ما الذي يجري في ثاني أكبر ولاية أميركية من حيث المساحة، ولاية تكساس المتاخمة للحدود المكسيكية، وقد صارت في الأيام الأخيرة حديث القاصي والداني، ولم تعد قناة إخبارية أميركية، أو صحيفة كبرى من صحف الولايات المتحدة، تخلو من تحليلات مفزعة في شأن ما يجري فيها؟
هل يمكن أن تكون تكساس أول حجر من أحجار الدومينو يسقط في الاتحاد الأميركي، ويخرج خارج إطار التجمع الذي استقام منذ الحرب الأهلية (1861-1865)؟
لعل التساؤل الأكثر إثارة للخوف هو “هل ما يجري في تكساس يمكن أن يقوم إلى مواجهة عسكرية مسلحة بين الأميركيين وبعضهم البعض، أي بين القوات الفيدرالية التي تأتمر بأمر الرئيس من جهة، وبين قوات الحرس الوطني الواقعة تحت إمرة حكام الولايات؟
ماذا دعا لتفجر الأزمة الأخيرة، وهل من سياقات تاريخية لهذه الولاية تعزز فكرة انفصالها، وربما تلحق بها ولاية كبرى أخرى لها أهميتها الاستراتيجية، مثل كاليفورنيا؟
الأسئلة الواردة في المقدمة تتسع للبحث في أسباب الأزمة، وما إذا كان العامل الديموغرافي يمثل مخاوف قاتلة للرجل الأبيض اليوم، وتدفعه للحرب في الغد وما بعد الغد؟
في هذه السطور نحاول مشاغبة العديد من أبعاد هذه الأزمة، ونبدأها من عند أهمية ولاية تكساس بنوع خاص للولايات المتحدة.
تكساس جوهرة التاج الأميركي
يحاجج الكثير من الأميركيين بأن تكساس تمثل بالنسبة لهم “جوهرة التاج الأميركي”، نظراً إلى حجمها وخصائصها الطبيعية والجيولوجية. ولاية تكساس في واقع الحال هي مخزن الحبوب الأميركية، إذ تمتد فيها مساحات الأرض الزراعية، وتتنوع فيها الحاصلات الزراعية الغذائية.
ويزخّم الطبيعة الزراعية للأراضي في تكساس، وجود وفرة من مياه الأنهار، حيث يشق الولاية طولاً وعرضاً ما يزيد على 17 نهراً عذباً، الأمر الذي يمثل ثروة طبيعية من المياه في الداخل الأميركي برمته.
أما ما يجعل من تكساس ولاية ذات أهمية استراتيجية خاصة، فهي أنها ولاية نفطية بامتياز، وتحوز على قرابة 33 في المئة من احتياطي النفط في الولايات المتحدة بأكملها، ما يعني أن أكثر من ثلث إنتاج أميركا النفطي يخرج من هناك.
تقود تكساس العديد من الصناعات الكبرى في الداخل الأميركي، بما في ذلك الصناعات الزراعية، والبتروكيماويات، والطاقة والحواسيب، عطفاً على الإلكترونيات، والفضاء الجوي، العلوم الطبية، وقد تصدرت تكساس الأمة الأميركية في عائدات التصدير منذ عام 2002.
تبدو ولاية تكساس، وعلى النقيض من العديد من الولايات الأميركية الأخرى، في بحبوحة تحفز القطاعات التجارية القوية التي تتكون من قطاعات التجزئة والجملة، والخدمات المصرفية، والتأمين، والبناء.
ويبلغ حجم اقتصاد ولاية تكساس 2.4 تريليون دولار، وتحتل المرتبة الثامنة عالمياً وتتفوق على روسيا، وكندا، وإيطاليا، وتوفر أفضل بيئة إنشاء في الولايات المتحدة، لا سيما أنها تستأثر وحدها بـ 9 في المئة من الناتج المحلي الأميركي، كما تحظى بنسبة 22 في المئة من الصادرات الأميركية.
