في ظل احتدام المواجهة الإعلامية بين طرفي الحرب في السودان (الجيش وقوات الدعم السريع) بادعاء كل طرف تحقيق الانتصار على الآخر ميدانياً، وتباعد خطوات الحل السلمي بسبب توقف منابر التفاوض، أكد قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان أن قواته تتقدم بخطى ثابتة لإنهاء التمرد في البلاد وطرده نهائياً من أماكن وجوده.
ونوّه البرهان لدى مخاطبته، أمس الثلاثاء، جمعاً من العسكريين، بأن “القوات المسلحة السودانية لن تبدِّل مواقفها ولن تتراجع ولن تغفر لكل من انتهك عرض الشعب السوداني وسرق ممتلكاته وروَّع أمنه واستقراره”.
وقال إن “قائد التمرد (قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو) أسس لحرب قذرة الغرض منها تفكيك الروابط الاجتماعية بين مكونات المجتمع السوداني، لذلك سنلاحقه ونحاسبه ونحمله المسؤولية على كل ما قامت به ميليشياته من سرقة ونهب وقتل واغتصاب”، مبيناً أن “الشعب السوداني لن ينسى هذه الجرائم والانتهاكات لأنها أفعال غير أخلاقية”.
وأضاف “ظل رأس الفتنة وزعيم هؤلاء المجرمين يكذب ويدعو المواطنين للعودة إلى منازلهم، وهذا حديث تضليلي وإجرامي لأن قواته هي التي تهاجم المدنيين العزل والأبرياء وتنتهك حرماته”، مشيراً إلى أن “الجميع يعلم من الذي بدأ وخطط لهذه الحرب، فهم من بدأوا هذه الحرب”.
وأكد قائد الجيش أن “أي تفاوض لن يرضي الشعب السوداني وقائم على أسس قوية ومتينة تحفظ لهذا الشعب عزته وكرامته لن نقبل به، ولا بد من خروج المتمردين من الأعيان المدنية ومنازل المواطنين وإرجاع المنهوبات”، مشدداً على أنه “مع التفاوض الذي يحفظ حقوق المواطنين”.
ودعا البرهان السياسيين إلى “البحث عن الحلول داخل الوطن وليس خارجه”، معتبراً أنه “لا بد من الجلوس مع كل أطياف الشعب السوداني للوصول إلى حلول مرضية للجميع”.
وقال “لن تفرض علينا أي جهة خارجية حلولاً. وأي مبادرة من منظمة (إيغاد) لا تعنينا باعتبار أنها غير معنية بالشأن السوداني”.
وأشار البرهان إلى أن “الحل والتفاوض يكمنان داخل السودان ولن نلتقي بأي شخص بالخارج، فأي لقاء سيكون داخل البلاد، وهذه رسالتي لـ (رئيس الحكومة السابق عبدالله) حمدوك ومن معه”.
8 ملايين نازح
في السياق، أعلن المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، الأربعاء، أن المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان أدت إلى نزوح “حوالى ثمانية ملايين” شخص، وذلك خلال زيارة له إلى إثيوبيا.
ومنذ 15 أبريل (نيسان) 2023، أدت الحرب في السودان بين القوات الموالية لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان ونائبه السابق قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بلقب حميدتي، إلى مقتل أكثر من 13 ألف شخص بحسب “مشروع بيانات مواقع النزاعات المسلحة وأحداثها” (أكليد)، وهي منظمة غير حكومية يستند إلى حصيلتها مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية “أوتشا”.
ووفق وكالة الصحافة الفرنسية، قال غراندي، في بيان، إن “النزاع الوحشي في السودان” أدى إلى نزوح “حوالى 8 ملايين” شخص ودعا إلى “دعم عاجل لتلبية احتياجاتهم”.
وأضاف “سمعت قصصاً مؤلمة عن فقدان عائلة وأصدقاء ومنازل وسبل العيش لكن وسط هذا اليأس، لمست أيضاً تصميم اللاجئين على المضي قدماً إذا قدمنا لهم الدعم والفرص”.
وفي 21 ديسمير (كانون الأول)، قدر متحدث باسم الأمم المتحدة أن النزاع يشكل “أكبر أزمة نزوح في العالم”.
واستقبلت إثيوبيا، إحدى الدول الست المجاورة للسودان، منذ أبريل 2023 أكثر من 100 ألف شخص هربوا من المعارك بحسب الأمم المتحدة. يضاف هؤلاء إلى حوالى 50 ألف لاجئ سوداني موجودين في البلاد.
