مع سعي إسرائيل إلى إعادة احتلال قطاع غزة وفرض سيطرتها الأمنية عليه ونزع سلاح حركتي “حماس” و”الجهاد”، فإن ذلك لن يتحقق إلا بعودة قواتها للشريط الحدودي بين القطاع ومصر المعروف بممر صلاح الدين (محور فيلادلفيا).
وانسحبت إسرائيل من الممر الحدودي الذي يبلغ طوله 14 كيلومتراً قبل 19 سنة باتفاق مع مصر، وذلك إثر انسحابها الأحادي من قطاع غزة في عام 2005.
وخلال تلك السنوات شكل الممر الذي يمتد من معبر كرم أبو سالم جنوباً وحتى ساحل البحر المتوسط نقطة لتهريب السلع، وحتى الأسلحة من تحت مئات الأنفاق التي حفرت أسفل الممر.
ومع سيطرة حركة “حماس” على قطاع غزة في عام 2007 وإغلاق معبر رفح، فإن الأنفاق أسفل الممر أصبحت المصدر شبه الوحيد للبضائع والأسلحة.
لكن زيادة العمليات المسلحة ضد القوات المصرية في شبه جزيرة سيناء منذ عام 2011، واتهام السلطات المصرية حركة “حماس” بتهريب الأسلحة من قطاع غزة إلى مصر، دفع القاهرة إلى إغلاق معظم تلك الأنفاق، وإقامة جدار فولاذي على طول ممر صلاح الدين.
ومنذ ذلك الحين لم يبقَ الممر على حاله من الجانبين الفلسطينيين والمصري، فحركة “حماس” جرفت المناطق المحاذية له، فيما أنشأت مصر منطقة حدودية عازلة بعمق خمسة كيلومترات بعد إزالة منازل ومزارع بمدينة رفح المصرية وقراها.
ومنذ بداية الحرب الحالية على قطاع غزة قصف الجيش الإسرائيلي ممر صلاح الدين مرات عدة، بالتزامن مع تصاعد تصريحات المسؤوليين الإسرائيليين حول ضرورة سيطرة إسرائيل على الممر الحدودي.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “محور فيلادلفيا يجب أن يكون تحت سيطرتنا، يجب إغلاقه، من الواضح أن أي ترتيب آخر لن يضمن نزع السلاح الذي نسعى إليه”.
وجاءت تصريحات نتنياهو لتأكيد تسريبات صحفية إسرائيلية حول أهمية عودة إسرائيل للممر.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إن ممر صلاح الدين يقع “ضمن اهتمامات واعتبارات الجيش الإسرائيلي من أجل القضاء على القوة العسكرية التي تهددهم الآن وفي المستقبل، وجعل قطاع غزة منزوع السلاح”.
وطالب زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان بـ”تدمير محور فيلادلفيا”، مضيفاً أنه عند ذلك فإنه “سيكون حرية المرور بين غزة وسيناء، وسيغادر حوالى 1.5 مليون من سكان غزة القطاع، وينتقلون إلى سيناء”.
وتأتي المخاوف الفلسطينية – المصرية من أن تؤدي السيطرة الإسرائيلية على الحدود المصرية – الفلسطينية إلى إحكام السيطرة على قطاع غزة، وفتح الباب أمام الهجرة منه، ولذلك اعتبر أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ أن العودة الإسرائيلية المحتملة إلى ممر صلاح الدين “دليل واضح على قرار عودة الاحتلال بالكامل، وتدمير للاتفاقات مع مصر”.
وشدد الشيخ على أن “نتنياهو قرر إنهاء كل الاتفاقات مع منظمة التحرير الفلسطينية”، واعتبر أن ذلك “يستوجب قراراً فلسطينياً عربياً موحداً لمواجهة تداعيات هذه الحرب العدوانية، ومحاولات نتنياهو فرض وقائع جديدة جراء هذه الحرب”.
هذا وقال مسؤول فلسطيني إن إعادة إسرائيل السيطرة على ممر صلاح الدين من شأنه خلق توتر في علاقاتها مع مصر، مشيراً إلى وجود رفض من الجيش الإسرائيلي لرغبة نتنياهو، وأضاف أن “التردد الإسرائيلي في إعادة احتلال الممر يعود للرفض المصري والأميركي لتلك الخطوة، وليس لأي حسابات مع الفلسطينيين”.
وتتطلب عودة إسرائيل لممر صلاح الدين تعديلاً عن البروتوكول الإضافي لمعاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية الذي تم التوصل إليه عام 2005، وانسحبت إسرائيل بموجبه من الممر.
واعتبر الخبير العسكري والاستراتيجي سمير راغب أن تصريحات نتنياهو حول إعادة السيطرة على ممر صلاح الدين “ربطت بين ذلك والتوصل إلى ترتبيات”، مشيراً إلى أن “نتنياهو كان يقصد مصر وأطرافاً فلسطينية أخرى بتلك الترتبيات”.
وأوضح راغب أن تلك السيطرة إن تمت ستكون ضمن ترتيبات بعد الحرب، مضيفاً أن ذلك يحتاج إلى اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة الإسرائيلية – المصرية لتعديل الملحق الأمني، ورجح راغب أن تضع إسرائيل “مطلب السيطرة على الممر ضمن مطالبها لما بعد الحرب”.
وعن المبرر الإسرائيلي لإعادة السيطرة على الممر من أجل وقف تهريب الأسلحة عبر الأنفاق، أشار راغب إلى تلك الأنفاق “دمرتها مصر بالكامل ليس بهدف منع تهريب الأسلحة من سيناء إلى غزة والعكس أيضاً”.
وبحسب راغب فإن أهداف إسرائيل السياسية من الحرب على قطاع غزة “غير واضحة”، قائلاً إن هناك خلافات بين مؤسسة الجيش ونتنياهو، مشيراً إلى أن عودة إسرائيل لممر صلاح الدين “ستسبب مشكلات أمنية لمصر، بسبب استحالة سيطرة إسرائيل الكاملة على جنوب قطاع غزة، واحتمال شن حركة ’حماس‘ هجمات على طول الحدود وبالتالي سقوط صواريخ داخل الأراضي المصرية”، لافتاً إلى أن ذلك سيؤثر في دخول المساعدات من مصر إلى غزة.
لكن الباحث في الشؤون الإسرائيلية سليم بريك رجح سيطرة إسرائيل على ممر صلاح الدين خلال الحرب الحالية على قطاع غزة، وليس ضمن ترتيبات ما بعد الحرب بدعوى وقف تهريب الأسلحة.
وأشار بريك إلى أن إسرائيل “قد تستغل سيطرتها على الممر لفتح معبر رفح لخروج الفلسطينيين من قطاع غزة”، مشيراً إلى أن ذلك يسبب قلقاً للقاهرة، وبحسب الباحث فإن ذلك “سيعرض العلاقات المصرية – الإسرائيلية للخطر”، موضحاً أن هناك معارضة لذلك في مجلس الحرب خصوصاً من بيني غانتس وغادي أيزنكوت.