بالطبع هناك تفاصيل أخرى مثيرة جداً، ومهمة للغاية عن هذه الولاية، غير أن الهدف الرئيس هنا هو فقط الإشارة إلى أهميتها، ما يعني أن الحكومة الفيدرالية لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تسمح بانسلاخها عن “عقد الاتحاد”. لكن السؤال يبقى: “ماذا لو كان رأي أهالي الولاية في استفتاء عام، هو الانسحاب؟ هل ستقدم إدارة بايدن على إطلاق شرارة الحرب الأهلية في تكساس؟”.
الانفصال وشكل جديد من الفيدرالية
لا يسمح الدستور الأميركي بحدوث حركات انفصالية لولايات ضمن الاتحاد، لكن على رغم ذلك فإن أحاديث الأنفصال لم تنفك تخرج على الأميركيين في العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين بنوع خاص لأسباب متعددة.
في مقدم الأسباب التي عززت فكرة الانفصال، تفشي جائحة “كوفيد- 19″، ما دفع الكثير من القوميين الأميركيين المتعصبين، للتفكير في الخروج عن سياق التوجهات الفيدرالية، وهو ما رآه العالم برمته متمثلاً في خروج ميليشيات يمينية، مدججة بالأسلحة، رافضةً قرارات الإغلاق التي أعلنها الرئيس السابق دونالد ترمب.
وجاءت الأوضاع الاقتصادية بنوع خاص، لتؤجج الصراعات الطبقية، وبات التساؤل لدى سكان ومواطني الولايات الغنية، مثل تكساس: “لماذا نتحمل عبء الولايات الفقيرة؟”.
عطفاً على ذلك، فإن محاولات حشر الجمهوريين في الزاوية من ناحية، وما جرى في انتخابات 2020 من ناحية أخرى، دفع الملايين من التيارات اليمينية المتعصبة إلى الإيمان بأن هناك حكومة خفية، معادية للأميركيين، تعمل في اتجاه مضاد لصالح ومصالح “الواسب” أي البروتستانت الأنغلو ساكسون، أصحاب البلاد الأصليين في تقديرهم، وإن كان الهنود الحمر هم السكان الأصليين.
من جهة ثانية، دفع ضعف الرئيس جو بايدن، وعدم قدرته على الوفاء بوعده في أن يجمع الأميركيين في صف واحد، للتشرذم والتفكير بالانفصال. هنا يحق لنا التساؤل “هل أزمة حاكم ولاية تكساس، غريغ آبوت، الأخيرة، هي أول أزمات تكساس الدافعة لجهة الانفصال عن وحدة صف الولايات التي تشكل أميركا ما بعد الحرب الأهلية؟
في أواخر يونيو (حزيران) المنصرم، أعلن الحزب الجمهوري في ولاية تكساس، حزمةً من السياسات المستقبلية الاستشرافية، لفتت نظر سكان الولايات كلها، وليس مواطني تكساس فحسب… لماذا؟
باختصار غير مخل، بدا وكأن “الرغبة الانفصالية” غالبة فيها على خيار البقاء في ظل أميركا الموحدة. بعض الأصوات تحدثت علناً عن عدم مشروعية انتخاب بايدن، ما يفيد بأن ثورة انتخابات 2020، كانت مثل النار المختبئة تحت الرماد.
أما الجزئية المخيفة بالفعل، فتمثلت بالمطالبة بإجراء استفتاء حول انفصال تكساس عن الولايات المتحدة. عطفاً على ذلك، علت الأصوات المنادية بإصدار قانون يؤكد حق الولاية بالانفصال، الأمر الذي أشعل جدلاً كبيراً داخل عموم الولايات المتحدة، ما دعا البعض للتعليق مازحين بالقول إنهم يأملون في أن يحدث ذلك لكي يتخلصوا من الجمهوريين وذوي الاتجاهات اليمينية المتطرفة.
