تظهر صور من الأقمار الصناعية قام فريقي بي بي سي عربي لتقصي الحقائق و BBC Verify بتحليلها تدميرا واسع النطاق للأراضي الزراعية والخضراء في غزة، منذ بدء الحرب بين إسرائيل وحماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول.
ويتهم مزارعون فلسطينيون في غزة الجيش الإسرائيلي بتجريف أراضيهم خلال عمليته البرية داخل القطاع، أو قصفها، أو التسبب في عدم قدرتهم على الوصول إليها، بينما تتزايد المخاوف من أن كثيرا من سكان غزة يواجهون المجاعة.
وفقا لمركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية، فقد تراجعت صحة وكثافة الأراضي الصالحة للزراعة بسبب الحرب المستمرة في غزة.
وبرر الجيش الإسرائيلي قصف وتجريف بعض الأراضي بأنها تستخدم من حماس لإطلاق الصواريخ.
كانت غزة تعتمد بشكل كبير على الواردات، إلا أن الكثير من غذائها كان يأتي من الزراعة وإنتاج الغذاء داخل القطاع.
وبدأت الحرب بعد هجوم شنته حماس على جنوب إسرائيل، والذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 1,200 شخص واحتجاز نحو 240 آخرين.
وأدت الهجمات الإسرائيلية في القطاع إلى قتل أكثر من 25,000 شخص، وفقًا للأرقام التي قدمتها وزارة الصحة في غزة.
علامات الدمار
وتظهر صور الأقمار الصناعية التي حللتها فريقي بي بي سي عربي لتقصي الحقائق و BBC Verify بوضوح كيف تحولت المناطق التي تبدو زراعية في السابق لأراض قاحلة.
كما اختفت بعض الصوب الزراعية التي كانت موجودة في السابق.
وبحسب مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية، فقد تراجعت صحة وكثافة الأراضي الصالحة للزراعة بنسبة 18% في قطاع غزة في 11 ديسمبر/ كانون الأول 2023 مقارنة بمتوسط السنوات الست الماضية.
وبلغت مساحة الأراضي الزراعية المدمرة في القطاع نحو 34 كيلومتر مربع، من إجمالي الأراضي الزراعية الذي تقدر مساحتها ب 185 كيلو متر مربع، وفقا للمركز.
ومن المرجح أن تكون مساحة الأراضي المدمرة قد ارتفعت بعد صدور هذا الإحصاء.
ويقول الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ومقره الضفة الغربية، إنه في عام 2022، بلغ 44% من استهلاك الأسر من السلع الزراعية من الإنتاج المحلي للمنتجات الزراعية، في حين اعتمد الباقي على الاستيراد.
ووفقا للجهاز فإن حوالي 20% الأراضي الزراعية في قطاع غزة دمرت بحلول منتصف ديسمبر/تشرين الأول من العام الماضي.
“لقد اختفت مزرعتي”
في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ذهب سعيد لإلقاء نظرة أخيرة على مزرعته في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، قبل أن يفر إلى الجنوب.
وبعد أيام، أخبره أحد أقاربه أن المزرعة دمرت على يد الجيش الإسرائيلي.
وأرسل سعيد هذه الصور وقال إنها لمزرعته “بعد تجريفها”، لكن لم يتسن لبي بي سي التحقق منها بشكل مستقل.
منذ 15 عامًا، كان سعيد، البالغ من العمر 33 عامًا، يزرع مزرعته التي ورثتها عائلته عن أجداده، وكانت مصدر الدخل الوحيد له ولوالده وأخته.
“كنا نزرع فيها الجوافة والتين والليمون والبرتقال والنعناع والريحان، وكنا نربح من زراعتها حوالي 6000 دولار كل عام. خسرنا كل هذا الآن”. يقول سعيد.
الدمار الذي لحق بأراضي محافظة شمال غزة، حيث تقع مزرعة سعيد، هو الأكبر بين أراضي محافظات القطاع، حيث دمر نحو 39% من أراضي المحافظة وفقا لبيانات مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية.
“ممنوع الدخول”
وأخبر بعض المزارعين بي بي سي عربي أنهم فقدوا محاصيلهم على الرغم من عدم تجريف أراضيهم.
وقال محمد المصدر، وهو مزارع من دير البلح، إنه لم يتمكن من الذهاب إلى مزرعته سوى مرة واحدة منذ بداية الحرب بسبب خطورة الوضع هناك.
