بات كثر من السودانيين يتخوفون من آثار الحرب المندلعة في بلادهم بين الجيش وقوات “الدعم السريع” منذ منتصف أبريل، بخاصة مع تفشي النعرات العنصرية والقبلية، إذ يقوم كل من طرفي الصراع بإطلاق اتهامات على جماعات بعينها تؤدي، في أحيان كثيرة، لتصفية أفرادها لمجرد أنها تنتمي لمناطق محددة أو قبائل تقود الصراع الحالي، ما ينذر بتهديد النسيج الاجتماعي وعدم التعايش معاً بعد انتهاء هذه الحرب كما كان في السابق.
وبحسب ناشطين ومتخصصين اجتماعيين، فإنه على رغم الدعوات المستمرة لوقف الحرب بين طرفي الصراع والتي أدت إلى نزوح أكثر من 4.8 مليون شخص داخل السودان، وأجبرت 1.2 مليون آخرين على الفرار إلى البلدان المجاورة، وفق أرقام الأمم المتحدة، فإن ما يحدث من تجاوزات في مناطق الصراع داخل العاصمة وخارجها أسهم بصورة كبيرة في طول أمد الحرب.
أزمة قديمة
وقال استشاري علم الاجتماع والأنثروبولوجيا خضر الخواض “ظلت مناطق كثيرة في السودان تعيش حالة حرب منذ فتره طويلة قبل وبعد استقلال البلاد عام 1956، تعرض فيها بعض المجتمعات لعديد من الانتهاكات، إضافة إلى حركة النزوح واللجوء والتشرد، ولعل أن معظم أسباب هذه الحروب كان بسبب الصراع على الموارد والسلطة وأشكال التهميش التنموي والاجتماعي ما ترتب عليها مظاهر المظالم التاريخية، والتي لها تأثير بالغ على النسيج الاجتماعي الذي لم تستطع التنظيمات السياسية والمجتمعات المدنية والنخب السياسية رتقه، ولم يتم تأسيس دولة على أساس دولة المواطنة والحقوق، إنما كانت تقوم على حكومة الأمر الواقع وتخدم جماعات الهيمنة الاقتصادية والاجتماعية في ظل نظم الحكم المتقلبة عسكرياً ومدنياً”. وأوضح الخواض أن “الشيء الذي انعكس سلباً على البناء الاجتماعي من واقع أن المجتمع السوداني متعدد ومتنوع في الثقافات والمعتقدات والإثنيات، ولم يكن ذلك مصدر قوة، بل كان أحد أسباب هشاشة النظم الاجتماعية، مما أدى إلى سيادة خطاب الكراهية والعنصرية والنظرة الدونية وعدم قبول الآخر وتفشي النعرات وشحن المجتمعات سلبياً وتجييش الجماعات العسكرية على أساس الإبادة والقضاء على الآخر والسيطرة عليه وقمعه، وصاحبت كل ذلك دعوات تعبوية تدعو إلى كل ما سبق، وتحديداً حرب جنوب السودان التي نقلت الاحتفالات بالإبادة والتطهير العرقي في الوسائل الإعلامية”.
شحن وحشد
وعن مستقبل السودان في ظل هذا الواقع المتردي اجتماعياً قال استشاري علم الاجتماع “في ظل هذه الحرب، من الطبيعي أن تحدث نعرات عنصرية قبلية بين طرفي الصراع وانتشار التصفيات الجماعية والانتهاكات بسبب العرق والانتماء، إضافة إلى ذلك، هناك مشكلات في الشخصية السودانية وقادة المجتمع من إدارات أهلية ومثقفين وسياسيين ورجال دين، ففي المواقف الحرجة عند حدوث النزاعات، يصطفون حول القبيلة والانتماء الضيق لها، ولا يتخذون موقف الحياد أو الدعوة إلى السلام الاجتماعي، لوحظ خلال هذه الحرب أن ما يتم من شحن وحشد وإشعال للقتال وراءه بعض المثقفين العنصريين وبعض الناشطين في الوسائط الإعلامية المتعددة، وكذلك من قبل ضعيفي النفوس المستفيدين مادياً من استمرار الحرب، وأدى هذا الشحن إلى حدوث فتن وانتهاكات”.
أما عن وضع السودان بعد الحرب في ظل التناحر القبلي والعرقي فتابع الخواض “الوضع بعد الحرب سيكون أكثر سوءاً وتعقيداً إذا لم يقم المثقفون المعتدلون وقادة المجتمع ومنظمات المجتمع المدني والنظام الحاكم بعد الحرب بتبني سياسات وتصالح مجتمعي، مما سيسهم في تقوية العلاقات الاجتماعية بين الجماعات، وتصفية الخلافات على أساس المصالحة الآمنة المستدامة، وتطييب النفوس، وتعويض الجماعات التي تعرضت لانتهاكات على أساس العدالة، ومحاربة خطاب الكراهية عبر الوسائط المتعددة إلكترونياً، وغيرها، وغير ذلك لن يتماسك النسيج الاجتماعي”.
أمر مترسخ
عبرت جهات خارجية عدة عن تخوفها من انتشار التصفية العرقية خلال فترة الحرب بعد أن شهدت مناطق عدة، بخاصة دارفور، حوادث تصفية عرقية راح ضحيتها مئات الأبرياء، في موازاة انتشار مختلف صور العنف، ولا سيما العنف الجنسي.
وأكد مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في تقارير له، حصوله على معلومات تشير إلى أن “مدنيين من قبائل مختلفة عاشوا أوضاعاً مأسوية وتم اغتصابهم وقتلهم وسرقة ممتلكاتهم وحرقها”.
وفي السياق، قال الناشط الحقوقي والقانوني خالد جبريل إن “طابع الحرب في السودان قائم على مبدأ قبلي في الأساس، فمختلف مشكلات البلاد ذات طابع عنصري وقبلي وجهوي، وظهرت المشكلات العنصرية منذ اليوم الأول للصراع، ويتم تبادل الاتهامات بين الأطراف كافة من منطلق قبلي بحت، وهذا مما يؤكد أن الحرب ربما تستمر فترة أطول لأن الإنسان السوداني تحكمه القبلية وتتحكم فيه ويعلو صوتها على صوت الوطن والوحدة والسلام”، وتابع جبريل “لا بد أن تبدأ التوعية منذ هذه اللحظة للقضاء على فكرة أن قبيلة كاملة تدعو للحرب، وأخرى تدعو للسلام، بخاصة أن السودان فيه قبائل تنتشر في مناطق مختلفة داخل البلاد وذات آراء مختلفة، ويجب ألا يتم إسقاط أفعال أفراد قبيلة على جميع أبناء القبيلة، وهذا يتم من طريق التوعية ونسب الحرب للمجموعة المسلحة التي تنهب وتغتصب وتحارب حتى أبناء قبيلتها، وليس العكس”. وعبر الناشط الحقوقي عن أسفه لعدم وجود مؤشرات لأي نوع من أنواع التعايش القبلي لأن الأمر مترسخ في العقلية السودانية على مدى مئات السنين.