تقاذفت روسيا وأوكرانيا الاتهامات، خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي، أمس الخميس، بعد تحطم طائرة عسكرية روسية قرب الحدود الأوكرانية في اليوم السابق.
جريمة مدبرة؟
وقال نائب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي الذي طلبت بلاده عقد الاجتماع الطارئ، إن “كل المعلومات الموجودة في حوزتنا تظهر أننا نتعامل مع جريمة مدبرة ومدروسة”، وأكد بوليانسكي أن السلطات الأوكرانية “تعرف جيداً الطريق (الجوي) لنقل الجنود إلى منطقة التبادل”.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها تبادل من هذا النوع، لكن “هذه المرة، ولسبب غير قابل للتفسير، قرر نظام كييف تخريب الإجراء بأكثر الطرق وحشية”، بحسب بوليانسكي الذي اتهم الأوكرانيين بأنهم “مستعدون للتضحية بمواطنيهم من أجل المصالح الجيوسياسية الغربية”. وقال “فقط بفضل بطولة الطيارين الذين حرفوا المسار عن المناطق السكنية في اللحظة الأخيرة، لم يتضرر أحد على الأرض”.
عمل متعمد؟
وردت نائبة السفيرة الأوكرانية كريستينا هايوفيشين “أوكرانيا لم تبلغ بعدد المركبات والطرق ووسائل نقل الأسرى. وهذا وحده يمكن أن يمثل عملاً متعمداً من جانب روسيا لتعريض حياة السجناء وسلامتهم للخطر”، وشددت على أن السجناء الروس “نقلوا إلى المكان المتفق عليه وكانوا ينتظرون تبادلهم بأمان. وكان مفترضاً أن يوفر الروس المستوى نفسه من الأمن للجنود الأوكرانيين الأسرى”، وتابعت “إذا تأكدت التقارير التي تفيد بوجود أسرى حرب أوكرانيين على متن الطائرة، فسيكون ذلك انتهاكاً صارخاً آخر للقانون الإنساني الدولي من جانب روسيا، مع أول حالة استخدام لدروع بشرية في الجو، لتغطية نقل الصواريخ”.
الهجوم الروسي
من جانبهم، أصر حلفاء أوكرانيا على أنه لولا الهجوم الروسي على أوكرانيا، لما حدث شيء من هذا القبيل.
وقال نائب السفير الأميركي روبرت وود “تحاول روسيا بشكل متكرر إلقاء اللوم في هذه الحرب، وكأنها الضحية وليست المعتدي”.
من جانبه قال السفير الفرنسي نيكولا دي ريفيير “بدلاً من عقد اجتماعات، ينبغي (لروسيا) أن تتحرك، وتسحب قواتها من الأراضي الأوكرانية”، مشدداً على “أهمية إلقاء الضوء على كل هذه الأحداث”.
اتفاق
على صعيد آخر، حض البيت الأبيض أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي الخميس على التوصل إلى اتفاق يربط بين تقديم مساعدات حيوية لأوكرانيا وأمن الحدود مع المكسيك، في أعقاب تقارير أفادت بأن الرئيس السابق دونالد ترمب الذي يسعى إلى إعادة انتخابه رئيساً يحاول نسف الاتفاق.
وذكرت وسائل إعلام أميركية أن ترمب يحض الجمهوريين على معارضة الاتفاق لحرمان الرئيس الديمقراطي جو بايدن من تحقيق فوز سياسي قبل الانتخابات الرئاسية.
وقبل أيام بدا أن هناك اتفاقاً وشيكاً بين الجمهوريين والديمقراطيين في مجلس الشيوخ يقضي بربط إقرار المساعدة العسكرية لكييف بتمويل مكافحة الهجرة على الحدود المكسيكية.
واستنفدت الأموال المخصصة للمساعدات الأميركية لأوكرانيا بسبب عدم التوصل إلى اتفاق في الكونغرس، مما ترك الحليف الرئيس للولايات المتحدة يعاني نقص الذخيرة وهو يواجه الحرب الروسية.
وقالت نائبة المتحدثة باسم البيت الأبيض أوليفيا دالتون إن إدارة بايدن تعمل “بحسن نية” مع الجمهوريين للتوصل إلى اتفاق، وقد اجتمع الرئيس بهم الأسبوع الماضي.
