حينما تستيقظ الطفلة الفلسطينية ذات السبع سنوات، ليلى السلطان في جوف الليل، تنادي على والدها الذي قتل في غارة جوية أدت أيضاً إلى إصابتها في ساقها خلال حرب غزة التي يُعتقد أنها حرمت آلاف الأطفال من أحد والديهما أو كليهما معاً.
تجلس ليلى هي وشقيقها خالد (أربع سنوات) على أرضية الكوخ الذي يعيشون فيه حالياً وسط مدينة من الخيام يقيم فيها من باتوا بلا مأوى، ويواجهان الحياة من دون أب، فيما تكافح والدتهما من أجل التأقلم وسط أنقاض القطاع المدمر.
تحت سن الـ18
وقال خالد وهو يقفز في حضن ليلى أثناء جلوسهما “انهار البيت علينا وبابا صعد إلى الجنة وفرح كثيراً”.
كانت الأشهر الثلاثة التي انقضت من الحرب قاسية على أطفال غزة. وأشارت تقديرات السلطات المعنية بقطاع الصحة في القطاع الذي تديره حركة “حماس” إلى أن حوالى 40 في المئة من عدد القتلى المؤكد، وهو الرقم الذي تقول إنه بلغ الآن 23357، كانوا تحت سن 18 سنة.
وخسر معظم من بقوا على قيد الحياة، منازلهم. ويعيشون في ملاجئ بالمدارس أو في خيام أو أكواخ أو مكدسين في منازل لا تزال قائمة. وتعيش عائلات بأكملها في غرف فردية. ويعاني الأطفال دوماً من الجوع بسبب شح الطعام في غزة.
آلاف الأيتام
وقال وزير التنمية الاجتماعية الفلسطيني في الضفة الغربية، أحمد مجدلاني، “لا نزال غير قادرين على حصر الأعداد، لكن لدينا تقديرات أولية تشير إلى آلاف الأيتام. الأرقام كبيرة والتحديات جسام”.
وتم ثبيت دعامة معدنية غير مريحة على ساق ليلى المصابة، ولديها ندوب على وجهها وقدمها. ويلعب الأطفال وسط حبال الغسيل المشدودة بين الخيام على الرمال في رفح.
وبسبب حزنهم، تزداد وطأة الصعوبات سوءاً والخوف في ظل صراع يتواصل فيه القصف الإسرائيلي العنيف على المناطق المدنية. ووصفت ليلى أباها وقالت إنها كانت تحبه “بقدر عدد الأسماك والسماوات وكل شيء”، وأشارت إلى أنه كان يصطحبها إلى المتنزه وحديقة الحيوانات. وقالت إن والدها قُتل وكذلك اثنان من أعمامها.
وفي خيمة أخرى في رفح، بكى أحمد الصقر البالغ مع العمر 13 سنة وهو يشعل النار تحت قدر الطبخ وتذكر والده الذي قُتل بسبب غارة على منزلهم. وقال وهو يمسح دموعه “كان يغني لي قبل أن أنام، ويحضنني قبل النوم”. وأضاف أحمد “لا تستطيع أمي تحمل كل هذه الهموم والأعباء، ولا تستطيع حمل أخي المصاب بمفردها”.
مخاوف في شأن المستقبل
وتخيم المخاوف في شأن المستقبل خصوصاً على أطفال غزة الذين فقدوا أحد والديهما، وأجبرتهم الحرب بالفعل على أن يبلغوا مبلغ الرجال، وينبغي عليهم الآن تحمل عبء إضافي من العمل في حياتهم الجديدة الصعبة وسط الأنقاض.
وقالت رغد أبو نادي (14 سنة)، “رحل والدي. كان يساعد والدتي دوماً. اعتاد على مساعدتها في الطهي ومساعدتنا في الدراسة. أما الآن فقد رحل، رحمه الله، ويجب أن أتحمل مزيداً من المسؤولية في هذه السن لمساعدة إخوتي الصغار”.
كانت رغد تسير بين الخيام مع شقيقها الصغير أسامة (تسع سنوات) الذي تراوده أحلام بوالدهما المتوفى. وقال أسامة “كنت أحبه كثيراً”.
ومع ذلك، لا تزال القنابل تنهمر. وقال ناجون إن غارة جوية وقعت، ليل الثلاثاء، في منطقة تل السلطان برفح أسفرت عن مقتل عدة أشخاص بينهم أطفال.
ويقول الجيش الإسرائيلي، إنه يبذل ما في وسعه للحد من الأضرار على المدنيين، ويتهم “حماس” بمحاولة زيادة عدد القتلى من خلال الاحتماء بين عامة الناس، وهو ما تنفيه الحركة. وتقول إسرائيل إن الحرب ستستمر أشهراً أطول.
ويتذكر أحمد جاربو وهو جالس مع والدته بوضوح اللحظة التي فقد فيها والده. وكانت الأسرة قد لجأت إلى منزل عمه في الطابق الرابع من مبنى مكون من خمسة طوابق عندما سقط صاروخ إسرائيلي أدى إلى انهياره.
ويقول أحمد البالغ من العمر 12 سنة، إن ابن عمه قُتل “طار من نافذة الطابق الرابع واصطدم بالأرض. بُترت ساقا أخي. أبي نزل ساجداً على الأرض، على القبلة وقُتل فوراً”.