وعندما تمكن من الوصول إلى هناك خلال الهدنة في نوفمبر/تشرين الثاني، وجد محصول البرتقال قد سقط وتعفن لأن أحداً لم يقطفه. تزامن موعد جمع ثمار البرتقال مع بداية الحرب. يقول: “لم يكن أحد يجرؤ على الذهاب إلى هناك”.
وقال لبي بي سي إنه فقد أكثر من 90 بالمئة من محصوله من البرتقال. وأوضح أنه “خلال الهدنة جمعنا 10 بالمئة من المحصول. كانت أرباحنا خلال موسم البرتقال تبلغ عادة نحو 15 ألف دولار، خسرنا معظمها هذا الموسم”.
لا يعلم محمد ما إذا كانت مزرعته قد تم تجريفها أم لا، حيث امتدت العملية البرية الإسرائيلية إلى قريته قبل أكثر من أسبوعين.
البنية التحتية لإنتاج الغذاء
تقول وكالات الإغاثة إن سلسلة التوريد للزراعة انهارت بالكامل، كما تعطلت عملية إنتاج الغذاء.
وقال عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في مقابلة مع بي بي سي عربي لتقصى الحقائق “في ظل الظروف الحالية، نزح ما يصل إلى 85 بالمائة من السكان، من سينتج الغذاء؟ من سيعمل في الأسواق، أو خطوط التجارة، أو سلاسل التوريد؟ ”
نتيجة لذلك، يعاني كل سكان قطاع غزة تقريبا من الجوع بحسب حسين.
ويضيف “الجميع تقريبًا في غزة يعانون من أزمة، أو أسوأ مستوى من انعدام الأمن الغذائي والجوع. ومن بين هؤلاء الأشخاص البالغ عددهم 2.2 مليون شخص، يعاني أكثر من نصف مليون شخص من مستويات كارثية من الجوع .وصل الأمر لأسوأ حالاته”.
“إن حجم وشدة وسرعة حدوث ذلك لم يسبق له مثيل في التاريخ الحديث” يتابع حسين.
وفي بيان أرسله الجيش الإسرائيلي باللغة العربية ردا على أسئلة بي بي سي، اتهم حماس بوضع “عناصرها وأصولها العسكرية بشكل ممنهج” في المناطق المأهولة بالسكان المدنيين وفي المناطق الزراعية.
وقال إنه عندما يعثر على فتحات أنفاق أو منصات إطلاق القذائف الصاروخية في مناطق زراعية، فإنه “كجزء من تدمير قدرات حماس العسكرية، تقتضي الحاجة العملياتية تدمير أو مهاجمة هذه الأماكن”.
ويقر الجيش بأنه “قد يلحق ضرر بيئي” بالأراضي الزراعية نتيجة القتال وتبادل إطلاق النار بينه وبين حماس، مؤكدا في الوقت نفسه على التزامه “بأحكام القانون الدولي، وبالقيم المتبعة لدى جيش الدفاع”.
المستقبل
ويشعر خبراء الإغاثة بالقلق من أن الأضرار التي لحقت بالزراعة في غزة ستكون طويلة الأمد.
تعرقل الذخائر غير المنفجرة وصول المزارعين إلى الأراضي الزراعية. وسيتعين على المزارعين تنظيف الأراضي الملوثة. ويتوجب ايضا إعادة بناء البنية التحتية مثل أنظمة المياه والطاقة والنقل.
وقد أظهرت الصراعات السابقة، مثل تلك الموجودة في سوريا وأوكرانيا، أن إعادة تأهيل الأراضي الزراعية قد تكون صعبة للغاية.
وفي مقطع مصور نُشر على الإنترنت في 4 نوفمبر/تشرين الثاني، قال العقيد يوغيف بار شيشت، نائب رئيس الإدارة المدنية، في مقابلة من داخل غزة: “من يعود إلى هنا، إذا عاد إلى هنا بعد ذلك، سيجد أرضًا محروقة. لا منازل، لا زراعة ولا شيء، وليس لديهم مستقبل”.
يسكن سعيد الآن مع عائلته في خيمة في رفح. يقول “نعتمد على المساعدات التي بالكاد تصلنا مرة واحدة كل أسبوعين. أحيانا نضطر لتسول الطعام من الجيران”.
ويعيش سعيد على أمل العودة إلى منزله ومزرعته المدمرة. “إذا عدنا، نصبنا خيمة مكان المنزل”. ويقول إن الأمر لن يكون سهلاً، لكنه مصمم على اقتراض المال لحفر آبار المياه وإعادة زراعة الأشجار، وهو ما يأمل أن يؤتي ثماره خلال 3 أو 4 سنوات. “كنا نزرع ونحصد أرضنا، التي كانت دائماً جيدة ومنتجة.”