وقالت مفوضية اللاجئين في بيان الأسبوع الماضي إن “عدد الوافدين الجدد إلى تشاد تجاوز 500 ألف شخص منذ أبريل الماضي، وفي جنوب السودان يعبر ما متوسطه 1500 شخص يومياً البلاد”.
زيارة جوبا
في الأثناء، توجه وفدٌ من تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” بقيادة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، اليوم الأربعاء، إلى جوبا، عاصمة جنوب السودان، لبحث سبل إنهاء الأزمة السودانية.
ووفقاً لبيان صادر عن التنسيقية، فإن الزيارة تأتي في إطار الجولات الخارجية للقوى الديمقراطية المدنية لحشد الجهود الدولية والإقليمية وتكاملها للمساعدة في تغليب خيار الحل السلمي لإنهاء الحرب في البلاد ومعالجة الوضع الإنساني الكارثي ومن ثم المبادرة بمسار سياسي تفاوضي لمخاطبة قضايا الأزمة الوطنية.
كما سيطرح الوفد على رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، خريطة الطريق و”إعلان أديس أبابا” الذي وقعته التنسيقية أخيراً مع قائد “الدعم السريع”.
ومن المقرر أن تبدأ، غداً الخميس، اللقاءات بين “تقدُّم” وحكومة جنوب السودان، فضلاً عن لقاء كل من رئيس “الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال” عبد العزيز الحلو، ورئيس حركة “جيش تحرير السودان” عبدالواحد محمد نور.
العمليات العسكرية
ميدانياً، واصل طرفا القتال، أمس الثلاثاء، تبادل القصف المدفعي من منصاتهما المختلفة بمدن العاصمة الثلاث، الخرطوم، وأم درمان، وبحري، حيث قصف الجيش بالمدفعية الثقيلة من قاعدة وادي سيدنا العسكرية الواقعة شمال أم درمان، مواقع وتجمعات قوات “الدعم السريع” المنتشرة في مناطق عدة بالعاصمة، وبحسب شهود عيان، سُمع دوي انفجارات متواصلة بمنطقة شرق النيل ببحري، وأحياء شرق الخرطوم، وذلك جراء القصف المدفعي من قبل الجيش السوداني.
ويدور هذه الأيام قتال عنيف بين طرفي النزاع باستخدام المدافع الثقيلة، والطيران، والمسيرات، والأسلحة الخفيفة، على شتى محاور القتال بالعاصمة وولايات الجزيرة وشرق دارفور وغرب وشمال كردفان.
وأشار شهود إلى تواصل العمليات التي تقودها “قوات العمل الخاصة” التابعة للجيش لتمشيط منطقة أم درمان القديمة والتأكد من خلوها من قوات “الدعم السريع”، لافتين إلى تقدم الجيش في عدد من المحاور بدءاً بشارع الوادي، والثورة بالنص، والشنقيطي، والامتداد، وصولاً إلى سوق أم درمان القديمة، فضلاً عن محور السوق الشعبية، وسوق ليبيا، وأمبدة.
وتسبب القصف المدفعي المتبادل بين القوتين المتحاربتين في تزايد حركة النزوح من المناطق الجنوبية لمدينة أم درمان باتجاه الشمال، فضلاً عن الأضرار البالغة التي لحقت بمنازل المواطنين.
وأعلن مصدر عسكري بولاية القضارف عن صد الجيش هجوماً لعناصر تتبع لقوات “الدعم السريع” حاولت التوغل في مناطق ميجر 5، والقرية 35 التابعة لمنطقة الفاو، مؤكداً هدوء الأحوال الأمنية بالمنطقة عقب تدخل الطيران الحربي.
كما واصل الطيران الحربي غاراته على مواقع “الدعم السريع” بمدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور، مما تسبب في حدوث هلع وخوف وسط سكانها، في وقت تشهد المدينة انقطاعاً تاماً للكهرباء والمياه، إضافة إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية بصورة جنونية، وشح الوقود.
إلى ذلك، رفضت الحركة الإسلامية في السودان، الداعمة للجيش في حربه مع “الدعم السريع”، إدراج وزارة الخارجية الأميركية اسم وزير الدولة السابق للداخلية في عهد نظام البشير المعزول، أحمد هارون، ضمن برنامج مكافآت جرائم الحرب وتخصيص خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن مكان وجوده.
وعابت الحركة في بيان على واشنطن عدم عضويتها في المحكمة الجنائية ووصفت قرارها بـ”السمسرة في قضايا الأبرياء” واعتبرتها “غير مؤهلة أخلاقياً، وعاجزة عن معالجة مشاكلها الداخلية”، وأن “منهج التحفيز على الشر والإغراء بالمال لهو نهج الفشلة والعاجزين”.
