي تحليقه في مناطق جنوب الخرطوم، فيما أطلقت “الدعم السريع” صواريخها الأرضية المضادة للطيران.
في المقابل أطلقت قوات “الدعم السريع” قذائف مدفعية من منصاتها في شرق الخرطوم صوب سلاح الإشارة جنوب بحري، مما تسبب في حالات ذعر ورعب لسكان تلك المناطق.
ووفقاً لشهود عيان، فإن المدفعية التابعة للجيش السوداني بشمال أم درمان قصفت مواقع وتجمعات قوات “الدعم السريع” بعنف في مناطق عدة ببحري وجنوب ووسط أم درمان.
كما قصفت مدفعية “الدعم السري” من منصاتها ببحري المنطقة العسكرية التابعة للقوات المسلحة السودانية وأحياء الثورات بشمال أم درمان، لترد مدفعية الأخيرة بقصف مماثل مستهدفة تمركزات الأولى في بحري وأحياء أم درمان القديمة القريبة من وسط المدينة ومباني الإذاعة والتلفزيون، إلى جانب تركيز القصف على منطقة غرب أم درمان.
وتصاعد الدخان بكثافة من ضاحية الحاج يوسف بشرق النيل تزامناً مع القصف المدفعي المتبادل بين طرفي القتال.
في حين أشارت غرفة طوارئ جنوب الحزام التي تضم أحياء الأزهري ومايو والنهضة جنوبي الخرطوم إلى أن قذيفة مدفعية ثقيلة تسببت في مقتل سبعة أشخاص من أسرة واحدة بينهم أربعة أطفال.
ونوه بيان للغرفة بأن القذيفة دمرت منزل الأسرة بالكامل وتم انتشال الجثث بصعوبة من تحت الأنقاض.
جنوب دارفور
وفي دارفور حدثت خروقات كبيرة طاولت اتفاق وقف العدائيات بين قبيلتي السلامات والبني هلبة تهدد بعودتهما للقتال من جديد.
وكانت القبيلتان وقعتا في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) على اتفاق وقف عدائيات رعته قوات “الدعم السريع” يهدف إلى إنهاء القتال الذي اندلع بينهما في أغسطس (آب) وأدى إلى مقتل أعداد كبيرة من الطرفين وتشريد الآلاف بعد حرق قراهم.
ويتضمن الاتفاق وقف العدائيات وعدم تعدي أي طرف على ممتلكات الآخر في النفس والمال والعرض، فضلاً عن محاربة الإشاعات ونبذ خطاب الكراهية ومحاسبة مثيري الفتن، إلى جانب العمل على ضبط “الحكامات” وهن مغنيات شعبيات عرفن في مجتمع دارفور بلعب أدوار بارزة في الحرب بالتحريض وتحفيز المقاتلين، وبعضهن يغنين للسلام.
ووفقاً لمواطنين محليين، فإن مسلحين قبليين أحرقوا عقب توقيع الاتفاق عدداً من مزارع المواطنين بمناطق “هجليج، وعريدة” وهي قرى تسكنها إثنية السلامات بولاية جنوب دارفور.
استهداف المدنيين
وفي الأثناء، دان تجمع محامي الطوارئ في السودان ما يجري من تصاعد وتيرة القصف المدفعي والجوي في العاصمة الخرطوم بين القوتين المتحاربتين الذي أدى إلى مقتل عدد من المدنيين وتدمير البنى التحتية.
وذكر بيان للتجمع أنه “في إطار المخالفات المستمرة للقانون الدولي الإنساني من قبل طرفي النزاع شنت القوات المسلحة السودانية هجمات جوية ومدفعية لم تحقق أهدافاً عسكرية وأوقعت ضحايا وسط المدنيين ودمرت البنية التحتية، في الوقت ذاته الذي تتساقط فيه القذائف العشوائية لقوات الدعم السريع في المناطق المحيطة بالقيادة العامة شرق مدينة الخرطوم وسلاح الإشارة جنوب مدينة بحري”.
وأوضح البيان بأن “عمليات القصف الجوي لأحد الأسواق الشعبية بأم درمان يسمى (قندهار) أودت بحياة 75 مدنياً، كما قتلت أسرة كاملة بحي الإنقاذ جنوب الخرطوم، كذلك أدت الهجمات إلى أضرار واسعة في البنية التحتية، إذ تكرر القصف الجوي للمرة الثانية على مصفاة الجيلي شمال مدينة بحري، فضلاً عن قصف برج بنك بيبلوس وسط الخرطوم مما أدى إلى إتلافه، وشمل القصف أيضاً مباني محكمة وقسم ونيابة الأوسط بمنطقة العرضة بأم درمان وأدى إلى أضرار واسعة في المباني، كما تضر عدد من المنازل بأحياء البراري والجريف غرب والطائف وأركويت وبعض أحياء محلية شرق النيل”.
واعتبر محامي الطوارئ هذه الأفعال “مخالفة للقانون الدولي الإنساني وتشكل جرائم حرب بموجب النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية”، مطالبين مجلس حقوق الإنسان بالإسراع بتسمية أعضاء لجنة تقصي الحقائق المعنية بالسودان في ظل ارتفاع وتيرة هذه الجرائم والانتهاكات التي تحصد المدنيين وتدمر البنية التحتية.
