ليس من الواضح ما إذا كانت الضربات العسكرية الأميركية والبريطانية ضد الحوثيين ستعمل على ردعهم عن مواصلة هجماتهم التي أجبرت كبرى شركات الشحن في العالم على إعادة توجيه السفن بعيداً من البحر الأحمر.
فقد تعهد الحوثيون بالرد بعدما تحدوا الإنذارات الأميركية السابقة، بينما أوضح الرئيس الأميركي جو بايدن أنه وضح لن يتردد في توجيه مزيد من الإجراءات لحماية التدفق الحر للتجارة الدولية، فهل اتسعت حرب غزة وانجرت واشنطن إلى صراع ظلت على مدى ثلاثة أشهر تتجنبه؟ أم أن الضربات الأميركية – البريطانية ستقوض قدرات الحوثيين على المدى القصير وتردعهم على المدى البعيد؟
نهاية أم بداية؟
كانت الضربات الجوية والبحرية فجر الجمعة بالتوقيت المحلي ضد 60 هدفاً في 12 موقعاً للحوثيين في اليمن هي أكبر هجوم أميركي منذ ما يقارب عقد من الزمن، ففي عام 2016، ضربت الولايات المتحدة ثلاثة مواقع صواريخ لميليشيات الحوثي المدعومة من إيران بصواريخ “كروز توماهوك” بعد أن أطلق الحوثيون النار على السفن البحرية والتجارية، حينها انتهت الهجمات الحوثية بعد ذلك.
لكن سلسلة الضربات الأخيرة قد لا توقف هجمات الحوثيين على رغم أنها ستقوض قدرتهم على شن الهجمات، وفقاً لما يقوله مسؤولون أميركيون توقعوا لصحيفة “وول ستريت جورنال” أن يواصل الحوثيون ضرب السفن بعد فترة وجيزة من الضربات الأميركية للإشارة إلى أنه لن يتم ردعهم وأنهم سيستمرون في تشكيل تهديد للسفن المبحرة في البحر الأحمر.
ويشير مدير مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط ومسؤول الاستخبارات الوطنية الأميركية السابق جوناثان بانيكوف إلى أنه من غير المرجح أن توقف الضربات الأميركية والبريطانية على الفور هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، لكن الهدف بدلاً من ذلك هو استعادة الردع في أسرع وقت ممكن، مما يعني اضطرار التحالف إلى الاستمرار في الرد على الهجمات الحوثية مع زيادة وتيرتها.
هل من صراع أوسع؟
كانت ضربات فجر الجمعة أكبر حجماً وأوسع نطاقاً وتأتي في خضم صراع حاولت الولايات المتحدة أن تتجنب الانزلاق فيه منذ أن شنت حركة “حماس” هجوماً مباغتاً ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أدى إلى مقتل 1200 إسرائيلي وما استتبعه من رد تل أبيب العنيف الذي أدى إلى مقتل 23 ألف فلسطيني في غزة في الأقل.
لكن بالنسبة إلى إدارة بايدن التي ترددت كثيراً في الرد العسكري لأسباب عدة، جاء قرارها بالتخلي عن الحذر نتيجة وابل من هجمات الحوثيين كان آخرها وأكثرها كثافة الثلاثاء الماضي من بين 27 هجوماً على السفن التجارية منذ منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وفقاً للقيادة المركزية الأميركية التي قالت إنها أسقطت 61 صاروخاً وطائرة درون في الفترة من الـ16 من ديسمبر (كانون الأول) المنقضي وحتى الرابع من يناير (كانون الثاني) الجاري، بينما عبرت 1500 سفينة تجارية البحر الأحمر بأمان.
ومع صدور قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أول من أمس الأربعاء الذي دعا الحوثيين إلى الوقف الفوري لجميع الهجمات التي تعرقل التجارة العالمية والحريات الملاحية وكذلك السلام الإقليمي، وجدت الولايات المتحدة وحلفاؤها غطاءً سياسياً سمح لها باتخاذ قرار توجيه الضربات الذي قال الرئيس بايدن في بيان له إنه لن يتردد في اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الملاحة البحرية.
