مع دخول الحرب على غزة شهرها الثالث، لوّح مسؤولون أردنيون بمراجعة العلاقات مع إسرائيل وإمكانية وقف بعض الاتفاقيات التي قد تصبح “مجموعة من الأوراق المركونة على رف يعلوه ويعلوها الغبار” وتعيد حالة اللاسلم، وفق ما صرح رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة.
ويرتبط الأردن مع إسرائيل بعدة اتفاقيات، أبرزها؛ معاهدة السلام، اتفاقية الغاز، اتفاقية الطاقة مقابل المياه، واتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة.
الأردن الذي يتعامل مع ما يجري في غزة “وكأنه يحصل على الحدود الأردنية”، وفق الخصاونة، أكّد أن إنتاج ظروف من شأنها أن تفضي إلى التهجير سيعتبر بمثابة “إعلان حرب” على الأردن لأنه يشكل إخلالاً مادياً باتفاقية السلام من قِبل إسرائيل.
معاهدة السلام
وُقعت معاهدة سلام بين الأردن وإسرائيل برعاية أميركية عام 1994 في حفل تاريخي أقيم بالمنطقة الفاصلة بينهما في وادي عربة جنوبي الأردن، اشتملت الاتفاقية على 30 بنداً حول الحدود والأمن والمياه وعلاقات الجوار واللاجئين والقدس وملفات أخرى.
ونصت معاهدة السلام على أن الهدف منها هو “تحقيق سلام عادل وشامل بين البلدين استناداً إلى قراري مجلس الأمن 242 و338 ضمن حدود آمنة ومعترف بها.
أستاذ القانون الدستوري وعميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة ليث نصراوين، قال إن “المصادقة على معاهدة السلام تمت بقانون تصديق بحسب المادة 33/2 من الدستور الأردني، وفي حال أراد الأردن إلغاءها فيجب أن يتم ذلك بإصدار مشروع قانون من نفس الدرجة لإلغاء التصديق على المعاهدة”.
وبحسب المعاهدة، فإن الأردن وإسرائيل يعترفان ويحترمان سيادة كل منهما وسلامته الإقليمية واستقلاله السياسي، ويعتقدان أيضاً أن تحركات السكان القسرية ضمن نفوذهما بشكل قد يؤثر سلباً على الطرف الآخر، ينبغي ألا يسمح بها.
وبشأن إمكانية الإخلال بالمعاهدة، أشار نصراوين إلى أنه “في حال تبع حرب غزة تهجير قسري لأي من سكان الضفة الغربية المحتلة، فإن ذلك يعتبر إخلالاً بمعاهدة السلام، كون الطرفين تعهدا بالحفاظ على الأمن والسلم القومي لكل دولة”.
ويعتبر الطرفان أن الحدود الدولية بما فيها المياه الإقليمية والمجال الجوي حدوداً لا يجوز اختراقها وسوف يحترمانها، وفق بنود المعاهدة.
الوزير الأسبق وأستاذ النظرية السياسية في الجامعة الأردنية محمد أبو رمان، يرى أن الأردن يضع كل الخيارات على الطاولة للتعامل مع إسرائيل في الوقت الحالي ولكنها مرتبطة بعدة معايير منها الأمن الوطني والمصالح الأردنية، بالإضافة إلى مصالح الفلسطينيين ودور الأردن الذي يقوم به تجاههم.
ولا يعتقد أبو رمان أن “الخيار الأفضل للأردن هو إلغاء معاهدة السلام لأن ذلك يعيدنا إلى حالة اللاسلم”.
ويضيف أبو رمان، أن “إلغاء المعاهدة سيجعل إسرائيل تتحلل من العديد من الأمور التي كان يضغط فيها الأردن أمام المجتمع الدولي مثل الوصاية الهاشمية على المقدسات الدينية وغيرها بالإضافة إلى موقف الأردن دبلوماسياً أمام المجتمع الدولي”.
وتنص المعاهدة: تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستولي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن.
“هنالك حالات يمكن عبرها تجميد أو إلغاء الاتفاقية بحسب اتفاقية فيينا لقانون للمعاهدات، وهي وجود مبررات وشروط مقنعة بإلغاء الاتفاقية بموجب القانون الدولي من طرف واحد، ما يجنب العقوبات الدولية على الطرف الذي يلغي”، بحسب الخبير الدستوري نصراوين.
وتطرقت المعاهدة إلى موضوع اللاجئين في المادة 8، وتنص على أنه يجب التنسيق عبر “مفاوضات تتم في إطار ثنائي أو غير ذلك ضمن إطار يتفق عليه وتكون مقترنة ومتزامنة مع المفاوضات الخاصة بالوضع الدائم لمناطق مشار إليها في المعاهدة”.
