ما زالت أصداء التعامل مع استئناف سياسة الاغتيالات الإسرائيلية للقيادات الميدانية في حركة “حماس” و”حزب الله” تطرح جملة من التساؤلات المتوقعة في شأن اليوم التالي للمواجهة في ظل دور قائد وموجه لأجهزة المعلومات الإسرائيلية، التي تتجمع في إطار أشمل يعرف باسم مجمع “موساد”، والتي يمكن أن يتنامى دورها خلال الفترة المقبلة، خصوصاً أن دور الـموساد تحديداً بات مركزياً في المهام الأمنية والاستخباراتية والسياسية بمشاركة رئيسه ديفيد بارنيع في المفاوضات مع الشركاء والوسطاء.
كما أن رئيس “الشاباك” بات عضواً موجهاً ومؤثراً في مجلس الحرب، إضافة لتنامي دور الاستخبارات العسكرية “أمان”، مما يؤكد أن مجمع الاستخبارات العام والمعروف باسم “موساد” سيكون له دور تصاعدي في مسار الأحداث، إضافة للتعامل مع جبهات المواجهة الراهنة، سواء في قطاع غزة أو لبنان أو في سوريا، مما سيمثل تحدياً حقيقياً للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية من جانب، ولقيادات الجيش وفي هيئة الأركان إضافة لقيادات التشكيلات.
سيناريو محتمل
من الواضح أن استئناف سياسية الاغتيالات من أهم محاور التحرك الإسرائيلي الحاسم للتعامل مع الأخطار التي تحيط بالدولة، وقد نجح الموساد والشاباك وجهاز الاستخبارات العسكرية “أمان” خلال الفترة الأخيرة في القيام بأعمال نوعية، سواء في إيران ولبنان، وهو ما يؤكد أن أجهزة المعلومات تعمل بمنأى عما يجري في الجيش الإسرائيلي، وأن رجالها تعمل في أجواء مختلفة سياسياً وأمنياً، خصوصاً مع نجاح الأجهزة في اصطياد رؤوس كبيرة في إطار حرب الظل التي تفضلها إسرائيل الأمنية على حساب إسرائيل السياسية، وهو ما يؤكد أيضاً أن استراتيجية أجهزة المعلومات تنطلق من حسابات مدروسة، وتقييمات واضحة وباتت تؤثر في صنع القرار، بل وتنفيذه مثلما جرى، أخيراً، بإدخال رئيس الـموساد في قلب المفاوضات الراهنة مع مصر وقطر والولايات المتحدة وألمانيا والنرويج أطراف المفاوضات السياسية، مما يدل على أن الـموساد بات يمارس دوراً سياسياً لافتاً.
كما أن الاستخبارات العسكرية “أمان” بات لديها تقييمات سياسية برزت في إطار الحرب الدائرة في غزة، كما دخل الـشاباك على خط التعامل في تقديم المقترحات الأمنية والاستخباراتية الخاصة بمستقبل القطاع، ما يؤكد أن دور أجهزة المعلومات بات مركزياً في إسرائيل خلال الوقت الراهن يدل على أن دورها سيزيد وسيتنامى في إطار ما يجري من تحديد للمهام الكبرى التي تعمل إسرائيل على الوصول إليها، وهو ما تدركه تل أبيب وتعمل عليه.
اللافت أن حرب الظل التي تفضلها إسرائيل وأجهزتها الاستخباراتية غير مكلفة، وتحتاج فقط إلى خبرات وإمكانات، وهو ما يملكه جهاز الـموساد تحديداً، الذي نجح في مهامه خلال الفترة الأخيرة بصورة واضحة، ووصل إلى قلب إيران وسوريا، وأخيراً، في الضاحية الجنوبية في لبنان، التي تمثل معقلاً لـ”حزب الله”، مما يؤكد أن أجهزة المعلومات لديها قدراتها وإمكانات كبيرة للعمل، مما قد يؤدي إلى إنجاز أعمالها من دون خسائر حقيقية. ويؤكد أن استئناف سياسة الاغتيالات بالنسبة لإسرائيل مهمة واستراتيجية، وتتم في عدة سياقات حقيقية، أهمها أنها الأداة الأفضل والأنجح في التعامل مع القيادات الفلسطينية.