وعلى مدى الأسابيع الماضية، سعى مسؤولو الإدارة الأميركية إلى فصل هجمات الحوثيين عن الصراع في غزة، ودحض مزاعم الحوثيين بأنهم يعملون لدعم الفلسطينيين، بالتركيز على الأضرار التي أصابت التجارة والملاحة البحرية وأن كثيراً من السفن التي هاجمها الحوثيون لم يكن لها أي علاقة بإسرائيل. ويؤكد المسؤولون الأميركيون هذا الاختلاف حتى يتمكنوا من احتواء حرب أوسع مع تكثيف ردهم على هجمات الحوثيين.
أخطأ الحوثيون في التقدير
واعتبر ضابط سابق في القوات البحرية الأميركية الخاصة أنن الولايات المتحدة لا تسعى إلى صراع مع الحوثيين في اليمن، إذ نشطت واشنطن في محاولة تحقيق سلام دائم في اليمن، لكن الجناح المتشدد داخل معسكر الحوثيين المدعوم من إيران، أخطأ في حساباته بشكل كبير.
وتتفق المسؤولة السابقة لمجلس الأمن القومي الأميركي في منطقة الخليج، كيرستن فونتنروز في أن الحوثيين ارتكبوا خطأ فادحاً في التقدير بأن الولايات المتحدة لن ترد بالقوة، معتقدين أن الخط الأحمر الذي يمكن أن يؤدي إلى رد واشنطن هو مقتل جندي أميركي وأن الرئيس جو بايدن سيكون متردداً في استخدام القوة في عام الانتخابات الرئاسية الأميركية، وهو ما كان قراءة خاطئة في السياق الحالي.
هل الردع محتمل؟
تعهد الحوثيون أنه لن يتم ردعهم، وهدد مسؤولوهم بأن تدفع واشنطن الثمن باستهداف القواعد الأميركية في المنطقة إذا ضربت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مزيداً من الأهداف.
لكن المدير السابق لمجلس الأمن القومي الأميركي لشؤون الدفاع والسياسة العسكرية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، دانييل موتون، اعتبر أن الرد الأميركي – البريطاني على هجمات الحوثيين كان دفاعياً بطبيعته واقتصر على القدرات الهجومية ومراكز القيادة والسيطرة المتعلقة بالمجال البحري، ولهذا فإن الرد المركز ضد الحوثيين يجعل التصعيد أقل احتمالاً لأن الأهداف يمكن اعتبارها أهدافاً عسكرية مشروعة، لكنه يشير في الوقت ذاته إلى أن الحوثيين لم يغيروا مسارهم بعد الضربات الأميركية عام 2016، وبدلاً من الردع استثمر الحوثيون مواردهم التي قدمتها إيران في تعزيز أنظمة أسلحة ذات قدرة متزايدة.
وبينما تتوقع كيرستن فونتنروز استمرار هجمات الحوثيين، إلا أنها ترى أن الضربات الأميركية – البريطانية مؤثرة في استنزاف قدرات الحوثيين وعرقلة توسيع أو تكثيف أعمالهم العسكرية، معتبرة أن التقاعس عن تحرك الولايات المتحدة لم يكن ليؤدي إلا إلى تشجيع الحوثيين على مزيد من الهجمات على الشحن العالمي.
لا حرب برية
أما جوناثان بانيكوف فيرى أن الحوثيين ينظرون إلى أنفسهم على أنهم ليس لديهم كثير ليخسروه، وقد شجعهم الدعم الإيراني على الجرأة العسكرية، وهم واثقون من أن الولايات المتحدة لن تفكر في خوض حرب برية ضدهم في اليمن، وهذا ما قد يشجعهم على الرد.