اتفاقية الغاز
ستورد اتفاقية الغاز التي تعاقد عليها الأردن وإسرائيل (موقعة بين شركة الكهرباء الوطنية وشركة نوبل إنرجي/ “شيفرون” في الوقت الحالي)، 1.6 تريليون قدم مكب من الغاز للأردن بقيمة 10 مليارات دولار لمدة 15 عاما بحسب الكميات المستوردة لتأمين 95% من حاجة الأردن من الغاز الطبيعي.
وفي حال قرر الأردن إلغاء هذه الاتفاقية، يترتب عليه غرامة قيمة جزائية 1.5 مليار دولار، وفق العقد المبرم بين الطرفين.
قال الباحث اقتصادي عامر الشوبكي، إن “سعر توريد الغاز ضمن الاتفاقية الآن يعتبر نصف سعر الغاز العالمي”، موضحاً أن الاتفاقية “مجدية اقتصادياً في الوقت الحالي، وسيتحمل الأردن خسائر كبيرة اذا لجأ إلى استيراد الغاز من السوق العالمي”.
وأعلن رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة، في وقت سابق، أن الأردن “يعمل على إيجاد بدائل في حال انقطع الغاز الطبيعي المتدفق من إسرائيل باتجاه المملكة”.
وقال الخصاونة، إن اتفاقية الغاز مع إسرائيل “ليست على طاولة الإلغاء”، مشيرا إلى أن الأردن “يحترم التزاماته التعاقدية”.
وحول إمكانية قطع الغاز من الجانب الإسرائيلي، قال الشوبكي، وهو متخصص في شؤون النفط والطاقة، إن “إسرائيل لا تستطيع قطع الغاز عن الأردن إلا بقطعه عن الداخل الإسرائيلي بحسب الاتفاقية وستتحمل شركة “شيفرون” غرامات كبيرة بقطعها عن الأردن دون الداخل وهذا سيؤدي إلى التوجه إلى المحاكم الدولية”.
ووجدت المحكمة الدستورية في الأردن ضمن قرارها، بأن اتفاقية الغاز الموقعة عام 2016 “لا تتطلب موافقة مجلس الأمة (البرلمان بشقيه)؛ لأنها موقعة بين شركتين وليس حكومتين”.
بدائل ممكنة
يعمل الأردن على إيجاد بدائل في حال انقطع الغاز الطبيعي المتدفق من إسرائيل باتجاه المملكة، عبر التواصل مع دولتين عربيتين -لم يعلن عنهما بعد- أبدتا استعدادهما لتلبية الحاجة، بحسب تصريحات رئيس الوزراء.
إيجاد بدائل عربية يعتبر “السيناريو الأفضل” بحسب وصف الشوبكي، وهو قيام الأردن باتفاق مع الإمارات أو قطر لاستيراد الغاز بأسعار تفضيلية تقارب سعر الغاز المستورد من إسرائيل لتجنب الخسائر الكبيرة.
الشوبكي يشير إلى إمكانية أن يقوم الأردن باستيراد الغاز بشكل مباشر عبر محافظة العقبة، “وهو ممكن في ظل وجود سفينة غاز مستأجرة من الأردن تستطيع تحويل الغاز المسال إلى الطبيعي، لكن ستكون تكاليفه نحو الضعف”.
وتابع: “في حال اللجوء إلى بدائل تعتمد على الأسعار العالمية قد يتكبد الأردن أضعاف التكلفة، مما سيرتب عجز إضافي على الموازنة والمديونية في الأردن وإرباك الحكومة”.
ودعا رئيس مجلس النواب الأردني أحمد الصفدي، مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني، اللجنة القانونية في المجلس إلى مراجعة الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل على خلفية حربها في غزة، وتقديم التوصيات اللازمة بشأنها من أجل تقديمها للحكومة، وهو ما صوت عليه المجلس بالموافقة بالإجماع.
اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة
ووقع الأردن على اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة (QIZ) مع إسرائيل في قطر عام 1997، بهدف دعم الازدهار والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط عن طريق تشجيع التكامل الاقتصادي الإقليمي.
وأشار الشوبكي إلى أن اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة “غير مجدية للأردن، لأنها تعطي قيمة صادرات غير حقيقية للصادرات الأردنية، وتعتبر الأردن “منطقة عبور” مع قيمة مضافة لا تتخطى الـ 3% للبضائع التي تنتجها هذه المناطق”.
“معظم المصانع التابعة للدول المستثمرة داخل هذه المناطق وظفت عمالة أجنبية وليس أردنية”، بحسب الشوبكي، الذي دعا إلى “ضرورة مراجعة وتعديل بنود هذه الاتفاقية بما يحقق فائدة أكبر إلى الأردن”.
