تمر منطقة الشرق الأوسط بمرحلة تاريخية حساسة بعد أيام مرة وسوداء في إسرائيل وغزة تضع مستقبل الملايين من البشر من كابول إلى بيروت أمام علامة استفهام كبيرة.
وتواجه المنطقة مفترق طرق بين الاستبداد الديني الأسود ومن جانب آخر طريق يؤدي إلى الانعتاق والحرية، إذ يتحرك محورا الشر بصورة غريبة وغير قابلة للتبرير نحو مستقبل مجهول وخطر في حين أن القوى المتحررة والعلمانية تعمل على إلغاء بعضها الآخر من الساحة بدلاً من الوئام والعمل المشترك.
كان كثر يأملون في أن لا ترتفع أسعار النفط خلال السنوات الأخيرة، لأن أية زيادة في أسعار النفط تصب في صالح الحكومة القمعية في إيران ولا يصل من مصالحها شيء إلى المواطنين الإيرانيين. لقد ثبت اليوم أن أية زيادة في أسعار النفط لا تخدم الشعب الإيراني فحسب، بل تصب في مصلحة النظام المستبد في الداخل وتؤدي إلى تحفيزه على التدخلات الخارجية.
وأنفق النظام خلال العام ونصف العام الماضي مليار دولار من موارد النفط على إثارة الفوضى ومساعدة المجموعات الإرهابية. من جانبه يعمل نظام “طالبان” على توسيع خط هذه التدخلات الذي يمر بطهران واليمن وفلسطين وسوريا ولبنان.
عمل سيف العدل، وهو من قادة “القاعدة” على إيجاد تواصل بين استخبارات “الحرس الثوري” و”القاعدة”، وأجزاء من تنظيم “داعش” الإرهابي. توجه عدد من أعضاء تنظيم “القاعدة” إلى الشرق والغرب بعد الاستقرار في معسكرين بشمال وغرب إيران، وتلقوا التدريبات اللازمة بمساعدة “الحرس الثوري”، ومكث عدد منهم في إيران تحت رعاية المرشد المعظم.
وكان سعد بن دلان نجل قائد “القاعدة” السابق قد عمل خلال زيارة إلى دمشق على توقيع ميثاق تعاون مع الاستخبارات السورية و”حزب الله” لتنفيذ بعض المشاريع.
مكث سعد بن لادن مع الإرهابي اللبناني المعروف عماد مغنية والمقبور قاسم سليماني قائد فيلق القدس في مدينة زركنده الإيرانية لفترة. من بين هذه المشاريع تجميد لبنان العلماني والحر ونهب اليمن ومنع التطورات الثقافية والاجتماعية في العراق، والعمل ضد أسس الديمقراطية في العراق بعدما أنفقت الولايات المتحدة مليارات الدولارات هناك.
وكان تخطيط وتنفيذ عدد من الهجمات الإرهابية في المنطقة وعدد من الدول الأوروبية قد أوهم الولي الفقيه بأنه أصبح قائداً للأمة وصلاح الدين الثاني. ويتشكل محور الشر حالياً حول محور الولي الفقيه ويضم مجموعات مثل “فيلق القدس” و”جيش المهدي” و”حزب الله” و”الجهاد” و”حماس”، وكذلك “القاعدة” و”طالبان”.
وينهمك الديكتاتور الطاعن في السن بالتفكير في خلافته. لقد جمع المال ورفع علم الفتنة والموت وزرع بذور الحقد والعداء، والآن يرى نفسه أمام الموت، لكن لحسن الحظ لا تضم إيران شعب يندمج مع الديكتاتور مثلما هو الحال في بلاد كيم إيل سونغ. إنهم لا يقبلون بتقديم الولاية على طبق من الذهب لنجل المرشد مجتبي خامنئي.
في الوقت الحالي لا نشهد تعاطفاً من الفقراء منهم الحمالون في محطات السكك الحديد في القاهرة وطنجة مع “حماس” و”الجهاد” و”حزب الله” و”طالبان”، لكن مع حصول إيران على مليارات الدولار بواسطة باراك أوباما وجو بايدن، فإن الشياطين تلتئم مرة أخرى. انظروا إلى غزة لقد شيدت فيها العمارات والمستشفيات والمدارس ودور السينما والفنادق لترغيب “حماس” بالحياة، لكن المرشد علي خامنئي منحهم المال لصناعة المسيرات والصواريخ وتقنية الموت والدمار لكي يهدموا ويقضوا على جميع الآمال. هناك أموال في خزانة النظام الذي يتموضع للهيمنة على الشرق الأوسط.