وقد سبق لإسرائيل اغتيال السياسي الفلسطيني غسان كنفاني في بيروت، كما نفذت عملية فردان عام 1973 باغتيال ثلاث قيادات كبار هم محمد يوسف النجار وكمال ناصر وكمال عدوان، وكذلك اغتيال علي حسن سلامة الأمير الأحمر والقيادي في منظمة التحرير عام 1979، كما قامت بتصفية قيادات من الجهاد الإسلامي، ومنهم نضال المجذوب عام 2005 ومحمود نضال شقيقه، وغيرهم مما يؤكد أن استراتيجية الاغتيال واضحة ومهمة وتعتمد على النمط التكنولوجي والاختراق التقني بوسائل استخباراتية تحتاج إلى جمع مزيد من المعلومات والبيانات عن الهدف الرئيس وإطاره كذلك على التخطيط الجيد.
ومن ثم فإن تنفيذ الأهداف الرئيسة لعمليات الاغتيال تتم وفق منظومة صعبة، ولكن -وبنفس المنطق- تحتاج إلى مراحل مسبقة بالفعل وفي إطار مسلسل زمني محدد يركز على اصطياد الهدف من أعلى عبر مسيرة، ومن خلال طائرة تعمل من أعلى وعلى مساحة 20 ألف قدم وتطلق صواريخ من مسافات 10 كيلومترات في الأقل.
في هذا الإطار، فإن الحكومة الإسرائيلية تتحرك في دائرة محددة، أهمها تحقيق نجاحات رئيسة بالاعتماد على أجهزة المعلومات في المقام الأول، سواء في مستوى العمليات العسكرية، أو من خلال الدور الاستخباراتي حيث من الواضح أن الاستخبارات العسكرية “أمان” تقدم كافة المعلومات والتقييمات للمواجهة في قطاع غزة ولبنان، وتعمل في مساحات كبيرة في العمق السوري، وعلى طول المناطق من العراق إلى لبنان، ومن سوريا إلى الحدود مع الأردن إضافة للضفة الغربية مما يتيح لـ”أمان” بتنفيذ مهام كبرى وتقديم خلاصات المعلومات للعمل والدخول في مناطق التماس بل وتعبيد الأرض لمواجهة ما يجري، خصوصاً أن الجهاز تعافى من الاتهامات التي تم توجيهها إلى قياداته بعد هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والمطالبة بالتحقيق مع قياداته، وفي ظل ما يتردد بأن التحقيقيات ستتم بعد انتهاء الحرب في غزة، وهو أمر ليس له أساس من الصحة، فقيادات أجهزة المعلومات تعاملوا بمسؤولية كبيرة ودافعوا عن أمن الدولة، وتجاوزوا مرحلة الإخفاق، وتحركوا في إطار مراجعة سياسات مجمع “موساد لي” بأكمله وهو الذي يضم كل أجهزة المعلومات، ومن ثم فإن ما يجري يرتبط بالسعي إلى العمل في إطار حسابات كبرى بخاصة أن مسؤولية الدفاع تقع في إطار مسؤولية القيادة الجنوبية، والتشكيلات الفرعية إضافة لقيادة النخبة التي تعمل تحت إمرة قيادة الجيش.
