بالتزامن مع تصاعد وتيرة تسخين جبهة جنوب لبنان بين “حزب الله” وإسرائيل، تسعى فرنسا إلى وساطة تحظى بتأييد إقليمي ودولي بهدف احتواء النزاع بين لبنان واسرائيل التي تبدو حتمية في حال عدم تثبيت حل سياسي، وبات واضحاً أن منطلق الحل الذي يحظى بشبه توافق دولي هو تطبيق قرار الأمم المتحدة رقم 1701.
ونتيجة لجولات مكوكية بين إسرائيل ولبنان، بدأت مع الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، ولحقه رئيس الاستخبارات الفرنسية بيرنارد إيميه، وبعده وفد استخباراتي فرنسي، إضافة إلى جولتين لوزيرة الخارجية كاترين كولونا، اتضحت المؤشرات الأولية للمبادرة التي تعمل باريس على حشد تأييد إقليمي ودولي لها.
وتفيد المعلومات بأن فرنسا تطرح آلية لتنفيذ القرار 1701 مع تدوير زوايا لبعض بنوده بطريقة تلاقي موافقة إيرانية وتحفظ ماء وجه “حزب الله” عبر عدم إظهار تطبيقه للقرار كهزيمة له، كما تلحظ دوراً لقواتها في جنوب لبنان كضامن لبعض التحفظات الإسرائيلية.
دور فرنسا فى النزاع
وتنطلق المبادرة الفرنسية من تحميل الطرفين مسؤولية عدم تطبيق القرار 1701 عند النزاع بين لبنان واسرائيل، إذ تشير إلى أن إسرائيل لم تتفاوض مع لبنان لحل النقاط الـ 13 المتنازع عليها على الحدود البرية، إضافة إلى عدم إيجاد حل للنزاع في منطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، فليس محسوماً بالنسبة إلى خرائط الأمم المتحدة ما إذا كانت تلك الأراضي تابعة للسيادة السورية أو اللبنانية، علماً أن القرار الدولي رقم 1680 الذي أُقرّ في الـ17 من مايو (أيار) 2006، يلحظ ترسيم الحدود البرية بين لبنان وسوريا، وبذلك سيؤدي تطبيقه حكماً إلى فض النزاع في تلك المنطقة.
وفي إطار المبادرة الفرنسية، كشفت مصادر مواكبة لزيارة وزيرة الخارجية كاترين كولونا، عن أنها أبلغت السياسيين اللبنانيين بأن فرنسا تقوم بالمسعى الأخير، ونقلت إليهم جدية الموقف الإسرائيلي وتشدده بصورة كبيرة وتصميمه على شن هجوم واسع على “حزب الله”، وأكدت أن الضغوط الدولية سواء من أميركا أو الاتحاد الأوروبي تساعد على لجم إسرائيل في الوقت الحالي ولكن لمرحلة لم تعد طويلة.
وأشارت المصادر إلى أن فرنسا توصلت مع إسرائيل إلى نقاط يمكن البناء عليها، وهي انسحاب الحزب إلى ما وراء نهر الليطاني مع إمكان الإبقاء على حوالى خمسة مواقع رصد للحزب تحت إشراف الجيش اللبناني وبالتنسيق مع القوات الفرنسية على بعد 10 كيلومترات من “الخط الأزرق” على أقل تقدير.
وترجح المصادر عينها ألا تتجاوز مهلة الحل السياسي لمنع شن هجوم إسرائيلي الأسابيع القليلة، فبرأيها قد يتم التوصل إلى هدنة إنسانية في غزة خلال فترة الأعياد، مما يُتوقَع أن ينسحب على الحدود اللبنانية- الإسرائيلية، إلا أنه بعد الهدنة وفي حال لم يتم إبرام صفقة سياسية، فإن أخطار الحرب ستصبح شبه حتمية.
إنجاز دبلوماسي
في السياق يوضح رئيس تحرير صحيفة “نداء الوطن” اللبنانية بشارة شربل أن “هناك إجماعاً على خطورة الوضع في جنوب لبنان، وفي هذا الإطار تجري فرنسا جهوداً دبلوماسية مكثفة لمنع انفجار الوضع”، كاشفاً عن أن “فرنسا تقوم منذ زمن بأدوار للتوصل إلى إنجاز دبلوماسي في لبنان، لا سيما أنها ستتولى الشهر المقبل رئاسة مجلس الأمن وتأمل من خلال جهودها بين لبنان وإسرائيل ومن خلال رئاستها لمجلس الأمن في أن تحقق خطوة مهمة تتمثل في منع نشوب حرب في لبنان والوصول إلى حل دائم للحدود اللبنانية- الإسرائيلية التي تشتعل شيئاً فشيئاً، ويبدو أن هناك تهديدات إسرائيلية جدية بأن تشتعل أكثر وتتوسع الجبهة”.
ورأى شربل أن “الرسائل التي نقلتها وزيرة الخارجية الفرنسية خلال زيارتها الحالية إلى لبنان تشبه الرسائل السابقة، لكن بدرجة أعلى بمعنى أن هناك تهديدات إسرائيلية متصاعدة بأنه إذا لم ينسحب حزب الله إلى ما بعد نهر الليطاني، أي إلى المنطقة العازلة التي يجب أن يعمل فيها الجيش اللبناني والقوة الدولية العاملة في لبنان وفق القرار 1701، فإن تل أبيب ستشن حرباً لتحقيق ذلك”.