يندمج محورا الشر بسرعة في محور واحد. انظروا إلى العراق، لقد أدرك عمار الحكيم الذي شرب الحليب من كؤوس المرشد على سيرة أبيه وجده من يد الخميني وخامنئي أن مصلحته ومجموعته، وكذلك الشيعة في العراق تأتي من خلال التحالف مع الولايات المتحدة والحصول على حماية واشنطن من أجل تثبيت مكانة الشيعة في نظام الحكم الحالي في العراق.
لكن هادي العامري و”فيلق بدر” لا يزالان يلتزمان في بعض الأوقات بالولاء لبيت المرشد ويبعثان التحية والسلام للقائد المعظم، لكن التنازلات المادية والمعنوية التي يحصلون عليها من خلال التعاون مع أميركا كثيرة، وقد نشهد مستقبلاً عزوفهم عن الولاء لإيران والتمسك بواشنطن.
أما جيش المهدي الذي يشكل أساسه مجموعة من الشباب المتشددين (بينهم مجرمون أفرج عنهم صدام حسين قبل شهر من سقوط نظامه من سجن أبو غريب لسلب الاستقرار من الشعب العراقي) لقد تحولوا إلى قوة تضم 10 آلاف شخص وتدرب ثلثان منهم على أقل تقدير على يد “الحرس الثوري” و”حزب الله” اللبناني و”فيلق القدس” في العراق وإيران ولبنان.
فالموازنة التي تنفق لتدريب وإدارة جيش المهدي بدأت بخمسة ملايين دولار من ولي الفقيه إلى مقتدى الصدر وفي الوقت الحاضر تتسلم المجموعة “حق الصمت” من الحكومات المنتمية إلى حزب الدعوة من أجل الاستقرار في شوارع البلاد.
يحصل مقتدى الصدر حالياً على موارد بالملايين ولا يحتاج إلى أموال خامنئي. في المقابل يحصل “فيلق بدر” والمجلس الأعلى باستمرار على مساعدات مالية وتسليحية، لكن كما ذكرت لقد تزعزعت الأواصر بين عمار الحكيم وهادي العامري من جهة، والنظام الإيراني من جهة أخرى بعد مشاهدة إغراءات أميركا.
من جانب آخر، يرسل “فيلق القدس” ممثلين إلى مناطق غير مستقرة في العراق ويعمل على توطيد علاقاته مع مجموعات مثل “عصائب أهل الحق” و”حزب الله” العراقي و”أنصار الإسلام”.
وكان حسن نصرالله قد اعترف أنه خلال العام الماضي فقط، تسلم الحزب من النظام الإيراني ما قيمته 900 مليون دولار. وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار آلاف الصواريخ والقذائف والأسلحة الآلية وأنواع السلاح الخفيف والمدرعات والمنظومات الدفاعية التي زودها النظام الإيراني، إلى جانب نفقات 84 مؤسسة مختلفة ومستشفيات ومدارس وثكنات ومساجد وحسينيات وصحف وإذاعة وتلفزيون نصل إلى رقم 700 إلى 900 مليون دولار أنفقت على “حزب الله” بأوامر المرشد علي خامنئي من صندوق الشعب الإيراني.
ويتحمل الشعب الإيراني ملايين الدولارات لأنشطة “حزب الله” في الشوارع وكلف الدعاية للحزب، ومنها “تلفزيون المنار” و”الميادين”، وتوفير موازنة ومعاشات 20 ألف من “المجاهدين” في سبيل الدولار.
وفي فلسطين يتوجه مرشد النظام الإيراني إلى “حماس” بعدما أنفق ملايين الدولارات لتأسيس وتمويل “الجهاد الإسلامي”، إذ لم تستطع المجموعة تجنيد عدد كبير ولم تستطع المجموعة استقطاب أكثر من 500 إلى 1000 شخص. وكانت “حماس” قد تلقت من النظام الإيراني 100 مليون دولار سنوياً في أقل تقدير. ومنذ هيمنة “حماس” على غزة، ارتفعت هذه النفقات تدريجاً لتصل إلى 250 مليون دولار سنوياً.
بعد بدء الحرب في غزة توجه إسماعيل هنية إلى طهران للقاء المرشد الإيراني علي خامنئي وطمأنه الأخير إن اهتمامات الولي الفقيه ستستمر وسيحصل عليها أعضاء “حماس”.
وتكرر سيناريو لبنان في فلسطين، فبعد مغادرة هنية طهران، اشتد الاصطفاف والخلاف لإزاحة “أبو مازن” الذي يعد الأمل الوحيد للفلسطينيين من أجل وطن مستقل وحر وتأسيس حكومة علمانية. واتخذ أبو مازن موقفاً شجاعاً ندد فيه بجرائم “حماس” في تدمير غزة ومقتل أكثر من 14 ألف شخص، وكذلك ندد بهجوم إسرائيل على غزة، وسيبقى رئيس السلطة الفلسطينية يلعن نظام ولاية الفقيه إلى الأبد.