قالت ستة مصادر مطلعة بشكل مباشر لوكالة “رويترز” إن إسرائيل تنفذ موجة غير مسبوقة من الضربات القاتلة في سوريا تستهدف شاحنات بضائع وبنية تحتية وأفراداً مشاركين في نقل أسلحة إيران لجماعات متحالفة معها في المنطقة.
وذكرت المصادر، ومن بينها مسؤول بالاستخبارات العسكرية السورية وقائد في التحالف الإقليمي الذي يدعم الحكومة السورية، أن إسرائيل غيرت استراتيجياتها في أعقاب الهجوم الذي شنه مسلحو “حماس” على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وما أعقبه من عمليات القصف الإسرائيلية في غزة ولبنان.
وأوضحت المصادر أنه على رغم أن إسرائيل عمدت إلى ضرب أهداف مرتبطة بإيران في سوريا لسنوات، بما في ذلك المناطق التي تنشط فيها جماعة “حزب الله” اللبنانية المسلحة، فإنها تنفذ حالياً غارات جوية أكثر فتكاً وتواتراً تستهدف عمليات نقل الأسلحة الإيرانية وأنظمة الدفاع الجوي في سوريا.
وقال القائد في التحالف الإقليمي ومصدران آخران مطلعان على تفكير “حزب الله” إن إسرائيل تخلت عن “قواعد اللعبة” القائمة على التكتم لضرباتها في سوريا في السابق، ويبدو أنها “لم تعد حذرة” إزاء تكبيد “حزب الله” هناك خسائر فادحة.
وأضاف القائد “لقد اعتادوا إطلاق نيران تحذيرية، كانوا يضربون بالقرب من الشاحنة، فيخرج رجالنا من الشاحنة ثم يضربون الشاحنة”، واصفاً الهجمات الإسرائيلية على عمليات نقل الأسلحة التي كانت جماعة “حزب الله” تقوم بها قبل السابع من أكتوبر الماضي، متابعاً “انتهى ذلك، إنهم يقصفون الجميع مباشرة من أجل القتل”.
وأدت الحملة الجوية المكثفة إلى مقتل 19 من أعضاء “حزب الله” في سوريا خلال ثلاثة أشهر حتى الآن، وهو ما يزيد على مثلي العدد في عام 2023 بالكامل قبل السابع من أكتوبر الماضي، وفقاً لمسح قامت به الوكالة، كما قُتل أكثر من 130 من مسلحي “حزب الله” جراء القصف الإسرائيلي في جنوب لبنان في الفترة نفسها.
ولم يرد الجيش الإسرائيلي على أسئلة بشأن تصعيد عملياته، وقال مسؤول إسرائيلي كبير للصحافيين مع اشتراط عدم الكشف عن هويته إن “حزب الله” بدأ هذه الجولة من القتال بهجمات يوم الثامن من أكتوبر الماضي، وإن الاستراتيجية الإسرائيلية كانت انتقامية.
ورداً على سؤال في الشهر الماضي حول غارة إسرائيلية في سوريا، قال قائد الجيش الإسرائيلي إن القوات تعمل في أنحاء المنطقة وتتخذ “كل الإجراءات اللازمة” لإظهار إصرار إسرائيل على الدفاع عن نفسها.
القوات الإيرانية
بدأت إسرائيل منذ سنوات استهداف أهداف مرتبطة بإيران في سوريا، لكن مصادر مطلعة على الضربات قالت إنها بدت وكأنها تتجنب قتل أعضاء “حزب الله” قدر الإمكان.
وقال ضابط استخبارات إقليمي إن إسرائيل تخشى أن يؤدي ارتفاع عدد الضحايا إلى إثارة رغبة “حزب الله” في لبنان في الانتقام من القرى الإسرائيلية المجاورة للحدود.
وأضاف الضابط أنه مع استمرار تبادل إطلاق النار بين الجانبين بشكل يومي في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر الماضي، فإن إسرائيل تنوي أن تكون “أقل حذراً وضبطاً للنفس” في قتل أعضاء “حزب الله” اللبناني في سوريا.
