لا ينعم الفلسطينيون إلا بقليل من الراحة من القصف الإسرائيلي الذي دمر قطاع غزة على رغم إعلان تل أبيب عن مرحلة جديدة في الحرب “أدق استهدافاً”، وتجديد وزير الخارجية الأميركي مسعاه لحماية المدنيين خلال زيارته للمنطقة.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قد قال، أخيراً، إن الجيش “سينتقل إلى أسلوب قتالي جديد” يشمل تخفيف القصف الجوي، بعد أن أكد في وقت سابق أنه سيبدأ في سحب بعض القوات من القطاع.
لكن لا تزال الأسر تهرع إلى مستشفيات غزة كل صباح حاملين أقارب لهم أصيبوا في قصف ليلي ليجدوا أجنحة وردهات مكتظة بالمرضى ومخضبة بالدماء في بعض الأحيان. ويصل عمال الإنقاذ ومعهم جثث قتلى انتشلوها من تحت أنقاض المباني.
“أي شيء يتحرك”
وقال شحادة طبش لدى وصوله إلى المستشفى الأوروبي في خان يونس بعد أن فقد اثنين من أقاربه في غارة جوية، إن أي شيء يتحرك يعتبر هدفاً في فلسطين وفي غزة تحديداً.
وقالت السلطات الصحية في غزة، التي تديرها حركة “حماس”، أمس الثلاثاء، إن 126 شخصاً قتلوا خلال الـ24 ساعة الماضية، ليصل عدد القتلى منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) إلى 23210، فضلاً عن آلاف آخرين في عداد المفقودين يرجح أنهم قتلوا ولا يزالون تحت الأنقاض.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قبل وصوله إلى تل أبيب أمس الثلاثاء، للقاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في إطار جولة إقليمية، إن إسرائيل عليها “التزام مطلق” ببذل مزيد من الجهد لحماية المدنيين.
وقال ماثيو ميلر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية في بيان، إن بلينكن شدد خلال اجتماعه بنتنياهو على “أهمية تجنيب المدنيين مزيد من الأذى وأيضاً حماية البنية التحتية المدنية في غزة”.
لكن هذه الكلمات لا تسمن ولا تغني من جوع بالنسبة لكثيرين من سكان غزة الذين أصبح معظمهم الآن بلا مأوى بعد ثلاثة أشهر من القصف الذي دمر مباني سكنية ومدارس ومستشفيات بل وحتى مقابر.
“ألا يرى؟”
وقال شعبان عباد (45 سنة) وهو متخصص في تكنولوجيا المعلومات من مدينة غزة نزح أولاً إلى خان يونس ثم إلى رفح مع أطفاله الخمسة، إنهم يتعرضون لقصف من طائرات وأسلحة أميركية الصنع، لذا فهو يرى أنه يتعين على بلينكن التوقف عن مثل هذه التصريحات.
وأضاف عباد، أنه منذ وصول بلينكن إلى المنطقة، لم يتوقف القصف على غزة وعلى رفح التي من المفترض أن تكون مكاناً آمناً، وتساءل “ألا يرى؟” بلينكن هذا.
وهدف إسرائيل المعلن هو سحق “حماس” التي قتلت أكثر من 1200 شخص معظمهم من المدنيين، واحتجزت 240 رهينة في هجوم لمقاتليها على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر.
لكن وعلى رغم تدمير إسرائيل معظم أبنية القطاع الصغير المكتظ بالسكان وتسويته بالأرض، فإن الحركة لا تزال تقاتل ولا يزال قادتها طلقاء.
وقال الجيش الإسرائيلي، إنه وسع في الوقت نفسه عملياته في خان يونس بجنوب القطاع، محذراً المدنيين الفلسطينيين من السعي إلى العودة إلى منازلهم في شمال غزة حيث بدأ هجومه في أكتوبر.
“لا نرى بصيص أمل”
بعد أن أمرت إسرائيل جميع المدنيين بمغادرة شمال غزة، لجأ كثيرون منهم إلى الجنوب الذي قصفته تل أبيب أيضاً ومنذئذ غزت قواتها البرية الجنوب ودفعت الفلسطينيين النازحين إلى خيام أشد ازدحاماً على الحافة الجنوبية للقطاع على الحدود مع مصر.
وفي خان يونس، قال عبدالجابر محمد الفرا (ثماني سنوات)، إنه ووالده وشقيقه الأصغر فروا من منزلهم بلا متاع، بعد أن أطلقت القوات الإسرائيلية النار عليهم أثناء بحثهم عن مأوى في المستشفى الأوروبي.
وسرد قصة سماعهم صوت دبابات في الشارع وركضهم واختبائهم من قوات المشاة خلف جدار وإطلاق جندي النار على الجدار.
وتلتحم عائلة الفرا بكتلة ضخمة من النازحين غير القادرين على العودة إلى منازلهم ويعتمدون كلياً على مساعدات غير كافية ولا يرون نهاية في الأفق للحرب.
وفي مخيم موقت قرب المستشفى حيث تبحث عائلة الفرا الآن عن مأوى، قال يوسف سالم حجازي، إن منزل عائلته في الشمال قد دكه القصف. وقال إنهم رغم ذلك يريدون الرجوع إلى هناك لنصب خيمة بين الأنقاض وتدشين حياتهم من جديد.
ورحب حجازي بتصريحات بلينكن التي حث فيها إسرائيل على تخفيف هجومها والسماح للمدنيين بالعودة إلى منازلهم، لكنه لا يرى فيها اتساقاً، “لكن لا فائدة من كلامه، لا نرى شيئاً، نتابع الأخبار لكن لا نرى شيئاً نبني عليه أي أمل في الواقع، لا نرى أي بارقة أمل”.