وعلى رغم أن فكرة انفصال تكساس ليست ممكنة من الناحية القانونية، إلا أن آخرين بدأوا بالفعل بالتحذير بشكل علني من عواقب هذا التفكير على التماسك المجتمعي الأميركي، ومن ردود الفعل الممكنة من ولايات أخرى قد تعتريها رغبة في الانفصال، وهنا تبدو كاليفورنيا جاهزة وبقوة لمواكبة “المسيرة التكساسية” إن جاز القول وربما استباقها هذه المرة.
هل فكرة الانفصال هنا قسراً على المواطنين الجمهوريين، أم أن الأمر يكاد يكون موصولاً بالديمقراطيين كذلك، سواء في تكساس أو في كاليفورنيا؟
لعل الذين تابعوا مشهد المتظاهرين المحاصِرين للكونغرس، نهار السادس من يناير (كانون الثاني) من عام 2021، قد راعهم ظهور أعلام “الكونفيدرالية” مع العديد من المتظاهرين، وهو أمر يتسق كثيراً جداً، مع استطلاعات الرأي التي أجريت على هامش الانتخابات الرئاسية الأميركية 2020، وفيها بدا أن نسبة الديمقراطيين الراغبين بالانفصال، بلغت أكثر من 40 في المئة في بعض الولايات، وقد سبقتها أصوات بولاية كاليفورنيا في عام 2016، حين انتُخب ترمب رئيساً لأميركا تطالب بانفصالها عن الاتحاد.
سبب أزمة تكساس الأخيرة
وتبدو سطوة الجغرافيا هذه المرة، وخوف الديموغرافيا على الجانب الآخر، هما السببين الرئيسين في الأزمة المعقدة التي تشهدها ولاية تكساس. خلال ولاية الرئيس ترمب اليتيمة، بدأ الرجل بالتحذير من فكرة تدفق المهاجرين من دول أميركا الجنوبية، ومضى قدماً في سياق بناء سور يمنع الهجرة غير الشرعية.
اختلف المشهد كثيراً مع بايدن، والذي يكاد يكون متماهياً مع هذا النوع من الهجرة، وقد اعتبره الكثير من الجمهوريين متواطئ، في السماح لهم بالدخول، لا سيما بعد أن بدأت البيانات الاستخبارية تشير إلى أن مهاجرين من الشرق الأوسط وآسيا، يجدون طريقهم إلى الداخل الأميركي كل يوم من خلال الحدود المكسيكية.
لا يشكل هؤلاء فقط أزمة هجرة غير شرعية، فهناك الوباء الأكبر الذي يتسرب إلى الداخل الأميركي من هناك، المتمثل في المواد المخدرة.
تمكنت سلطات الولاية في إطار عملية “لون ستار”، من مصادرة، وبشكل مستقل، أكثر من 454 مليون جرعة مميتة من عقار “الفنتانيل”، غير القانوني، واحتجزت ما يقرب من نصف مليون مهاجر غير شرعي على الحدود.
أضحت تكساس في العام الأخير في مواجهة أزمة مهاجرين غير شرعيين بحسب مسؤوليها، فبحسب مكتب حاكم الولاية، غريغ آبوت، فإن سلطات الولاية أرسلت أكثر من مئة ألف شخص إلى ولايات أخرى، في إطار برنامج لنقل المهاجرين غير الشرعيين من أراضيها. غير أن المشهد لم يكن ليستقيم على هذا النحو، ما أدخل سلطات ولاية تكساس في صراع مع السلطات الفيدرالية في شأن إجراءات أمن الحدود.
هنا ذهبت تكساس إلى الدفاع عن نفسها في مواجهة ما أسماه البعض “زحف الغرباء”، وذلك من خلال تعزيز الحدود الفاصلة بالمزيد من الأسلاك الشائكة، والبوابات الشاهقة، وكافة أنواع كاميرات المراقبة.
