حرص الغرب وفي أكثر من مناسبة على إدانة البرنامج النووي الإيراني المتنامي. وفي أحدث ردود الفعل، أصدرت كل من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، بياناً مشتركاً في نهاية ديسمبر 2023، أعلنت فيه مرة أخرى أن النظام الإيراني ليس لديه “أي مبرر مدني موثوق” لإنتاج اليورانيوم العالي التخصيب.
ووفقاً لبيان هذه الدول، فإن إيران زادت من إنتاجها من اليورانيوم المخصب في مركزي نطنز وفردو النوويين بنسبة 60 في المئة بين يناير ويونيو2023. في هذا السياق أيضاً، قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إن لدى إيران ما يكفي من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60 في المئة، وإذا ما تم تخصيبه بدرجة أكبر يمكن استخدامه لصنع ثلاث قنابل نووية. هذا المستوى من تخصيب اليورانيوم لا يبعد كثيراً عن المستوى المطلوب لصنع أسلحة نووية، أي اليورانيوم المخصب بنسبة 90 في المئة.
وتوقع معهد العلوم والأمن الدولي في الولايات المتحدة في دراسة له نُشرت، الثلاثاء الماضي، أن يتمكن النظام الإيراني من الحصول على ما يكفي من اليورانيوم المخصب لإنتاج ست قنابل نووية في شهر واحد. وإذا ما استمر إنتاج اليورانيوم لمستوى قريب من صنع الأسلحة، فيمكن أن يصل في غضون خمسة أشهر إلى اليورانيوم اللازم لصنع 12 قنبلة نووية.
ونظراً لتعقيدات عملية إنتاج الأسلحة النووية، فإن معهد العلوم والأمن الدولي يعتقد أن إيران لا تزال غير جاهزة بشكل كامل في بعض القطاعات ذات الصلة. إلا أنه يرى أن إيران تمتلك مجموعة متنوعة من أنظمة الإطلاق، بما في ذلك الصواريخ القادرة على حمل رؤوس حربية نووية. وبالتالي، فإن قسم “الإطلاق” جاهز تماماً.
وكما ورد في هذه الدراسة، أنه لا يزال هناك عمل يتعين القيام به في مجال تحويل اليورانيوم المخصب إلى أسلحة نووية. ويتضمن هذا القسم الحسابات النظرية وعمليات المحاكاة المتعلقة به، وتطوير، واختبار وتصنيع مكونات الأسلحة النووية، وتحويل اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة إلى مكونات معدنية، والتحضير لتركيب السلاح النووي على الطائرات أو الصواريخ أو للاستخدام في اختبار واسع النطاق تحت الأرض.
وإضافة إلى ما ورد أعلاه، يتضمن هذا القسم إتقان نظام متفجر قوي وتصنيع مواد شديدة الانفجار، وبناء “بادئ نيوتروني” يتضمن سلسلة من التفاعلات في اللحظة المناسبة لإحداث انفجار نووي.
وسردت هذه الدراسة طريقتين مهمتين يجب على إيران اتباعهما لإكمال احتياجاتها من الأسلحة في صناعة القنبلة النووية: أولاً، تنظيم تحرك سريع لحيازة عدد من القنابل النووية. ثانياً، استكمال برنامجها النووي السابق، والمعروف باسم “آماد، مع القدرة على إنتاج رؤوس حربية لتكون مناسبة لإطلاق الصواريخ الباليستية.
القصد من “آماد” هو المشروع النووي السري للنظام الإيراني الذي زُعم أنه يهدف إلى إنتاج أسلحة نووية، وقد توقف هذا المشروع في عام 2003. واتهم بنيامين نتنياهو في ربيع عام 2018، النظام الإيراني بإخفاء معلومات سرية حول مشروع “آماد”، لاستخدامه في إنتاج أسلحة نووية متى رغب بذلك.
ووفقاً لهذه الدراسة، فإن الطريقة الثانية تواجه عديداً من التحديات وتحتاج إلى ضمان سريتها لفترة طويلة جداً. لأن اكتشافها مبكر يثير رد فعل دولياً قوياً من قبل إسرائيل وأميركا وحلفائهما. وأما الطريقة الأولى التي تهدف إلى التسريع في امتلاك القنبلة النووية، فتعتبر وسيلة أكثر أماناً للنظام الإيراني لترسيخ نفسه كقوة نووية في المنطقة، وهي الطريقة التي لا تمنح المجتمع الدولي سوى قليل من الوقت للرد على إيران.
