لا تخفي المصادر الرسمية في وزارة الدفاع الأوكرانية زيادة عدد “الإناث” في قواتها المسلحة حتى 7.3 في المئة من العدد الإجمالي لها، بما يعني ارتفاع عددهن إلى 62062 شابة وسيدة، ويشمل هذا الرقم 43 ألفاً و479 سيدة من إجمالي الأفراد العسكريين. غير أن هناك من يقول إن الزيادة في تعداد الإناث اللاتي التحقن بالخدمة العسكرية في صفوف الجيش الأوكراني تبلغ قرابة 10 في المئة.
ويقول مركز الإعلام العسكري في كييف إن “العدد الإجمالي للنساء في القوات المسلحة الأوكرانية بلغ في عام 2014 ما يقدر بـ49 ألفاً و926 امرأة بما في ذلك 16 ألفاً و557 من إجمالي الأفراد العسكريين”. وفي الوقت نفسه تشغل النساء ما يقارب نصف المناصب المدنية في القوات المسلحة الأوكرانية (48.2 في المئة)، ونحو 5 آلاف يخدمن في منطقة القتال مباشرة.
تمييز وتحرش
أما عن “المساواة بين الجنسين” فقالت صحيفة “الغارديان” البريطانية نقلاً عن إحدى المجندات إنها داخل الجيش “على الورق فقط”، أي إنها لا ترتدي الزي القتالي والدروع الواقية، إذ تعتبر تلك المتطلبات بمثابة شكل من أشكال الاستفزاز للرجال الذين يقاتلون إلى جانب الإناث بالجيش، على حد تعبيرها.
وقالت المجندة الأوكرانية “أود أن أقول إنه يتعين علينا محاربة عدوين في وقت واحد، أحدهما روسيا، والآخر هو القوالب النمطية التي نواجهها كل يوم”.
وبحسب الصحيفة فإن المكان الوحيد الذي لا تشعر فيه المرأة بذلك التمييز، هو الخطوط الأمامية للمواجهة، “لأن الجميع كانوا مرعوبين للغاية، وهم مشغولون بالقتال من أجل بلدهم”. وتشير إلى أن مشكلة الزي الرسمي الذي يجب على النساء ارتداؤه هو الزي نفسه المصمم للرجال، كما أن الدروع الواقية التي يوفرها الجيش ليست مصممة لتناسب أجساد الإناث ولا سيما من حيث مناسبتها مع “الصدور والأرداف”.
وتلفت أخرى من المتحدثات، وهي قناصة شهيرة شاركت في معارك عدة، الانتباه إلى أن العثور على حذاء مناسب للنساء مشكلة جديدة بالجيش الأوكراني، قائلة “إنها مشكلة كبيرة جداً أن تجد حذاءً عسكرياً بمقاس أصغر للنساء”.
وكانت إحدى المجندات الأوكرانيات أوصت بضرورة العمل وفق ما ينتهجونه في حلف الناتو أو في إسرائيل، إذ تشكل الإناث نسبة لا بأس بها، ضمن قوام القوات المسلحة هناك.
ويمضي تقرير “الغارديان” في الإشارة إلى تعرض بعض المجندات لـ”التحرش الجنسي”، إذ نقلت ما قالته إحدى المجندات وتدعي هاران إن أحد الضباط الكبار قال لها إن “مكانها في المطبخ”، مشيرة إلى أن واحداً من كبار الضباط أخبر بعض المجندات أنه سيرسل أزواجهن إلى خطوط القتال الأمامية لـ”يموتوا” إذا لم يمارسن الجنس معه.
ودعت الصحيفة وزارة الدفاع الأوكرانية للتعليق حول ما ذكرته والتحقيق في مزاعمها، لكنها لم ترد. وأكدت أن هناك من “يحتقر فكرة وجود المرأة في الجيش، وهناك من يستغل النساء ويهددهن ويبتزهن”.