الجزء السياسي من الأزمة، تمثل في اتهام غريغ آبوت لبايدن بأنه يعمل على تدمير البلاد بسبب موقف الحكومة الفيدرالية من المهاجرين غير الشرعيين. وإضافة إلى ذلك، وافق آبوت على السماح للشرطة باعتقال المهاجرين الذين يعبرون الحدود الأميركية بشكل غير قانوني ويمنح القضاة المحليين سلطة إصدار أوامر لهم بمغادرة البلاد.
وبدأت الأزمة تتصاعد حين تم اللجوء إلى المحكمة العليا لفض الخلاف بين سلطة الولاية من جانب، والحكومة الفيدرالية من جانب آخر، إلى أن حكمت المحكمة العليا بغالبية خمسة مقابل أربعة أصوات، لمصلحة سلطة الحكومة الفيدرالية في إزالة الأسلاك الشائكة.
رفض آبوت هذا الحكم، ما جعل المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير، تعلن أن إدارة بايدن تعتبر تصرفات حاكم تكساس لتأمين الحدود “غير آمنة”.
هل المواجهة المسلحة واردة؟
هل يمكن أن يتطور المشهد بالفعل إلى مواجهات مسلحة بين القوات الفيدرالية والحرس الوطني الخاص بالولاية؟
يعتقد آبوت جازماً، وغالب الظن معه مسؤولو الولاية من الحزبين، أن الأسلاك الشائكة في تكساس هي رادع فعال للعبور غير القانوني الذي يشجعه بايدن.
يوماً تلو الآخر، يتعقد المشهد العسكري هناك، لا سيما في ظل قيام مواطنين من تكساس بتشكيل ما يشبه الميليشيات المسلحة، لمعاونة الحرس الوطني في الولاية، للتصدي للمهاجرين، فأعلنت وسائل إعلام أميركية، عن قيام مقدم متقاعد من الجيش الأميركي، يعيش في ولاية تكساس، بتنظيم قافلة مسلحة إلى حدود تكساس لمطاردة المهاجرين الذين يعبرون إلى الولايات المتحدة من المكسيك.
علامة الاستفهام المطروحة هنا هي: “هل يمكن لهذه الميليشيات المسلحة، أن تشكل مقاومة ما للقوات الفيدرالية الأميركية، بحال توجهت إلى تكساس لإرغام حاكم الولاية على إزالة الأسلاك الشائكة؟”.
تتسع دائرة الأزمة، بشكل مخيف، وتنحو من السياسي إلى العسكري، لا سيما بعد الرسالة التي وقعها 25 حاكماً جمهورياً، وجاء فيها، “نحن نتضامن مع زميلنا الحاكم، غريغ آبوت، وولاية تكساس في استخدام كل أداة واستراتيجية، بما في ذلك الأسوار الشائكة، لتأمين الحدود، لقد تخلت الحكومة الفيدرالية عن واجباتها الدستورية تجاه الولايات، وولاية تكساس لديها كل المبررات القانونية لحماية سيادتها، ولدينا الحق نفسه لحماية ولاياتنا وأمتنا”.
ووقت كتابة هذه السطور، كانت 11 ولاية أميركية تعلن عن إرسال دعم عسكري إلى تكساس، ما يعني أن الأمر بدأ ينحو إلى جهة تشكيل موجة صارخة من عسكرة المشهد.
على أن الطامة الكبرى، والتي يمكنها تحويل المشهد في تكساس إلى مواجهة مسلحة حقيقية، تمثلت في إعلان جماعة محملة بالسلاح، وصفها أحد منظميها بـ “جيش الله”، أنها ستتحرك بداية هذا الأسبوع نحو تكساس، بدءاً من فيرجينيا، وستعقد 3 مسيرات في كاليفورنيا، وأريزونا، وتكساس في 3 فبراير (شباط) المقبل.
ونشرت مجلة “وايرد” مقالاً وصفت فيه المجموعة بأنها “قافلة مسلحة”، لترد المجموعة: “نحن لا ندعو إلى حمل السلاح. إنها دعوة للتعامل مع أي شخص يعبر الحدود. نحن هنا للاحتجاج السلمي في ظل حكمنا”.