وبحسب شربل، فإن “الإشكال الأساسي هو أن إسرائيل لم تطبق القرار 1701 منذ عام 2006 فاستمرت الخروقات الجوية، وكذلك حزب الله لم ينفذ الجزء الخاص به، لا سيما الابتعاد من الحدود وعدم وجود مسلحيه في تلك المنطقة”، ولفت إلى أن “مبادرة الحزب إلى شن عمليات لإشغال الجيش الإسرائيلي بإطلاق النار مساندة لغزة، تطور جديد رفع مستوى التوتر ويضع جنوب لبنان ولبنان كله في عين العاصفة”.
واستبعد شربل أن يقبل “حزب الله” بسهولة أن يفرَض عليه التراجع عن الحدود، “لكن خطورة الموقف ستجعله وإيران يجريان حسابات دقيقة حول إمكان خوض هذه الحرب وما هي النتائج والتداعيات التي ستنتج منها وإمكان التوصل إلى النتائج نفسها عبر الحل الدبلوماسي”.
الاتحاد الاوروبي
من ناحيته، يشير أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس جان بيار ميلاني إلى أن “صوت فرنسا كان أعلى من صوت بريطانيا وألمانيا لناحية المطالبة بوقف إطلاق النار في غزة وإعادة الهدوء إلى الحدود بين لبنان وإسرائيل”، معتبراً أن “الصوت الأوروبي ليس موحداً تجاه مقاربة الأوضاع في القطاع”.
وكشف ميلاني عن أن “الحراك الفرنسي بين لبنان وإسرائيل محصور بتطبيق القرار الدولي 1701، وباريس تعتبر أنها تؤثر إيجاباً في بعض المسؤولين اللبنانيين، مما قد يسهم في تخفيف الاحتقان الخطر بين الطرفين”، معرباً عن اعتقاده بأن “لا خيار أمام لبنان سوى تنفيذ القرار الدولي، وإلا فإن الأمور ستنزلق بصورة خطرة إلى حرب واسعة النطاق ربما تسفر عن إقحام دول أخرى في النزاع”. ولفت إلى أن “حزب الله” وإيران أُبلغا بأخطار عدم التجاوب مع التحذيرات الدولية.
منطقة عازلة
بدوره أكد مدير مركز المشرق للدراسات الاستراتيجية الدكتور سامي نادر أن “نجاح المهمة الدبلوماسية الفرنسية يتوقف على تصرف كل من إسرائيل وإيران”، معتبراً أن “تل أبيب كانت تتحدث عن ضربة استباقية على لبنان لأنها تريد إرساء قواعد اشتباك جديدة تعزل بموجبها الحدود الشمالية، في حين كانت طهران تشجع حزب الله على أن يكون موجوداً في تلك المنطقة، لذا فإن المرحلة المقبلة ستكون مرتبطة بمدى تجاوب إيران مع الطلب الإسرائيلي”.
ولفت نادر إلى أن “القرار 1701 هو قرار أممي يقضي بنشر سلطة الجيش اللبناني وتراجع كل المجموعات المسلحة إلى ما وراء نهر الليطاني، أي عملياً تثبيت منطقة عازلة على الحدود الجنوبية للبنان، وبذلك فإن السؤال هو ’هل تستجيب إيران للمطلب الإسرائيلي وتستغني عن ورقة حزب الله المهمة التي في حوزتها وماذا سيكون الثمن؟‘”، مضيفاً أن “الأمور تتخطى اللاعبين المحليين وحزب الله تحديداً، لذلك تكلمتُ عن الداعم الأساسي للحزب أي إيران. وحالياً يقوم الحزب بهذه الحرب ضمن إيقاع مضبوط، مما يعني أنه لا يريد أن تتمدد”، مشبهاً مسار الحرب “كمن يمشي على حافة هاوية وممكن في أي لحظة أن تنزلق الأمور وأن تخرج الحرب المضبوطة الإيقاع عن هذا المسار وتقود المنطقة إلى حرب مفتوحة”.
واعتبر نادر أن “الإطار القانوني والدبلوماسي للحراك الفرنسي هو ضمن القرار الدولي 1701 الذي أُقر عام 2006 نتيجة حرب مدمرة شنتها إسرائيل على لبنان”، مؤكداً أن “تعديل هذا القرار أو وضعه تحت الفصل السابع أو إدخال بعض التعديلات عليه غير مطروح بتاتاً، لذا تطبيق هذا القرار هو الإطار القانوني”.
معادلة الردع
في المقابل، تؤكد مصادر مقربة من “حزب الله” أن “رسائل ووساطات عدة وصلت إلى الحزب، إما مباشرةً أو عبر وسطاء محليين ودوليين، وأن الرد كان واضحاً على كل تلك الرسائل بأن ليس هناك نقاش ولا مفاوضات قبل وقف إطلاق النار في غزة، لذا ستبقى أبواب التفاوض مسدودة تجاه أي وساطة”.
ورأت المصادر أن الحديث عن انسحاب عناصر “حزب الله” من الجنوب هو “مطلب إسرائيلي يجب التصدي له وأن سلاح الحزب فرض معادلة ردع بوجه إسرائيل، مما منعها حتى الآن من النزاع بين لبنان واسرائيل ومهاجمة لبنان”، مشددة على أن “تل أبيب تسعى إلى كسر قوة الحزب عبر التلطي وراء القرار الدولي 1701، لذا على اللبنانيين الحفاظ على عامل القوة للبلاد المتمثل في قدرات الحزب وليس التماهي مع المطالب الإسرائيلية”.
اليك اهم انباء واخبار الشرق الأوسط, كل ما هو جديد متوفر على موقع سامرى الاخبارى.