بعد أقل من 24 ساعة على سقوط أكثر من 30 صاروخاً على بلدات الجنوب من غزة، كشف تقرير عسكري عن أن الجيش الإسرائيلي غير قادر على القضاء على شبكة الأنفاق العملاقة التي تمتد في كل منطقة غزة، ليرفع موجة الانتقادات بحق الجيش والمؤسستين العسكرية والسياسية لعدم وضع خطة واضحة سواء لسير القتال في غزة أو لليوم الذي يلي.
واعترف أمنيون بأن الجيش وعلى رغم مرور 103 أيام على الحرب، لم يتمكن من تحقيق أي هدف من حرب غزة، فيما عبّر سكان الجنوب عن خشيتهم من تكرار أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وكرروا رفضهم العودة لبيوتهم.
وفيما كان الجيش ووزير الأمن يوآف غالانت قد أخبرا السكان مطلع هذا الأسبوع أن بإمكانهم العودة لمنازلهم في غضون أسبوعين، أبلغ مسؤولون السكان بعد رشقة الصواريخ الثلاثاء والكشف عن الأنفاق العملاقة بأن الوضعية الحالية للحرب تتطلب منهم البقاء وقتاً أطول بعيداً من بيوتهم.
“لا إنجازات”
وقال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو خلال لقاء مع رؤساء بلدات الجنوب وغلاف غزة إن الحرب تتطلب وقتاً طويلاً وقد تستمر حتى عام 2025 استناداً إلى تقديرات الوضع الحالي، وبعد نقاش وتوجيه اتهامات للحكومة وتحميلها مسؤولية السابع من أكتوبر، تجاوب نتنياهو مع مطلبهم بعدم عودة سكان غلاف غزة لبيوتهم قبل العطلة الصيفية في أواخر يونيو (حزيران)، لكنه كرر مقولته “أولاً يجب القضاء على حماس وتحقيق النصر”.
النائب السابق لرئيس الأركان دان هرئيل اعتبر أن إطلاق حركة “حماس” أكثر من 30 صاروخاً بعد أيام من الهدوء هو تكتيك استراتيجي يتبعه أيضاً “حزب الله” في لبنان تجاه بلدات الشمال، وحمّل الحكومة مسؤولية الوضع ومرور 103 أيام على الحرب من دون تحقيق إنجاز تجاه “حماس” ولا عودة الأسرى الإسرائيليين.
وقال هرئيل “ما نراه اليوم من قدرات صاروخية وعسكرية لدى حماس إنما تؤكد أن هذه الحكومة لا تعلم إلى أين تقودنا. المشكلة بدأت منذ اليوم الأول للحرب عندما أطلق المسؤولون التصريحات المبالغ بها حول أهداف حرب غزة ومن دون مسؤولية، مثل الإعلان عن محو حماس وتدمير حكم حماس”، مضيفاً أن “حكومتنا للأسف لا تتحدث باللغة العبرية حين تتوجه إلى الرأي العام لإبلاغه بالانتقال إلى المرحلة الثالثة في العملية البرية وهي عملياً انتقال من الحرب إلى القتال، كل هذا تقوله باللغة الإنجليزية ولا تخاطب أبناء شعبها هنا.
وأوضح “وفي الحقيقة من غير الواضح لأحد ماذا تريد هذه الحكومة وماذا يريد الوزراء الذين يواصلون التصريحات التي تلحق الضرر بنا، فتسمع وزير الأمن القومي (إيتمار بن غفير) يتحدث بقناعة أنه بالإمكان حل المشكلات وتحقيق الأهداف بالقوة وقد نلجأ إلى قوة أكبر، كما يقول، للأسف بهذا الشكل لا يديرون حرباً”.
الأنفاق المعضلة الأكبر
التقارير التي تصدرت أجندة الإسرائيليين أمس الأربعاء حول شبكات الأنفاق العملاقة في غزة وعدم قدرة الجيش على القضاء عليها ولا حتى معرفة كيفية مواجهتها، استدعت حسماً فورياً، ودعا أمنيون الحكومة والكابينت إلى بلورة خطة سياسية واضحة حول مستقبل غزة بعد الحرب، إلى جانب توفير الأجوبة كافة لتساؤلات الجنود الذين غادروا غزة، موجهين انتقادات للقيادة، لا سيما أن انسحابهم جاء قبل تنفيذ الأهداف المطروحة.
وما لم يتوقعه الإسرائيليون هو ما كشفت عنه تقديرات أمنية إسرائيلية بأن طول شبكة الأنفاق في قطاع غزة يراوح ما بين 560 و720 كيلومتراً، ولها حوالى 5700 فتحة منفصلة تؤدي إليها، علماً أن الجيش توقع بداية الحرب بأن تصل الأنفاق إلى 400 كيلومتر.
