يبدو أن تنظيم “داعش” أراد بعث رسالة مع بداية العام الجديد مفادها بأنه لا يزال حاضراً في المشهد السوري، إذ شن هجوماً مفاجئاً على نقاط تمركز القوات النظامية في الريف الغربي لمدينة دير الزور شرق سوريا يوم الإثنين، ملحقة أضراراً بشرية ومالية، بينما ذكر مصدر ميداني أن الهجمات أصابت نقاط تمركز لقوات فصائل موالية لإيران من دون معرفة تفاصيل عن حجم الأضرار بعد.
وأفضت اشتباكات بين القوات النظامية ومجموعات من تنظيم “داعش” عن مقتل تسعة من جنود الجيش النظامي وإصابة 20 شخصاً بجروح إثر هجوم على مواقع عسكرية في منطقة التبني بعمق البادية شرق سوريا فجر الثلاثاء، وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان مصادرة أفراد التنظيم لسيارة عسكرية وتدمير ثلاث آليات.
المتحدث الرسمي باسم هيئة المصالحة الوطنية في سوريا عمر رحمون، قال إن الهجوم الأخير في مناطق بادية يطلق عليها “التبني” يعد الأوسع والأعنف منذ سقوط التنظيم في مارس 2019، إذ سيطر على بعض النقاط قبل انسحابه.
ويرى رحمون أن الجماعة المتشددة وفلولها تحاول الظهور بشكل جلي على الساحة السورية عبر تكثيف تحركاتها وتجددها منذ اندلاع معركة طوفان الأقصى، مما يثير الريبة حيال اليد المشغلة لها وأهدافها من وراء إشعال حرب جانبية وتشتيت فصائل المقاومة في شرق سوريا والعراق”، مردفاً “يبدو أن الهدف وراء ظهور ’داعش‘ من جديد هو إرباك المنطقة، ورغبة أميركية في إيجاد عنصر يشاغل المقاومة وفصائلها وإيران وسوريا ريثما تفرغ أميركا من معركة غزة وباب المندب”.
واحتفت الولايات المتحدة المتزعمة للتحالف الدولي لمكافحة داعش في الـ23 من مارس من العام الماضي بالذكرى الرابعة للإطاحة بأخطر الجماعات المتشددة (2014 – 2019) بمساندة من قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ومعها تلاحق ما تبقى من فلول وجماعات تنتشر بوسط وأطراف البادية، ويقدر عددهم بحسب تقديرات واشنطن بـ7 آلاف مقاتل.
ونفذت قوة أمنية كردية بالتعاون مع القوات الأميركية عملية مداهمة في الـ28 من ديسمبر الماضي أسفرت عن مقتل أحد قيادات التنظيم، وهو أبو عبيدة العراقي ويطلق عليه أبو معاوية، وذكرت قوات “قسد” أنه مواطن عراقي مسؤول عن التخطيط لعمليات تخريبية في مخيم الهول، على الحدود العراقية السورية في الشمال الشرقي.
في غضون ذلك تحدثت مصادر ميدانية عن ثلاث نقاط سيطر عليها “داعش” في بادية التبني بدير الزور، ونقطة في بادية معدان بالرقة، تعود جميعها للفرقة الـ17 بالجيش النظامي، وهي فرقة شهيرة في صراعها مع مجموعات التنظيم منذ اندلاع الحرب في سوريا، وتشي المعلومات الواردة عن قطع “داعش” للطريق العام بين الباديتين قبل وصول قوة مؤازرة دفعت بالمجموعة المسيطرة إلى إخلاء مواقعها على الفور من دون الدخول باشتباكات مجدداً.
ويستبعد متابعون في الشؤون الميدانية بشرق سوريا تمركز الجماعة المتشددة بهذه النقاط أو بأية نقاط أخرى يمكن السيطرة عليها مستقبلاً في حال تكرر ذلك، وتفسير ذلك يتعلق بعدم مقدرتها على التصدي للقوة العسكرية أو الطيران الحربي، ومن جهة ثانية تلعب الجماعة على خطوط اشتباك متبادلة، علاوة على اختيارها المكان والزمان المناسبين لتنفيذ الهجمات.
ويجزم المتخصص بشؤون الجماعات المتشددة عمر رحمون في حديثه إلينا بأن خطط التنظيم في التعامل مع خصومه باتت مكشوفة، حتى مع ظهوره الجديد لم يستخدم أي تكيتك مغاير مع استنفاد كل بنوك أهدافه التي باتت مقتصرة على ضرب نقاط أو حافلات نقل جنود أو مدنيين، مستبعداً في الوقت ذاته السيطرة على مساحات واسعة كما في السابق لعدم الكشف عن مكان تمركزه.
وأردف “لم يعد في المنطقة الشرقية كما كان سابقاً حاضنة شعبية للجماعة المتشددة، صحيح أن قلة من الناس تؤيد الدواعش هناك لكن شعبيتهم تقلصت، وانخفض التأييد الواسع لهم، حتى العشائر العربية التي تتنازع مع قسد لن تلجأ إلى ’داعش‘ بأية حال من الأحوال”.
يأتي كل ذلك وسط تصاعد حدة التوترات بين فصائل موالية لإيران وقوات واشنطن على أرض شرق سوريا، ومع بداية العام شنت فصائل المقاومة العراقية هجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ على قواعد الرميلان والمالكية بريف الحسكة، وكذلك القرية الخضراء في حقل العمر بالريف الشرقي لدير الزور مع استهداف قاعدة الشدادي وحقل كونيكو للغاز وكلها مواقع وقواعد أميركية مهمة.