واتهم البيان الإدارة الأميركية بـ”التستر على جرائم القتل والاغتصاب والتهجير والسلب والنهب”، مشيراً إلى أن “محاولة هذه الإدارة إلصاق تلك التهم برموز الحركة الإسلامية لهو إفلاس سياسي وتهجّم لا أخلاقي”. ووصف البيان واشنطن بأنها “عاجزة قانونياً ودستورياً عن معالجة مشاكلها الداخلية ومقابلة حالة التمرد في ولاياتها ونذر حربها الأهلية الوشيكة في تكساس”.
وأشار البيان إلى أن “هارون موجود وسط أهله ويمارس واجبه في الدفاع عن أرضه وعرضه ويفخر بانتمائه للشعب السوداني، حيث ظل حبيساً لفترة أربع سنوات بدعاوى غير مؤسسة قانوناً كان دافعها التشفي والانتقام”.
ويعتبر هارون من القيادات البارزة في الحركة الإسلامية وتقلد مناصب عليا عدة في فترة حكم النظام السابق، وهو مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية بدارفور في عامي 2003 و2004.
رسالة للخارج
من ناحية أخرى، علق الباحث السياسي، ماهر أبوالجوخ على ما يدور من تطورات في الشأن السوداني، قائلاً “إن ما ذكره قائد الجيش عبدالفتاح البرهان بأن هناك مؤمرة خارجية تستهدف السودان هو حديث موجه في شكل رسالة إلى الخارج للحصول على شكل من المساندة الإقليمية والدولية للعب على تناقضات الصراعات والتجاذبات والخلافات الإقليمية بحثاً عن سند في معركته التي يخوضها من أجل أجندة سياسية تتعلق بطموحاته”.
وتابع أبوالجوخ “رغم انتهازية تلاقي أهداف تنظيم المؤتمر الوطني، المحلول، الإخواني، مع أطماع وطموحات البرهان السياسية، لكنه حتى اللحظة يحقق أهدافاً مرحلية للطرفين على أمل أن يتمكنا من إقصاء الغريم في المرحلة التالية بحسب تصورهما في حالة الانتصار في الحرب أو الوصول إلى تسوية تتيح التخلص من الغريم، وبالتالي فإن الأطراف المعرقلة للحل السلمي تنتظر لحظة الانتصار أو المساومة التي تجعل أي منهما طرفاً في المعادلة السياسية رغم أن الوقائع تظهر أن الفرصة التي مُنحت لهما قبل الانقلاب على حكومة الفترة الانتقالية وإشعال الحرب غير واردة لأنهما، أي البرهان وتنظيم البشير الإخواني، أهدرا فرصة الاستفادة من الانتقال الديمقراطي وهو أمر غير وارد بعد إشعالهما هذه الحرب”.
وأردف أنه “في ظل الموقف المتشدد لوزارة خارجية قائد الجيش تجاه (إيغاد) فإن احتمال الوصول إلى حلول ناعمة أمر مستبعد، وبالتالي فإن الحلول المقترحة من قمة (إيغاد) الأخيرة سيكون طابعها التشدد تجاه الحرب في السودان بما في ذلك تعبئة الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات عملية فاعلة لإجبار أطراف الحرب على وقفها بشكل قسري. وما لم يحدث تراجع في موقف الخارجية السودانية الرافض التعامل مع (إيغاد) بخلاف ذلك فإن التشدد هو الفرضية الأرجح”.
وفي ما يخص الإجراءات الأميركية تجاه مساعد البشير السابق أحمد هارون أوضح أبوالجوخ أن “هذا الرجل (هارون) لديه ارتباط بمسار الحرب الحالية التي تعتبر نتاج هروبه من العدالة، ومن الضروري عدم إغفال دوره في سبر الحرب من خلال قيادته حملات تسليح المواطنين في عدد من الولايات، وبالنظر لهذا الإجراء وما سبقه من إجراءات طالت رموزاً أمنية وعسكرية وسياسية أبرزهم أمين الحركة الإسلامية علي كرتي، ومديري المخابرات السابقين صلاح قوش ومحمد عطا، فضلاً عن إجراء آخر طال رجل الأعمال البارز عبدالباسط حمزة، وكذلك إجراءات أخرى لم يفصح عنها وغيرها يُتوقَع صدورها، فمن المؤكد أنها ستكون لديها تأثيرات على تلك القيادات وعلى طموح عودة الحزب المحلول إلى المشهد السياسي من بوابة الحرب، فالواضح أن فاتورة الحرب ستكون باهظة التكاليف على الحزب المحلول كمؤسسة وعلى قياداته المجرمة”.