“الاتفاقية التي تفيد الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل أكبر”، كما يرى الشوبكي، تتضمن إعفاء جمركياً وضريبياً للبضائع الأردنية المصدرة إلى الولايات المتحدة عن طريق هذه المناطق مع قيمة مضافة للمواد الأولية الإسرائيلية تتعدى الـ 8%.
اتفاقية المياه
في عام 2020 وقع الأردن إعلان نوايا مع الإمارات وإسرائيل في معرض إكسبو 2020 في دبي، يقضي في حال تنفيذه بحصول الأردن على 200 مليون متر مكعب سنوياً من المياه توفرها إسرائيل مقابل حصول الأخيرة على طاقة متجددة من الأردن.
وقالت وزارة المياه والري الأردنية، إن توقيع الإعلان ليس اتفاقاً لا من الناحية الفنيَّة ولا القانونيَّة؛ وأنَّ المشروع لن ينفَّذ بدون حصول الأردن على هذه الكميَّة من المياه سنويَّاً.
ويواجه الأردن شحاً في الموارد المائية في ظل تزايد عدد السكان وأعداد اللاجئين، إذ تقول الأمم المتحدة إن الأردن يشهد ثاني أعلى نسبة في العالم من حيث عدد اللاجئين نسبة للفرد الواحد. “ما يقارب 730 ألف لاجئ من المسجلين لدى المفوضية، معظمهم من سوريا”.
وحول كميَّات المياه التي يحصل عليها الأردن بشكل عام ، قالت الوزارة إنه يحصل على 35 مليون متر مكعب سنويَّاً وفقاً لمعاهدة السلام، إضافة إلى 10 مليون متر مكعب إضافية خارج المعاهدة تم الاتفاق عليها عام 2010؛ ويعتمد في باقي المصادِر على تجميع المياه، والمياه الجوفيَّة؛ حيث تبلغ حصَّة الفرد من المياه فيه 80 متراً مكعباً مقابل 500 متر مكعب كمعدَّل عالمي للفرد.
العلاقات بعد الحرب
حول تغير العلاقات الأردنية-الإسرائيلية بعد حرب غزة التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول، لفت أبو رمان إلى “تشكل قناعة أردنية بتراجع فرص السلام مع صعود اليمين الإسرائيلي، وبالتالي على الأردن أن يفكر بخطة بديلة للتعامل مع إسرائيل”.
وأشار إلى “وجود تخوّف من أن يتم طرح حل الدولتين بسياق إسرائيلي يؤدي لتصفية القضية الفلسطينية والعودة إلى “صفقة القرن” التي تحفُّظ عليها الأردن”.
ويضيف أبو رمان: “هناك تحول بنيوي في العلاقات الأردنية-الإسرائيلية بعد الحرب الحالية على غزة، مع قناعة سياسية لدى صانع القرار في عمّان بأن حل الدولتين أصبح أبعد ما يكون عن الواقع”.
من جهته، المحلل السياسي الإسرائيلي شلومو غانور، أشار إلى أن معاهدة السلام التي مضى عليها 29 عاماً بين الأردن وإسرائيل “صمدت وستبقى صامدة بالرغم من أنها شهدت الكثير من الحروب والتغيرات الجيوسياسية الإقليمية والتغيرات الإسرائيلية وتأزّم العلاقات الثنائية”.
وقال غانور، إن “الأردن وإسرائيل يعلمان أهمية المعاهدة انطلاقا من حرص البلدين على المصالح المشتركة والتفاهمات الاستراتيجية، واعتبار كل بلد أن البلد الآخر يشكل له العمق الاستراتيجي الحيوي لضمان الاستقرار”.
ولفت أبو رمان، وهو مستشار معهد السياسة والمجتمع، إلى “القلق الأردني اليوم هو من تهجير إسرائيل للفلسطينيين من الضفة الغربية، لذلك قال الأردن على لسان رئيس وزرائه إنه يعتبر ذلك بمثابة إعلان حرب من إسرائيل”.
وتوقع أبو رمان، طرح أجندة إسرائيلية جديدة غير حل الدولتين ستدفع دول الإقليم ثمنها، من خلال التهجير أو تحويل الضفة الغربية إلى “كانتونات بشرية”، بالتالي “تنتهي القضية الفلسطينية”.
وبشأن التهجير، يؤكد غانور “عدم وجود أي أساس بأن إسرائيل تريد تهجير الفلسطينيين لذلك لم تتفاعل مع التصريحات الأردنية حول إعلان الحرب”.
“استدعت إسرائيل سفيرها من عمّان لتفادي تأزيم الوضع مع الأردن في ظل الحرب على غزة”، وفق المحلل الإسرائيلي غانور الذي أكّد أن إسرائيل تأخذ تصريحات المسؤولين الأردنيين “بشكل جدي ولا تمر عليها مرور الكرام فقط، خاصة التي تحمل تداعيات سلبية على مستقبل العلاقات”.