هل يعني ما يجري في تكساس أن اليمين الأميركي، المتشدد إلى حد المتطرف، يكاد أن يجد فرصة ذهبية يستغلها، ونقطة ارتكاز يتمحور حولها؟
ليس سراً أن الجميع يتوقع أن تشهد الأيام القليلة المقبلة سيناريو “أبوكاليبسي” (كارثي)، مواكب للانتخابات الرئاسية الأميركية، والعهدة هنا على القطب اليميني الأميركي الأشهر، روبرت كاغان، صاحب النصيب الأكبر في مشروع القرن الأميركي للمحافظين الجدد، لعام 1997، فهل تضحى تكساس نقطة انطلاق هذا السيناريو؟
الديموغرافيا وإرهاصات الحرب الأهلية
امتلأت الآفاق الإعلامية حول العالم في الأيام الأخيرة بحديث “الحرب الأهلية” الوارد حدوثها في الداخل الأميركي من جراء أزمة تكساس. بعض هذه الأصوات ربما تنطلق من ناحية العداء الأيديولوجي لأميركا، وبلغ الأمر حد اعتبار أن أميركا مقبلة على زمن “الربيع الأميركي”، في مسمى لا يغيب عن أعين القارئ، مماثل لما جرى في بدايات العقد الثاني من القرن الحالي في العالم العربي، حيث لا تزال أصابع الاتهام توجَّه إلى واشنطن وحكومة الرئيس الأسبق باراك أوباما، التي تسببت بانهيارات هيكلية سياسية واجتماعية في الشرق الأوسط.
من ناحية أخرى، هناك من يعتقد أن الأحداث الأخيرة في تكساس، هي بالفعل مدخل لحرب أهلية أميركية حديثة. ومن بين الأصوات التي تعلو في هذا الاتجاه، يأتي صوت المفكر والفيلسوف الروسي، ألكسندر دوغين”.
عند دوغين فإنه “عندما يقرر أنصار العولمة زيادة الهجرة غير الشرعية، فإنهم يتابعون هذه الأجندة بلا هوادة، ويصفون أولئك الذين يدافعون عن الهجرة المنظمة أو مراقبة الحدود بأنهم “فاشيون” أو أنصار ترمب، أو عملاء بوتين. إنهم يضغطون على سياساتهم التوجيهية إلى أقصى الحدود، حتى لو ثبت أنها غير فعالة على الإطلاق. بالنسبة لأنصار العولمة، فإن أي شخص يختلف مع وجهة نظرهم فعلياً لا وجود له ولا ينبغي له أن يكون موجوداً”. ويقدم دوغين وجهة نظر فلسفية عميقة عن الصراع الدائر في الداخل الأميركي بين جناح اليمين المحافظ، وليس بالضرورة اليمين المتطرف، هذا الذي يريد العودة إلى فكرة “أميركا عظيمة من جديد”.
غير أن هناك تياراً مخيفاً، يتمثل في اليمين فائق التطرف، والذي ينطلق إلى المواجهات العنيفة داخل أميركا، من منطلق آخر، وهو منطلق ذوبان الرجل الأبيض، واضمحلاله في تيارات بشرية مهاجرة. هنا تقوم المقاربة على عوامل إثنية من جهة، وعرقية من جهة ثانية، وربما دينية من طرف ثالث. هذا التيار حمل السلاح من قبل في وجه مجموعة “حياة السود تهم”، خلال فترة حكم ترمب.
والثابت أنه على رغم أن مسحة من حكمة ظللت الولايات المتحدة خلال انتخابات التجديد النصفي الماضية، ولم تحدث “الموجة الحمراء” التي طالب بها ترمب، فإن ترتيبات الانتخابات الرئاسية المقبلة تكاد تقطع بأن هناك موجة شديدة الخطورة والوعورة ربما تشكل تكساس منطلقاً لها في مقبل الأيام القريبة.
تبدو تطورات مشهد تكساس مخيفة لاسيما بالرجوع إلى الدعوات التي تعود إلى التسعينيات، حين طالبت أصوات بضرورة خروجها عن سياق الاتحاد الحالي.
