وضع الجندي الإسرائيلي سلاحه على رأس ريتال وطلب منها إبراز بطاقة الهوية، وبعد أن تسلمها، أخذ ينظر في وجهها مرة وجسدها مرات أخرى، ويهز برأسه وبتسم، ويتجول حولها وهو يكرر تعابير وجهه.
ريتال فلسطينية من سكان الجزء الشمالي من قطاع غزة، ورفضت النزوح نحو الجنوب، وعلى إثر التوغل البري لقوات الجيش الإسرائيلي في منطقتها حاصر الجنود بيتها ودخلوه، وجرى اعتقالها هي وبقية أفراد أسرتها وجميع النازحين الذين كانوا يبحثون عن مأوى في منزلها.
أغراض التفتيش
أفرج عن ريتال (33 سنة) بعد ستة أيام من اعتقالها، لكنها كانت خائفة جداً، وحالتها النفسية سيئة للغاية، إذ تعرضت لتهديد بالاغتصاب والقتل، كما تحرش بها الجنود لفظياً وحاولوا الاعتداء عليها جسدياً.
وفي قصة ريتال، فإن الجندي أعطى إشارة بيده لمجموعة من زملائه كانوا يقفون بعيداً منه، وإذ بصوت جندية تسمعه السيدة تخاطبها عبر مكبر للصوت وتطلب منها خلع حجابها لأغراض التفتيش، وأن عليها تنفيذ هذه الأوامر لضمان سلامتها.
ترددت ريتال في تنفيذ الأوامر، لكن سرعان ما سحب الجندي حجابها عن رأسها وهز برأسه وتبدلت ملامح وجهه، تقول السيدة “كان يتحرش بي علناً، لكن بطريقة لا يراه فيها بقية الجنود، كنت خائفة ومصدومة من تصرفاته”.
تحقيق وعنف
بدأت الجندية تطلب من ريتال التجرد من ملابسها لضمان أنها لا تحمل أية متفجرات، وأن عليها أن تلقي بالقطعة التي تخلعها بعيداً لتفتيشها، نفذت المرأة الأوامر، مضيفة “أجبروني على التعري الكامل، وكان الجنود يضحكون وكأنهم يستهزئون بي”.
أعاد الجنود الملابس لها بعد ساعة، ونقلت إلى مكان تجهله للتحقيق معها، وهناك جرى استجوابها أكثر من مرة. تتابع “سألوني ماذا كنت أفعل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، وماذا أعرف عن عناصر حماس”.
لا تعرف ريتال أي معلومات عن المقاتلين الفلسطينيين، لكن الضباط لم يصدقوها، تروي ما حدث أثناء التحقيق “قال لي أحدهم أنت جميلة يا فتاة، ولا أعتقد أن وجهك يليق به التعذيب، لذلك عليك الإدلاء بالمعلومات التي تعرفينها”.
تعرف حقوقها
نظرت السيدة في الجندي نظرة استغراب من حديثه، وأخبرته أنها تعرف حقوقها أثناء الاستجواب، ضحك الجندي منها وضربها على رأسها، حينها أبلغته أنها حامل في الشهر الخامس.
زاد الجندي في ضحكاته وقال لها “أحب الحوامل كثيراً”، خبطت ريتال بقدمها على الأرض، إلا أن المحقق ضربها على بطنها وأوجعها، تؤكد أنها ما زالت تتألم حتى اليوم من تلك الضربة.
غادر ذلك الجندي الإسرائيلي، ووصل مكانه رجل آخر تقول ريتال إنه هددها بالاغتصاب وقال لها حرفياً “إذا ما بدك تحكي معلومات الآن سأدخل عليك الجنود يغتصبوك، وأنت جميلة وهذه فرصة لا تعوض، وتجربة جديدة لهم خاصة أنك سيدة من غزة”.
صرخت ريتال “أطلق صوبي النار، أطلق النار على رأسي، الموت أهون من حديثك الفارغ”، ثم انهارت في البكاء كثيراً، بينما كان الجنود يضحكون من حولها، قبل أن يتركوها مقيدة الأيدي.
خلع الحجاب
وفقاً لتوثيقات المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان اعتقلت قوات الجيش الإسرائيلي أكثر من 200 سيدة أثناء عمليات التوغل البري في شمال غزة، ولا يزال معظمهن معتقلات، ولا يوجد أي معلومات حولهن.
وبحسب الأورومتوسطي فإن جميع المعتقلات خضعن لظروف اعتقال سيئة ومعاملة مهينة، وأجبرن على خلع الحجاب، وثق الباحثون شهادات لنساء أفرج عنهن تعرضهن للتعذيب وتهديدهن بالاغتصاب والقتل لإجبارهن على الإدلاء بمعلومات.
تحرش لفظي
ومن بين السيدات اللواتي تجرأن للإدلاء بشهاداتهن، كانت منال (38 سنة) والتي أفرج عنها، بعد احتجازها مدة ستة أيام، تقول “تعرضت للتحرش اللفظي والتهديد بالاغتصاب أو الإدلاء بمعلومات عن أشياء لا أعرفها”.
تضيف منال “طلبت مني جندية خلع ملابسي بالكامل، ورفضت ذلك، فهجمت على وجهي وصفعتني وقالت لي سأجعل هؤلاء يغتصبونك، نفذي ما نطلب منك، وأكالت علي الشتائم القذرة”.
بحسب منال، التي اعتقلت من مدرسة في بلدة بيت لاهيا شمال غزة، فإن الجنود اقتادوها للتحقيق، لكنها رفضت الإدلاء بأي معلومات حول ما جرى معها، إلا أنها أكدت تهديدها مرات بالاغتصاب وتعرضها للتحرش اللفظي، إضافة إلى محاولة إحدى السيدات لمس جسدها.
لم تتصور منال أن يحقق معها الجندي الإسرائيلي بهذا الشكل، وتتابع “المرأة في العالم كله لها حقوقها، ولم أتخيل أن امرأة قد تتعرض للتعذيب من جيش يدعي أنه نظامي، لكني شاهدت الحقد في أعينهم، أخشى أن يتكرر ما جرى معي مع بقية المعتقلات”.
اتفاقية جنيف
وفقاً لعمليات الرصد التي قامت بها وزارة التنمية الاجتماعية الفلسطينية فإن 20 سيدة من غزة على الأقل هددت بالاغتصاب أثناء اعتقالهن وبالتحديد خلال فترة التحقيق معهن.
يقول المحامي أيمن أبو حسين والذي يعمل في ديوان المظالم (مؤسسة رسمية) إن الجيش الإسرائيلي ارتكب انتهاكات صارخة للقانون الدولي الإنساني باعتقال نساء مدنيات، وتهديد النسوة بالاغتصاب تعد فعلاً يرقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ويضيف أبو حسين “في اتفاقية جنيف الثالثة يجب أن تحصل النساء على رعاية خاصة، ويعاملن بطريقة إنسانية في جميع أوقات الحرب، وذلك باعتبار أن الإناث يحتجن إلى ظروف احتجاز مناسبة لهن”.
من جهة إسرائيل ينفي المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري حدوث مثل هذه التصرفات، ويؤكد أن قوات بلاده تتمتع بمستوى عال من احترام حقوق الإنسان والالتزام بمبادئ القانون الدولي الإنساني وقواعد الحرب.