احتواء حريق المصفاة
وفي شأن الحريق الذي لحق ببعض مرافق مصفاة الجيلي للبترول الواقعة شمال مدينة بحري، نفى وكيل وزارة الطاقة السودانية الأسبق حامد سليمان احتراق المصفاة بالكامل كما تردد في مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكداً أن القصف أصاب أجهزة وخطوط غرفة التحكم في المصفاة الموزعة لشركات الوقود.
وأشار سليمان إلى أن الأضرار التي لحقت بالوحدة جسيمة، لكنها أخف وأقل من إصابة المصفاة نفسها التي تعتبر واحدة من كبرى المنشآت البترولية وأهم البنى التحتية بقطاع الإنتاج البترولي في البلاد، إذ تسهم بإنتاج أكثر من نصف حاجات السودان من البنزين وغاز الطبخ وثلثها من الديزل، وجميعها منتجات فائقة الأهمية للحياة اليومية والإنتاج الزراعي والصناعي والنقل وغيرها من القطاعات.
وبحسب بيان لتجمع العاملين السودانيين في النفط، فإن العاملين وفرق الإطفاء في مصفاة الجيلي تمكنوا من احتواء وإخماد الحريق الذي شب في مركز التحكم بالمصفاة نتيجة لتعرضه لقصف جوى أصاب أجهزة وخطوط غرفة التحكم الموزعة لشركات الوقود، مؤكداً عدم وقوع إصابات بين العاملين في المصفاة.
جرائم حرب
سياسياً، أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن طرفي النزاع في السودان (الجيش وقوات الدعم السريع) ارتكبا جرائم حرب، بينما تورطت “الدعم السريع” والميليشيات المتحالفة معها في جرائم ضد الإنسانية وتطهير عرقي. منوهاً بإمكانية اتخاذ قرارات مستقبلية حال توافر معلومات إضافية حول تصرفات الأطراف.
وأشار بلينكن في تعميم صحافي إلى أن “بلاده ملتزمة استخدام الأدوات المتاحة لإنهاء هذا الصراع والتوقف عن ارتكاب الفظائع وغيرها من الانتهاكات التي تحرم الشعب السوداني من الحرية والسلام والعدالة”. مبيناً أنه منذ اندلاع القتال منتصف أبريل (نيسان) الماضي أطلقت القوات المسلحة السودانية وقوات “الدعم السريع” العنان لأعمال عنف مروعة وموت ودمار في جميع أنحاء السودان.
ولفت إلى أن الصراع بين طرفي القتال تسبب في معاناة إنسانية خطرة. وطالب الطرفان بالوقف الفوري للقتال والامتثال لالتزاماتهما بموجب القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ومحاسبة المسؤولين عن الفظائع.
وقال “يجب على الجانبين أيضاً التزام وصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق، وتنفيذ تدابير بناء الثقة التي يمكن أن تؤدي إلى وقف مستدام للأعمال العدائية”، معتبراً أن تدفق الأسلحة والتمويل إلى الأطراف المتحاربة لا يؤدي إلا لإطالة أمد الصراع الذي ليس له حل عسكري مقبول.
وتابع وزير الخارجية الأميركي “تحمل المدنيون وطأة هذا الصراع غير المبرر، وتعرض المعتقلون للإساءة وقتل بعضهم في مواقع الاحتجاز التابعة للقوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع”.
وبين بأن “قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة روعت النساء والفتيات بممارسة العنف الجنسي، أو مهاجمتهن في منازلهن، أو اختطافهن من الشوارع، أو استهداف أولئك الذين يحاولون الفرار إلى بر الأمان عبر الحدود”.
وواصل “في أصداء الإبادة الجماعية التي بدأت منذ ما يقارب 20 عاماً في دارفور شهدنا انفجاراً في أعمال العنف الموجهة ضد بعض مجتمعات الناجين نفسها، وتمت مطاردة المدنيين المساليت وتركوا ليموتوا في الشوارع، وأضرمت النيران في منازلهم، وقيل لهم إنه لا يوجد مكان لهم في السودان”.
ومضى بلينكن قائلاً “استناداً إلى التحليل الدقيق الذي أجرته وزارة الخارجية للقانون والحقائق المتاحة، فقد قررت أن أفراد القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع ارتكبوا جرائم حرب في السودان، وأن أعضاء قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية وتطهيراً عرقياً”.
اختفاء قسري
إلى ذلك، أعلنت المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري اختفاء 842 شخصاً مدنياً في السودان منذ اشتعال الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم، بينهم 127 مفقوداً من منطقة جبل أولياء التي تقع على بعد 45 كيلومتراً جنوب الخرطوم.
وأشار عضو المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري عثمان البصري إلى أن عدد بلاغات حالات الاختفاء المسجلة في النيابة العامة في ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة بلغت 471 مفقوداً، منوهاً بأن عشرات الأسر أبلغتهم تلقيها اتصالات من جهات تمارس الابتزاز من خلال طلب دفع فدية مالية تراوح ما بين مليون جنيه (ألف دولار) و5 ملايين جنيه (5 آلاف دولار) مقابل الإفراج عن أبنائهم المفقودين.
وحث البصري أسر المختفين بعدم التعامل مع من سماهم “المحتالين” والتواصل مع المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري مباشرة.