في عام 1996، تحدث دانييل ميلر، الذي أضحى اليوم حاملاً للقب الزعيم الفعلي لحركة “تيكسيت”، على وزن “بريكست”، أي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكان ذلك في أحد فنادق مدينة تايلر شرق تكساس، تحدث عن ضرورة مغادرة ولاية تكساس للولايات المتحدة.
كان تأثير هذه اللحظة كبيراً لدرجة أن مستشاره التكنولوجي قارنها حينها بـ “الخط في الرمال” الذي رسمه زميله من تكساس، ويليام ترافيس، في آلامو، قبل وقت قصير من اقتحامها من قبل القوات المكسيكية في عام 1836، وقد أدى الحصار الأسطوري إلى قيام ما عُرف وقتها بجمهورية تكساس، كدولة مستقلة لمدة 9 سنوات، قبل أن تنضم إلى الاتحاد الأميركي في عام 1845. ويبلغ دانييل ميلر الآن من العمر 50 سنة، وهو رئيس “حركة تكساس الوطنية” (TNM) التي تأمل بالانفصال وتسعى في الوقت عينه إلى تحقيقه.
تكساس عن الرمزية والمستقبل
ربما تضحى الأحاديث عن حرب أهلية أميركية في المدى الزمني المنظور أمراً بعيداً، لكن هناك بالفعل بعض الأصوات المرجعية من داخل أميركا، ومن خارجها، قطعت بالفعل بأن الانفصال قادم يوماً ما. وكان مستشار الأمن القومي الأميركي، زيجينو بريجنسكي، البولندي الأصل، أحد الذين استشرفوا مآلات الانفصال في نهاية السبعينيات وأوائل الثمانينيات، وهو من اعتبرته واشنطن أحد حكمائها.
من علماء السياسة والمستقبليات، النرويجي يوهان غالتونغ، وقد سبق بالفعل وحدد موعداً لتفكك الاتحاد السوفياتي، وصدقت قراءاته القائمة على درجة عالية من الخوارزميات الفائقة الأهمية.
غالتونغ بدوره توقف طويلاً عند الولايات المتحدة، ومستقبلها، واعتبر أن عام 2025، سيكون عاماً حاسماً في تاريخ هذا البلد الإمبراطوري.
التساؤل المهم والمثير: “هل أميركا في مواجهة أزمة حقيقية مجتمعية، وهل ستتفرغ لخلافات الداخل عبر القوة العسكرية، كما الحال في تكساس، أم ستعمل إدارة بايدن على احتواء المختلفين، ولو تطلب الأمر التوصل إلى حلول وسط، ترفع عن البلاد مخاوف الانقسامات؟
يبدو أن لدى واشنطن تحديات عدة في الداخل، ويكفي متابعة الضربة الأخيرة التي تعرضت لها في الشرق الأوسط، على مشارف الأردن، والأصوات الزاعقة بحتمية الانتقام من إيران، ما يعني أن تفعيل صراع داخلي أمر لا بد وأن يستبعد في أسرع وقت.
غير أن دلالات ما يجري في تكساس خطيرة، ذلك أنه ضمن شروط بريجنسكي لبقاء أميركا، أو أي دولة قطبية، قوة عظمى لوقت طويل، بقاء قوة التماسك الاجتماعي، وهنا فإن الحال يغني عن السؤال، بمعنى أن ما يجري في قلب المجتمع الأميركي، يجعله متشظياً ما بين “بيوريتانيين” و”جاكسونيين”، مثاليين وواقعيين، جماعات تعترف بفكرة بوتقة الانصهار، وأخرى ترفضها وتؤمن بحقها في الحفاظ على جذورها العرقية ومحدداتها الثقافية وثوابتها الدوغمائية (العقائدية).
هل ينتهي إلى هنا الحديث عن ملف تكساس؟ غالب الظن أنه مفتوح إلى حين إشعار أميركي آخر.