وقال الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله في خطاب بثه التلفزيون في الخامس من يناير (كانون الثاني) الجاري إن الجماعة فقدت عدداً من المقاتلين جراء القصف الإسرائيلي في سوريا في عدة أماكن في الأشهر الثلاثة الماضية.
وأضاف نصرالله أن الجماعة كانت تتبع نهجاً قبل عملية طوفان الأقصى يقضي بالرد على قتل أي من أعضائها في سوريا عبر الحدود اللبنانية، والتي كانت هادئة حينها، لكن بسبب التطورات الحالية، تغيرت شروط هذا النهج.
وقال قائد في التحالف الموالي لسوريا إن ضربة نفذتها طائرة مسيرة إسرائيلية في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي أودت بحياة ثلاثة مقاتلين من “حزب الله” كانوا يخططون لتنفيذ عمليات محتملة في شمال إسرائيل، كما استهدفت ضربة أخرى مدينة القنيطرة في جنوب سوريا اثنين من مقاتلي “حزب الله” المسؤولين عن نقل الأسلحة.
وقُتل أربعة آخرون في أواخر ديسمبر الماضي في ضربة على مبان وشاحنات تستخدمها جماعات مسلحة متحالفة مع إيران على طول الحدود الشرقية لسوريا مع العراق.
واستهدفت الغارات أيضاً الحرس الثوري الإيراني في سوريا، وتسببت ضربة وقعت في أوائل ديسمبر الماضي في مقتل اثنين من أعضاء الحرس وضربة أخرى في 25 ديسمبر 2023 أودت بحياة مستشار كبير في الحرس كان يشرف على التنسيق العسكري بين سوريا وإيران.
وقال مصدر مطلع على تفكير “حزب الله” وعملياته في سوريا “لم يكن سيتعرض للقتل قبل الواقع الجديد الذي دخل حيز التنفيذ بعد السابع من أكتوبر الماضي”.
حرب مفتوحة
استهدفت غارات جوية منفصلة بنية تحتية عسكرية في جنوب سوريا منها قاعدة دفاع جوي في 28 ديسمبر الماضي بعدما استهدفت غارة أخرى نظاماً للدفاع الجوي.
وقال ضابط استخبارات سوري إن الغارات أصابت معدات دفاعية قبل أن تتمكن القوات من إدخالها للخدمة، وأصبحت المطارات في العاصمة السورية دمشق وشمال حلب، والتي تستخدمها إيران لنقل الأسلحة، خارج الخدمة بصورة شبه مستمرة بسبب الضربات.
وأضاف ضابط الاستخبارات الإقليمي “إسرائيل تقول للرئيس السوري بشار الأسد، أنتم تسمحون للإيرانيين و(حزب الله) بنقل الأسلحة وتعزيز قدراتهم، لذلك سنضرب المطارات التي تمثل شرياناً للحياة لكم وستجدون أنفسكم في مأزق”.
وأكدت إسرائيل مراراً أنها لا تسعى لفتح جبهة حرب ثانية في لبنان أو سوريا.
وعلى رغم تكثيف الغارات الإسرائيلية، فإن الجيش السوري، الذي اعتمد بشكل كبير على “حزب الله” وإيران في خوض الحرب الأهلية، لم يفتح جبهة خاصة به.
وقال ضابط الاستخبارات السوري “لا نريد أن نضع أنفسنا في مواجهة أو حرب مفتوحة مع إسرائيل”.
وذكرت ثلاثة مصادر مطلعة أن الأسد لم يتخذ أي إجراء لدعم “حماس” بعد تهديدات إسرائيلية، ولم تعلق وزارة الإعلام السورية.
وقال مصدر من الثلاثة إن “حزب الله” “أخذ التهديد على محمل الجد لأنه سيكلفه كل ما بناه في سوريا خلال السنوات الأخيرة”.