“تجنيد الإناث” اعتراف بفداحة الخسائر
وفي وقت يرفض فيه الرئيس فلاديمير زيلينسكي إخضاع الإناث لقانون التعبئة العامة، تلجأ القوات المسلحة الأوكرانية إلى استمالة مزيد من النساء إلى صفوف الجيش. وأشارت صحيفة “موسكوفسكي كومسوموليتس” الروسية إلى الأزمة التي يمكن أن يؤدي إليها توسيع قوائم النساء الأوكرانيات اللاتي يشملهن قرار التجنيد الإلزامي للنساء من 18 سنة حتى الستين من العمر، فعلى رغم أن ذلك قد يعتبر “خطوة نحو المساواة”، فإنه يعكس أيضاً الخسائر الفادحة لكييف.
وكتبت صحيفة “نيويورك تايمز”، “إن إحدى العلامات الأولى للتجنيد المحتمل للنساء في صفوف القوات الأوكرانية كان القانون الذي تم اعتماده في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وبموجبه يجب على الطبيبات تسجيل أنفسهن في مكاتب التسجيل والتجنيد العسكري”.
وأشارت الصحيفة إلى أنه وفقاً لمصادر في إدارة الرئيس زيلينسكي “فإن هيئة الأركان العامة الأوكرانية تطلب زيادة قائمة المهن النسائية الخاضعة للتعبئة. وبالدرجة الأولى ستخضع النساء في التخصصات التالية للتعبئة: علم النفس والبرمجة والطب والتمريض وعلم الاجتماع”.
وتجري مناقشة إمكانية إنشاء ثلاث كتائب نسائية، وهي التي يمكن نشرها بالدرجة الأولى على الحواجز، وبعدها على الخطوط الأمامية. وكانت المصادر الأوكرانية نوهت بأنه ومنذ بداية “الحرب” مع روسيا “قتلت أكثر من 100 امرأة أوكرانية”، ولم تكن النساء تنضم إلى صفوف القوات المسلحة من منظور التجنيد الإلزامي، لكنهن تطوعن لخوض المعركة دفاعاً عن الوطن.
وقالت في الوقت نفسه “إن النساء الأوكرانيات يحاربن على جبهتين، الأولى في مواجهة القوات الروسية، والثانية تتعلق بالصعوبات التي يتعرضن لها خلال القتال، وفي الصدارة منها ما يتعرضن له من تحرش وابتزاز”.
وكان الرئيس زيلينسكي أشار في مؤتمره الصحافي الذي عقده أخيراً إلى أنه لن يوقع على قانون تجنيد المرأة بموجب قانون “التعبئة العامة”، في حال اعتمده البرلمان الأوكراني. وقد تطرق مجلس الرادا (البرلمان الأوكراني) في مناقشاته الأخيرة إلى مشروع قانون ينص على إمكانية استدعاء النساء للخدمة العسكرية.
وفي الـ18 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري قالت نائبة مجلس الـ”رادا” عن الحزب الحاكم “خادم الشعب” ماريانا بيزوغلايا، إنه “من الممكن استدعاء النساء المسجلات في التسجيل العسكري للخدمة العسكرية أو المشاركة في العمل لضمان الدفاع عن الدولة في زمن الحرب”.
وينص مشروع القانون أيضاً على أنه خلال الأحكام العرفية يمكن استدعاء النساء المسجلات في السجل العسكري للخدمة، إضافة إلى ذلك، وبموجب توقيع عقود خاصة، سيكون من الممكن استدعاؤهن للخدمة في الوحدات القتالية، على حد قول بيزوغلايا.
فيما انتقدت النائبة وكالات أمن الدولة لسياستها المتعلقة بالتسجيل العسكري للنساء. وقال المفوض العسكري الإقليمي في العاصمة كييف فاليري كوتسينكو إنه وبداية من العام المقبل سيتم استدعاء النساء إلى الخدمة العسكرية، وستكون الخطوة الأولى التسجيل في مكاتب التجنيد في كل المحافظات.
وأشار كوتسينكو إلى أنه “سوف يتم تغريم النساء اللاتي يرفضن المثول في مكاتب التسجيل والتجنيد الإلزامي”، موضحاً أن القرار النهائي في شأن التسجيل سيتم بناءً على الحالة الصحية للمرأة، وما إذا كان لديها أطفال وتعمل في المؤسسات التعليمية، كما أن المتطلبات الجديدة لا تلزم المرأة الخدمة في القوات المسلحة الأوكرانية، وأن التسجيل العسكري والخدمة العسكرية أمران مختلفان تماماً.