ومن ثم فإن دور أجهزة المعلومات، وعلى رأسها “أمان”، جزء من منظومة كبيرة، وليست المسؤولة الوحيدة، من ثم جاء اعتماد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومجلس الحرب على هذه الأجهزة، بخاصة الـموساد و”أمان” للعمل في مساحة كبيرة من الأهداف، ولهذا فإن استئناف سياسة الاغتيالات ستتسع ليس لأنها غير مكلفة المعنى العام، وإنما قادرة على استعادة قدرة الردع، والمواجهة التي يمكن أن تواجه الخطر المحتمل على إسرائيل، ولهذا ليس من المستغرب أن تتم تصفية آخرين، ووفقاً للموساد فإن الأسماء المستهدفة معظمها من القيادات الميدانية والموجودة في لبنان وسوريا وتركيا، أما الفئة السياسية فليست موضوعة على قائمة الأولويات في الوقت الراهن.
وفي هذا السياق من التطورات السياسية والاستراتيجية التي تتحرك فيها إسرائيل، فإن التعامل مع سياسة الاغتيالات سيكون وارداً ليس فقط على مستوى الخارج، فالأهم للموساد والشاباك في الوقت الراهن الوصول إلى قادة الداخل، ولهذا فإن التركيز على تصفية يحيى السنوار ومروان عيسي ومحمد ضيف ومحمد السنوار و22 قيادة من قيادات “حماس” الموجودة في القطاع سيكون مكسباً كبيراً، وسينهي بالفعل المواجهة الراهنة، وسيسمح لإسرائيل بالانتقال إلى المرحلة التالية من العمليات التي سينوط للجيش الإسرائيلي التعامل معها على الأرض بخاصة أن ارتفاع شعبية رئيس الوزراء الإسرائيل نتنياهو والحكومة تم خلال الفترة الأخيرة بفضل نجاحات أجهزة المعلومات في المقام الأول في ظل تعثر المهام الراهنة، وتباطؤ تحقيق إنجازات على الأرض على رغم وصول إسرائيل إلى جنوب القطاع وتركز العمليات في منطقة خان يونس بعد تطهير مدينة غزة إلى حد ما على رغم وجود جيوب المقاومة على الأرض حتى الآن.
ومن ثم فإن الاستمرار في تحقيق الأهداف الاستخباراتية في عمق القطاع سيتطلب الانتقال إلى مرحلة أخرى أهمها القفز على سقوط عديد من القيادات الوسطى في الجيش الإسرائيلي خلال المواجهات الراهنة، إضافة لكثير من الجنود مما يؤكد أن إسرائيل –ومن خلال أجهزة معلوماتها– تعمل على استرداد مكانتها العسكرية الكبيرة التي تضررت بالفعل.
الخلاصات الأخيرة
ستعمل الحكومة الإسرائيلية وفي إطار المواجهات الراهنة على توظيف أفضل خياراتها في التعامل الاستخباراتي، وهو ما يجري بالفعل من خلال منظومة الاستخباراتية وبكل قدراتها الكبيرة مما يؤكد أن أذرع إسرائيل القوية ممثلة في الـموساد و”أمان” ستكون لها اليد الطولى خلال الفترة المقبلة، بخاصة أن أعضاءها شركاء في المفاوضات الراهنة، وسيكون لها دور حاسم في أي سيناريو سياسي أو استراتيجي، سواء بالاستمرار في المواجهة بنفس مستوى القوة العسكرية والنيران والمواجهة في عمق القطاع، أو تم تخفيف المواجهات الراهنة، والتحول لعمليات نوعية جنباً إلى جنب استئناف سياسة كشف المواقع والعمل على استئناف سياسة التصفيات والاغتيالات.
وليس بخاف أن هناك منافسة حقيقية واضحة وقائمة بين قيادات الجيش في المستوى الأعلى وخصوصاً في رئاسة الأركان وقيادات أجهزة المعلومات بخاصة الـموساد” والـشاباك” وهو ما يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو تفعيله وإذكاءه وليس تخفيفه، أو ضبطه بما يحقق أهداف الحكومة ومسارات تحركها، والمعنى أن ما يجري من مخطط داخل أجهزة المعلومات يشير إلى أن دورها سيزيد خلال الفترة المقبلة بهدف تطوير وبناء استراتيجية العمل والإنجاز واستعادة قدرة الدولة العبرية على مواجهة ما يجري.