وفي تصريحات لمسؤولين أمنيين إلى صحيفة “نيويورك تايمز”، جاء أن الجيش الإسرائيلي عثر على نفق يمتد بطول ثلاثة ملاعب كرة قدم، وأعرب جنود ومسؤولون من إسرائيل والولايات المتحدة عن دهشتهم لضخامتها ولتطور المعدات التي استخدمتها “حماس” لبنائها، من خلال مقاطع فيديو حصل عليها الجيش الإسرائيلي.
وفي نقاش الإسرائيليين، لم يخفِ الجيش أنه لم ينجح في القضاء عليها بل يتوقع وجود أنفاق أعمق بكثير تحت غزة.
وانتقد المسؤول السابق في منظومة البناء والتحصينات في الجيش يهودا كفير عدم جاهزية الجيش لمواجهة تلك الممرات على رغم معرفته بوجودها خلال أكثر من عملية عسكرية نفذها في القطاع. وقال “واضح أن استراتيجية حركة حماس ترتكز على الأنفاق، وهي عنصر مركزي يحول دون إمكان الجيش الإسرائيلي من تحقيق أهداف الحرب”، مشيراً إلى ما يواجهه الجيش من صعوبة تقنية لتطوير قدرات تحت الأرض خلال الحرب وهي صعوبة معقدة وإشكالية.
وحذر من أن التحدي الآخر للجيش الإسرائيلي سيكون في أنفاق “حزب الله” في الشمال، قائلاً إن “هذا خطر آخر، إذ تبين أن حزب الله منذ عام 2000 يحفر الأنفاق بمساعدة كوريا، وهذا يعني أن شبكة أنفاق أكثر تعقيداً وأكثر إشكالية في انتظارنا من ناحية نوعية الأرض وجغرافيتها في الشمال”.
“يصعب القضاء على حماس”
مع دوي صفارات الإنذار في اليوم الثاني بعد الـ100 في جنوب إسرائيل، عقب إطلاق أكثر من 30 صاروخاً وما تكشف من شبكة أنفاق لا يزال الجيش عاجزاً عن تدمير نسبة صغيرة منها، تعالت الأصوات الداعية إلى عدم المغامرة والاستمرار في الحرب من دون الإعلان عن خطط سياسية وعسكرية واضحة، بل ناشد بعضهم بالانسحاب الفوري من غزة واستيعاب أن “إسرائيل لن تنجح في القضاء على حماس”.
القائد السابق للكليات العسكرية والذي تبوّأ مناصب عدة سابقة في سلاح المدرعات الجنرال إسحق بريك دعا الإسرائيليين إلى استيعاب أمر مركزي “لا يمكننا القضاء على حماس”، وقال “أي شخص عاقل يعرف بصورة جيدة تفاصيل وضع الحرب في غزة، يدرك ما يعرفه المستوى السياسي والمستوى الأمني لجهة أن لا يمكن القتال في مخيمات اللاجئين في رفح على طول الحدود مع مصر من دون المس بالسكان الأبرياء الذين يعيشون هناك. الحديث يدور عن المخيمات الأكثر اكتظاظاً في منطقة الشرق الأوسط التي يوجد فيها حوالى مليوني لاجئ، معظمهم هربوا بتشجيع منا من شمال القطاع إلى الجنوب، ولا يمكن التمييز بين من هو حماس ومن هو الغزي غير المشارك في القتال، وأي محاولة للسيطرة على مخيمات اللاجئين في رفح ستحتاج إلى القتل الجماعي لغير المشاركين. الولايات المتحدة ودول العالم لن تقف مكتوفة الأيدي، بناء على ذلك فإن إسرائيل لن تتحمل المسؤولية عن القيام بمثل هذه العملية”.
وفي سياق حديثه، تطرق أيضاً إلى عدم قدرة الجيش على تدمير حتى الأنفاق تحت محور فيلادلفيا، وإن تمت السيطرة عليه، وقال “حتى الآن لا يوجد لدينا أي حل للأنفاق القائمة تحت محور فيلادلفيا، ويحتاج إغلاقها إلى إقامة جدار بطول 13 كيلومتراً وبعرض 40 متراً. وفي قطاع غزة، بناء الجدار هو أمر غير ممكن لأن حماس لن تسمح بذلك. وفي الطرف المصري يمكن تقنياً بناء الجدار، لكن المصريين حتى الآن لا يوافقون على ذلك”.
ويخلص بريك إلى القول إن “الوضع الحالي يظهر بشكل لا يقبل التأويل أن تحقيق الهدف الذي وضعه الجيش، وهو اجتثاث حماس، لا يلوح في الأفق. أيضاً تحقيقه يتبدد مع كل يوم يمر. إذا كانت صورة الوضع اليوم ستبقى هي ذاتها بعد أشهر أو أعوام، فما هي جدوى استمرار القتال في خان يونس وتحقيق إنجازات صغيرة لن تؤدي إلى تدمير حماس واجتثاث حكمها؟”.