وماذا عن العواقب؟
تناول هذه المشكلة فلاديمير ميخائيلوف في صحيفة “موسكوفسكي كومسوموليتس”، بقوله إنها ستسفر عن تفشي ظاهرة الرشوة والفرار من الخدمة العسكرية في أوكرانيا. وأضاف أن ذلك “قد يزيد من عدد المؤيدين للسلام أو الاستسلام”.
وأشار ميخائيلوف إلى أن القرار سيشمل الأوكرانيات من 25 سنة حتى 60 سنة (!) ويلزمهن الخضوع للتدريب العسكري العام. أما الصحافي الأوكراني ألكسندر تشالينكو فقال في حديثه إلى “موسكوفسكي كومسوموليتس” إنه لا يعتقد في أن النساء الأوكرانيات اللاتي سيتم تجنيدهن سيرسلن إلى الخطوط الأمامية، كما أنه لا يعتقد “في أنهن سيقاتلن من أجل (أفديفكا)، أو في سبيل ما تبقي من (مارينكا)، أو التقدم نحو (رابوتينو) و(فيربنوي). إنهن سيشغلن في كل الاحتمالات، مواقع في الصفوف الخلفية”.
وفسر تشالينكو ذلك بأن أوكرانيا لم يعد لديها ما يكفي من الرجال في الجبهة، فقد استنفدت موارد التعبئة، موضحاً أن غالبية الرجال في سن الخدمة العسكرية لا يريدون القتال، فقد لجأ البعض إلى أوروبا أو روسيا، بينما يختبئ آخرون داخل البلاد.
وكانت القوات المسلحة الأوكرانية تكبدت خلال الهجوم المضاد كثيراً من الخسائر البشرية، فقتل جزء كبير جداً منها، لذلك سيتم إرسال الرجال الذين يخدمون في الوحدات الخلفية إلى الجبهة، وستشغل أماكنهم مجندات.
ومن اللافت أن مشروع قرار التعبئة العسكرية الذي أعده مجلس “الرادا” أثار لغطاً كبيراً في الأوساط الرسمية الأوكرانية، من منظور أنه لا يلبي مصالح القوات المسلحة الأوكرانية، ولم يدعم التجنيد الإلزامي للنساء في الجيش.
وتقول المصادر الرسمية الأوكرانية إن القائد العام للقوات المسلحة الجنرال فاليري زالوغني يؤيد مشروع قرار التعبئة العسكرية، لكنه يقف معارضاً لعدد من نقاطه ولا سيما ما يتعلق بتجنيد النساء، وهو ما يشاطره العقيد رومان كوستينكو في جهاز الأمن الأوكراني وأمين لجنة البرلمان الأوكراني للأمن القومي والدفاع والاستخبارات، الذي قال إن النساء يمكنهن الانضمام إلى الجيش بمحض إرادتهن، ومن دون أي ضغوط رسمية.
وقال كوستينكو في تصريحاته لوكالة “أوكرينفورم” الأوكرانية إن وزارة الدفاع الأوكرانية “عرضت تكريس التسجيل الإلزامي للنساء في الجيش، لكن هذا لا يعني أنه يجب تعبئة النساء”.
وأضاف “أنه إذا أرادت المرأة أن تذهب إلى مكتب التجنيد العسكري للانضمام إلى صفوف القوات المسلحة، فلن يمنعها أحد من الالتحاق بالخدمة العسكرية، ولدينا عديد من النساء يخدمن الآن، ويحققن إنجازاتهن ولكن بإرادتهن الحرة ومن دون أن يجبرهن أحد”.
وكان البرلمان الأوكراني أصدر قانوناً يتم بموجبه فرض الخدمة العسكرية الإلزامية على النساء الحاصلات على شهادة طبية، بينما يمكن للجميع التسجيل طواعية. وكان الرئيس الأوكراني زيلينسكي أعلن أخيراً أنه لن يوقع على قانون تشريعي من شأنه تعبئة النساء، بحسب ما أشرنا إليه عاليه. وبحسب قوله أيضاً فإن 90 في المئة من أعضاء لجنة الأمن القومي والدفاع والاستخبارات في البرلمان الأوكراني يعارضون العودة إلى هذه القضية.