بعد اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهو أرفع مسؤول في الحركة قتلته إسرائيل منذ بدء الحرب في قطاع غزة، قالت وسائل إعلام وصحافيون منهم مقربون من “حزب الله” الذي وقعت عملية الاغتيال في عقر داره، إن الهواتف التي كانت في حوزة العاروري أدت إلى الكشف عن مكانه للإسرائيليين ومن ثم مقتله.
ونظراً إلى التفوق والقدرات التكنولوجية والتجسسية التي يتمتع بها الجيش الإسرائيلي، تبدو هذه النظرية صالحة ومنطقية، ولا بد من أن تل أبيب تفعل كل ما باستطاعتها لتعقب وسائل اتصالات قادة “حماس” لتحديد أماكنهم و”تصفيتهم أينما كانوا”، سعياً إلى تنفيذ العهد الذي أطلقته بعد هجوم السابع من أكتوبر الماضي.
لكن مسؤولي الحركة يدركون ذلك جيداً، وهم بدورهم يفعلون كل ما باستطاعتهم لإبقاء اتصالاتهم آمنة ومحصّنة بوجه الخروقات الإسرائيلية، لذلك عمدت “حماس”، ومنذ ما قبل الحرب الراهنة، إلى بناء شبكة اتصالات سرية خاصة بها تتيح لقادتها التواصل من دون أي تسريب للمعلومات، وتقوم بحسب تقرير لصحيفة “الشرق الأوسط” على نظام أرضي خاص وبرامج مشفّرة عبر الإنترنت ومجموعة من الأشخاص المقربين منها الذين يتولون نقل الرسائل المكتوبة بطرق بدائية.
نظام اتصالات سري
ونقلت “الشرق الأوسط” عن مصادر مقربة من قيادة “حماس” أن مسؤولي الحركة وجناحها العسكري “كتائب القسام” كانوا يعتمدون في بداية الحرب الإسرائيلية على الاتصالات الأرضية الخاصة بالحركة التي بناها مهندسوها وطوروها اعتباراً من عام 2009 باستقدام تكنولوجيا مهربة من الخارج.
وقالت المصادر إن “كتائب القسام” ركّبت مقاسم تحت الأرض متصلة بهواتف أرضية قديمة جداً في نقاط معينة فوق الأرض، وكانت تخضع لمراقبة مستمرة لمنع اختراقها. ولكل قيادي في الحركة “نقطة اتصال خاصة به، برقم معين محدد، يجري التواصل عبره في الحالات الطارئة”.
وكانت إسرائيل على علم بهذا النظام وحاولت اختراقه واستهدافه مرات عدة، ونجحت في مايو 2018 بتفجير مقسم اتصالات بعد تفخيخه غرب الزوايدة وسط قطاع غزة، بحسب ما روت المصادر.
وأضافت الصحيفة نقلاً عن المصادر أن قادة “حماس” واصلوا استخدام نظام الاتصالات هذا في بداية الحرب الراهنة وأجروا عبره اتصالاتهم الحثيثة التي أسفرت عن هدنة الأيام السبعة، على رغم استهداف إسرائيل لبعض نقاطه وتدميرها أنفاقاً تضم مقاسم اتصال رئيسة.
الرسائل المكتوبة
وأكدت المصادر لـ”الشرق الأوسط” أن لا قرار تتخذه قيادات “حماس” في الخارج من دون موافقة قادة الحركة في القطاع، لا سيما رئيسها يحيى السنوار، مضيفة للصحيفة أن “مفاوضات الهدنة التي أُفرج بموجبها عن عشرات الأسرى الفلسطينيين والإسرائيليين، كانت تجري من خلال التواصل الداخلي بين بعض قادة حماس والقسام عبر الاتصالات الأرضية، ثم كان يجري تكليف شخص ما بنقل ما يجري التوافق عليه إلى قيادة الحركة في الخارج من خلال طرق عدة، منها الإنترنت المرتبط بشرائح إلكترونية وباستخدام برامج مشفرة اشترتها الحركة من الخارج”.
وتابعت أنه “في بعض المرات، كان يجري الاتصال بأشخاص لا علاقة لهم بالحركة، لكنهم قريبون منها وموجودون في عواصم عدة، وينقلون بدورهم تلك الرسائل إلى القيادة في الدوحة وبيروت”.
وأضاف التقرير أن “حماس” استخدمت نظام الاتصال الأرضي للتواصل والتنسيق مع حركة “الجهاد الإسلامي” أيضاً.
لكن بعد انتهاء الهدنة واستئناف إسرائيل لعملياتها العسكرية الكثيفة والواسعة النطاق في غزة، فقدت “حماس” كثيراً من أنفاقها المخصصة لمقاسم الاتصالات وكثيراً من نقاط الاتصال فوق الأرض.
إثر ذلك، أكدت المصادر لـ”الشرق الأوسط” أن قيادتي “حماس” و”القسام” لجأت إلى الأساليب البدائية في التواصل لإدارة الاتصالات والمفاوضات، وأصبحت تعتمد على بعض عناصرها أو المقربين منها غير المعروفين للعلن من أجل نقل رسائل مكتوبة باليد من شخص إلى آخر، لتصل أخيراً لأشخاص لهم أيضاً تواصل بطرق مختلفة مع قيادة الحركة في الخارج.