بعد التفجيرات الدموية التي وقعت في الثالث من يناير الجاري في مدينة كرمان الإيرانية والتي راح ضحيتها العشرات بين قتيل وجريح، وبدلاً من الاستجابة للرأي العام والاعتراف بعجزها عن توفير الأمن للمواطنين، بدأت السلطات الإيرانية برسم خطوط لمنتقديها في وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال اللجوء إلى القوة والعنف تم التعرف إلى عشرات الناشطين واستدعاؤهم واعتقالهم.
وفي تقرير لوكالة “هرانا” نشر أول من أمس الثلاثاء، قالت إن التقديرات تشير إلى أنه منذ يوم الحادثة، اعتُقل ما لا يقل عن 76 من مستخدمي الفضاء الإلكتروني في أنحاء مختلفة من إيران بسبب آراءهم المناوئة للقائد السابق للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني والتفجيرات التي وقعت في مدينة كرمان.
وكما هو معلوم، تسود توترات وتجري مواجهات بين مَن يعرفون باسم “الجيش السيبراني” التابعين للنظام الإيراني والناشطين الافتراضيين في وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً على منصة “إكس”، لكن هذه المواجهات تصبح أكثر حدة عندما تتصدر الأحداث الاجتماعية المهمة الأخبار في إيران.
خلال الأيام الماضية، أفاد ناشطون معارضون للسلطات بأن بعض الأشخاص المقربين من النظام حددوا عدداً من المستخدمين الذين ينشطون ضد النظام على وسائل التواصل الاجتماعي وتم اعتقالهم.
وأصبحت أجواء المواجهة أكثر توتراً وتعقيداً بعد التفجيرات الدامية التي وقعت في كرمان لأن القنوات الإلكترونية والناشطين المقربين من النظام كشفوا عن هويات عدد من الأشخاص الذين علقوا على تفجيرات كرمان وحجبوا حساباتهم. في الواقع، إن هذه التصرفات ورد الفعل المنسق من قبل الناشطين المقربين من النظام والمؤسسات القضائية والأمنية حول موضوع تفجيرات مدينة كرمان ومقتل قاسم سليماني، أدت إلى اعتقال ما لا يقل عن 76 شخصاً واستدعاء أكثر من 108 آخرين إلى المؤسسات الأمنية والقضائية. وإضافة إلى ذلك، أكدت وكالة “هرانا” في تقريرها أنه تم حجب 537 موقعاً افتراضياً وإغلاق مركزين تجاريين في محافظة مازندران وخراسان الجنوبية.
كما نُشرت معلومات عن هوية الأشخاص الذين تم استدعاؤهم واعتقالهم. ويبدو، في بداية الأمر، أنه تم الكشف عن هوية ما لا يقل عن 28 شخصاً، على 32 قناة وحساباً مقرباً من المؤسسات الأمنية الإيرانية لتسهيل عملية اعتقالهم.
ونشرت إحدى هذه القنوات المقربة من المؤسسات الأمنية مقطع فيديو لاعترافات قسرية لأحد المواطنين الإيرانيين، وضمن هذا المقطع الذي لا يُعرف بأي ظروف تم تسجيله، يظهر الشخص المذكور وهو يعرب عن أسفه ويقول إنه قام بفعلته هذه “تحت تأثير الفضاء الإلكتروني”.
وبناء على التقارير التي وردت من الداخل الإيراني، فإن أكبر عدد من الاعتقالات التي حصلت خلال الأيام الأخيرة، كانت في محافظة أصفهان، حيث اعتُقل 35 شخصاً في أقل من أسبوع، وتأتي محافظة خراسان الجنوبية في المرتبة الثانية بتوقيف تسعة أشخاص.
وفي السياق نفسه، وجه المدعي العام في العاصمة طهران للمفكر والناشط السياسي صادق زيبا كلام وسبع شخصيات أخرى من المشاهير في الفضاء الإلكتروني، تهماً بسبب رأيهم حول التفجيرات الدامية في مدينة كرمان. ووصفت وكالة “فارس” للأنباء التابعة للحرس الثوري الاتهامات الموجهة لهؤلاء الأشخاص بأنها “الإدلاء بتصريحات مخلة بالآداب والقانون العام”، ونُقل عن شرطة طهران أنه “تم استدعاء 500 شخص ممن نشروا على وسائل التواصل الاجتماعي مواضيع تتضمن محتوى مهيناً للشهداء في أحداث كرمان من قبل الشرطة وهم الآن تحت مراقبة الشرطة السيبرانية”.
وفي خبر آخر، أعلن مكتب المدعي العام والثورة في مدينة يزد في الخامس من يناير الجاري، اعتقال الطالب الصيدلاني في جامعة يزد للعلوم الطبية مهدي سعادتي بتهمة “إهانة شهداء الحادثة الإرهابية في مدينة كرمان”، مضيفاً أنه “تم تحويل القضية إلى اللجنة التأديبية في الجامعة وإلى حين بتّها لا يحق له الالتحاق بالجامعة”. كما اعتُقلت الطالبة سورنا علي بور والطالب عارف شريف سلطاني في مدينة هرمزكان بتهم مماثلة. والأنكى في الأمر، أن مواقع مقربة من النظام اتهمت هؤلاء الطلبة بـ “دعم الصهيونية”.
واتهم رئيس السلطة القضائية غلام محسن إيجئي الإثنين الماضي، الأشخاص الذين ينتجون محتوى في الفضاء الإلكتروني ضد النظام الإيراني بـ”التعاون مع العدو”، والتعاون مع داعش”، وارتكاب “أعمال إجرامية”، وأبلغ المدعي العام بأن يُصار إلى التعامل معهم “بصورة عاجلة”.
وقبل رئيس السلطة القضائية، كان المدعي العام في إيران محمد موحدي آزاد، أمر جميع المدعين العامين والمحاكم الثورية بالتعامل “بصورة حاسمة” مع من “ينتج وينشر أو يقوم بإعادة نشر أي محتوى كاذب وغير قانوني وإجرامي في وسائل الإعلام والفضاء الإلكتروني”.