تأتي أهمية البحر الأحمر من كونه ممراً للربط بين الشرق والغرب، واهتمت به الدول الكبرى لأهمية حرية الملاحة والتجارة الدولية وحركة ناقلات النفط، لكنه ارتبط مع الممرات المائية مثل باب المندب وقناة السويس والتوترات الإقليمية والدولية، ومن ذلك الحرب بين إسرائيل ومصر عام 1973، ثم حرب اليمن، والآن حرب غزة.
فقد تطور امتداد الحرب في غزة إلى البحر الأحمر مع انضمام الحوثيين إليها، إذ تحول باب المندب إلى تهديد إقليمي استراتيجي يمكن أن يتحول إلى حرب منفصلة مستقلة عن التطورات في القطاع الفلسطيني.
باتجاه إيلات
بدأت التوترات في البحر الأحمر برد فعل تكتيكي من الحوثيين مثل اعتراض الطائرات من دون طيار والصواريخ التي أطلقت من الأراضي اليمنية باتجاه إيلات أو على السفن على طول البحر الأحمر، وفي غضون فترة زمنية قصيرة لم يكن هناك رد مناسب من الولايات المتحدة على تهديد الحوثيين، لكن بعد ذلك دفعت واشنطن بمدمرات أميركية وسفن إسرائيلية، فضلاً عن إرسال سفينة حربية فرنسية إلى المنطقة.
مع ذلك لم يتوقف تهديد الملاحة والشحن البحري، لذا قررت الولايات المتحدة الإسراع بإنشاء تحالف دولي يعمل في البحر الأحمر من أجل ضمان حرية الملاحة، لكن يبدو أن بعض حلفاء واشنطن لم يكونوا قادرين على تقديم الدعم لاعتبارات عدة، وكذلك لم تنضم بعض الدول الإقليمية الكبرى والمتشاطئة على البحر الأحمر إلى التحالف.
ولم تسع الدول الصديقة للولايات المتحدة للانضمام نظراً إلى ارتباط التحالف دعائياً بكونه مرتبط بحماية السفن الإسرائيلية، وهو ما حدا بالدول الغربية للابتعاد عن التحالف الدولي المسمى “حارس الازدهار”، لكي لا يكون هناك مبرر للحوثيين للقيام بأعمال انتقامية ضد سفنها.
وتعد مصر أهم الدول المتضررة من توترات البحر الأحمر، فمن جانب سقطت طائرات مسيرة عدة في مدينة دهب المصرية بدلاً من توجهها إلى إيلات، ومن جهة أخرى كان لتأثر عمليات الشحن البحرى مردوده على قناة السويس التي تعد مصدراً مهماً للعملة الأجنبية، ولم تعلن مصر بعد رسمياً نيتها الانضمام إلى التحالف.
بلغت إيرادات مصر من قناة السويس في الفترة من 2022 إلى 2023 نحو 9.5 مليار دولار، أي أكثر بنسبة 34 في المئة مما كانت عليه في العام السابق، ويمكن أن تتأثر معظم إيراداتها.
مناورات بحرية
وتعتبر مصر البحر الأحمر جزءاً من الأمن القومي العربي، وأن مسؤولية حرية الملاحة به هي مسؤولية الدول المتشاطئة، وتهتم بتأمين السواحل البحرية الجنوبية لها عبر البحر الأحمر، إذ أسست عام 2020 قاعدة “برنيس” العسكرية، كما انضمت إلى “مجلس الدول العربية الأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن” الذي أنشأته الرياض في يناير 2020، كما شاركت في عديد من المناورات البحرية لتأمين الملاحة في البحر الأحمر.
وتعد قناة السويس أقصر الطرق البحرية بين الشرق والغرب، مما يجعلها الأفضل لسفن الشحن الدولي من طريق رأس الرجاء الصالح، لكن نتيجة لهجمات الحوثيين أعلنت بعض شركات الملاحة الدولية وقف رحلاتها عبر البحر الأحمر، مما جعلها تتجه نحو رأس الرجاء الصالح، ومن ثم ارتفاع المدة الزمنية وكلفة التأمين على السفن، فضلاً عن التأثير سلباً في التجارة الدولية وسلاسل الإمداد، لتتأثر التجارة العالمية على غرار أزمة كورونا ومن بعده حرب أوكرانيا.
وكان لعدم انضمام مصر إلى التحالف الدولي برعاية أميركية صداه في الداخل الإيراني، إذ تمت الإشادة بعدم انضمام القاهرة، ومع ذلك يمكن القول إن السعي الإيراني المستمر إلى تحسين العلاقات مع مصر ربما يؤدي إلى تفاهمات تجعل إيران، ومن ورائها الحوثيون، يضعون الشواغل المصرية في الاعتبار لعدم تصعيد التوترات معها.