في الواقع إن هذا المسار هو نفسه الذي سلكه البرنامج النووي الباكستاني “الناجح” في أوائل الثمانينيات، والبرنامج النووي العراقي “الفاشل” في التسعينيات من القرن المنصرم. البرنامج النووي العراقي أنهته الولايات المتحدة وحلفاؤها -من دون علم- بغزو العراق خلال حرب الكويت.
في وقت تم إنجاز معظم الخطوات التسليحية لصناعة السلاح النووي الخام مثل الحزمة شديدة الانفجار، وبادئ النيوترونات، والمكونات شديدة الانفجار، إلا أنه وفقاً لتوقعات معهد العلوم والأمن الدولي، فمن المحتمل أن تكون هناك بعض المهمات المهمة المتبقية.
ويمكن أن يكون “الاختبار البارد” من بين الخطوات المهمة في هذا السياق. وهو اختبار نهائي لجهاز نووي كامل يحتوي في قلبه على اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة النووية، الذي يقيم بطريقة ما عمل وأداء المجموعة. ويقال إن النظام الإيراني كان يستعد لمثل هذه التجربة.
ومن خلال المضي قدماً في إنتاج اليورانيوم المستخدم في تصنيع الأسلحة، يستطيع النظام الإيراني أن يقوم على الفور بالتحضير لتحويل اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة إلى مكونات أسلحة نووية.
وبالنظر إلى الأوضاع الملتهبة في المنطقة، والصراعات في الشرق الأوسط التي تشكل موضع اهتمام وكالات الاستخبارات الغربية، بخاصة إسرائيل، فإن هذه الدراسة تعتقد أن المراحل الأولية من تحركات إيران لصناعة “القنبلة النووية”، استمرت بهدوء.
وبناءً على تكهنات معهد العلوم والأمن الدولي، ومع الأخذ بعين الاعتبار أن إيران حققت جدولاً زمنياً قصيراً للغاية لإنتاج اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة، فبإمكانها الانتظار حتى الشهر الرابع من الجدول الزمني المحدد بستة أشهر لإبقاء اليورانيوم المخصب الخاص بها خارج ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية. غير ذلك، فمن المحتمل أن يكتشف مفتشو الوكالة الدولية ذلك.
وقد تؤخر إيران عمل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لا سيما الوصول إلى المواقع المحمية المستخدمة لتخزين اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزي المستخدمة لإنتاج اليورانيوم المخصب المستخدم في صنع الأسلحة النووية، بحجج مختلفة وكاذبة منها وقوع حادثة حريق مثلاً. وفي هذه الحالة، قد يكون لدى وكالات الاستخبارات الغربية أقل من شهرين فقط لمحاسبة النظام الإيراني.
وعليه، يخلص معهد العلوم والأمن الدولي إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها ليس لديهم من خيار سوى التركيز على “استراتيجية الردع”، واتخاذ إجراءات سريعة وجذرية من قبل المجتمع الدولي، مثل توجيه ضربة عسكرية، لثني النظام الإيراني عن اتخاذ قرار بعدم امتلاك أسلحة نووية.
في السياق نفسه، يضيف المعهد أنه ومن خلال تعزيز التعاون العسكري بين الولايات المتحدة وإسرائيل بهدف تدمير قدرات إيران النووية، يجب التأكد أيضاً من أنه إذا ما تحركت إيران باتجاه صناعة أسلحة نووية، فإن إسرائيل تستطيع وفي أقصر وقت ممكن، مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية وتدميرها.
وإضافة إلى ذلك، يجب على الولايات المتحدة إعطاء الأولوية للتعاون العسكري مع حلفائها في المنطقة لمنع النظام الإيراني من الحصول على الأسلحة النووية وردع طهران عن الانتقام.
من ناحية أخرى، يتعين على الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تستمر في ممارسة الضغوط على النظام الإيراني بهدف الحصول على أدلة تثبت أن برنامجه النووي ليس سلمياً، وأن تُعزل طهران كلياً عن المجتمع الدولي.