وفيما أثار بعض حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بما في ذلك دول الخليج، مخاوف من أن الضربات ضد الحوثيين قد تخرج عن نطاق السيطرة وتجر المنطقة إلى حرب أوسع مع وكلاء آخرين لإيران مثل “حزب الله” في لبنان أو الميليشيات المدعومة من طهران في سوريا والعراق، إلا أن هذا السيناريو لا يبدو مطروحاً، ففي الساعات التي تلت ضربات التحالف لم تشهد أميركا أي عمل انتقامي مباشر موجه نحو الولايات المتحدة أو أعضاء التحالف الآخرين في البحر الأحمر بحسب المسؤولين الأميركيين.
ويبدو أن تسريب أخبار توجيه الضربات العسكرية للحوثيين كان متعمداً، إذ نقلت “وول ستريت جورنال” عن مسؤول دفاعي أميركي قوله، إن قوات الحوثيين نقلت بعض الأسلحة والمعدات وحصنت البعض الآخر، وخزنت الصواريخ في مخابئ بمدينة صنعاء ذات الكثافة السكانية العالية تحسباً لرد أميركي.
هل ترد إيران؟
من غير المرجح أن تؤدي الضربات في اليمن إلى تصعيد مباشر مع إيران وفقاً لكريستن فونتنروز، إذ لا يوجد دافع لدى إيران لتأكيد علاقاتها بالصراع أو الحوثيين في هذا المنعطف، بخاصة أنها ظلت تنفي علاقتها بالأسلحة المتوفرة لدى الحوثيين، وذلك لأن طهران تحقق بالفعل أهدافها الاستراتيجية مع تراجع شعبية الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم وتعثر الجهود الإسرائيلية لتحسين علاقاتها الدبلوماسية مع العالم العربي.
إضافة إلى ذلك، غادرت سفينة تجسس إيرانية البحر الأحمر في وقت مبكر من أمس الخميس متوجهة إلى مدينة بندر عباس على الساحل الجنوبي لإيران، التي قال مسؤولون أمنيون سابقاً إنها من المحتمل أن تكون مستهدفة لدورها في مساعدة المتمردين في هجمات على السفن من خلال تتبع سفن الشحن، مما يشير إلى عدم رغبة إيران في مواجهة قد تكون محتملة مع الولايات المتحدة والغرب.
لكن على نقيض ذلك، يرى دانييل موتون أن إيران ستواصل إمداد الحوثيين، مما يعني أن قدرة التحالف على اعتراض عمليات إعادة تزويد إيران الحوثيين بالأسلحة والحاجات الأخرى قد تحدد مدى نجاح شن جولات إضافية من الضربات العسكرية.
هل كانت الضربات حتمية؟
يقول جوناثان بانيكوف إن الضربات الأميركية – البريطانية ضد الحوثيين كانت ضرورية، لأنها استهدفت إرسال رسالة إلى إيران مفادها أن ممارسة نفوذ خبيث في جميع أنحاء المنطقة من دون خوف من الانتقام يهدد باندلاع خطر نشوب صراع إقليمي أطول وأكثر دموية، وهو ما قد يكون أكثر احتمالاً في الأشهر والسنوات المقبلة إذا لم يتم توجيه الضربات العسكرية.
كان من الواضح من خطاب الرئيس بايدن تأكيده هذه الرؤية حين أشار إلى أن “الضربات المستهدفة هي رسالة واضحة مفادها أن الولايات المتحدة وشركاءنا لن يتسامحوا مع الهجمات على القوات الأميركية، أو يسمحوا لجهات معادية بتعريض حرية الملاحة للخطر في أحد الطرق التجارية الأكثر أهمية في العالم”.
وفي خضم المخاوف من خطر انهيار مفاوضات السلام في اليمن بين الحوثيين والحكومة الشرعية المعترف بها دولياً لإنهاء الصراع الذي دام سنوات عدة، يرى البعض أن المفاوضات مع الحوثيين ستكون أكثر صعوبة كلما زاد النفوذ الذي يكتسبه الحوثيون، لأنه من المؤكد أن قدرة هذه الميليشيات على العمل في المنطقة مع الإفلات من العقاب تزيد من نفوذها، ولهذا فإن التصدي لسلوكها المثير للاضطراب في الملاحة العالمية هو أفضل خيار متاح حالياً.