وأضافت للصحافيين على متن طائرة الرئاسة “سنواصل العمل ونأمل في أن يظل الجمهوريون على طاولة المفاوضات حتى نتمكن من القيام بذلك”.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي إن روسيا “تراقب من كثب” لمعرفة ما إذا كانت واشنطن ستواصل تقديم الدعم لأوكرانيا.
وأضاف “أوكرانيا أمام أشهر قليلة حرجة وهي في أوج فصل الشتاء واقتراب الربيع، ولم يظهر الروس أي نية للتراجع عن الهجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ”.
وأفادت وسائل إعلام أميركية بأن زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل قال لأعضاء في المجلس خلال اجتماع مغلق الأربعاء إنه لا ينبغي لهم “إضعاف” ترمب. وأضافت أن المناقشات استمرت الخميس.
وجعل ترمب من الهجرة عنصراً رئيساً في حملته للعودة للبيت الأبيض، وعارض منذ فترة طويلة تقديم مزيد من المساعدات لأوكرانيا.
وخضع ترمب للمحاكمة في الكونغرس أثناء وجوده بمنصبه بعد اتهامه بسعيه إلى المقايضة بين تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا مقابل الحصول منها على معلومات في شأن الصفقات التجارية لنجل بايدن هناك.
هجوم بمسيرات أوكرانية
ميدانياً، ذكر مصدر أوكراني الخميس أن طائرات مسيرة أوكرانية استهدفت مصفاة نفط مملوكة لشركة روسنفت بجنوب روسيا في أحدث هجوم من هذا النوع على البنية التحتية للطاقة.
وتسبب الهجوم في نشوب حريق أثناء الليل بالوحدة الموجهة للتصدير في بلدة توابسه، وأفاد مسؤولون روس محليون بإخماد الحريق في ساعة مبكرة من الخميس.
وقال رئيس منطقة توابسه سيرغي بويكو عبر تطبيق “تيليغرام”، “الحريق شب في وحدة التفريغ بالمصفاة. بحسب المعلومات الأولية ليس هناك خسائر في الأرواح ولا إصابات”.
ولم تصدر تعليقات من شركة روسنفت، أكبر منتج للنفط في روسيا.
وأكد المصدر أن جهاز الأمن الأوكراني استهدف المصفاة بطائرات مسيرة وسيواصل مهاجمة المنشآت التي تزود الجيش الروسي بالوقود في حربه على أوكرانيا المستمرة منذ عامين تقريباً.
وأضاف المصدر لـ”رويترز” أن “جهاز الأمن الأوكراني يوجه ضربات في عمق روسيا الاتحادية ويواصل هجماته على منشآت ليست مهمة للاقتصاد الروسي فحسب، بل تزود أيضاً قوات العدو بالوقود”.
وعرضت قنوات غير رسمية على تطبيق “تيليغرام” صوراً للحريق، وقالت إن طائرات مسيرة هي السبب في اندلاعه.
وهذا الاستهداف هو الرابع في الأقل خلال أسبوع ضمن سلسلة هجمات طاولت مواقع رئيسة بقطاع البنية التحتية للطاقة في روسيا، بعد استهداف محطة لتصدير الوقود في بحر البلطيق ومجمع لإنتاج الوقود في ميناء أوست لوجا.
وتبلغ الطاقة السنوية للمصفاة 12 مليون طن (240 ألف برميل يومياً). وتورد الوقود بصورة رئيسة إلى تركيا والصين وماليزيا وسنغافورة.
ومن المرجح أن يعزز الهجوم المخاوف في شأن إمدادات الطاقة العالمية.
وارتفعت أسعار النفط الخميس بعد هجوم جديد شنته ميليشيات الحوثي على سفن قبالة سواحل اليمن.
تساؤلات طائرة الأسرى
ولا تزال تطرح كثير من التساؤلات غداة تحطم طائرة عسكرية روسية قرب الحدود الأوكرانية تقل 65 أسير حرب أوكرانياً بحسب موسكو التي اتهمت كييف بإسقاطها عمداً من دون تقديم أدلة على ذلك.
الأربعاء، تحطمت طائرة نقل من طراز “إيل-76” قرب قرية يابلونوفو الروسية على بعد 45 كيلومتراً من الحدود مع أوكرانيا في منطقة بيلغورود، مما أدى إلى مقتل كل ركابها الـ74 بحسب السلطات الروسية.
وقالت السلطات الروسية إن الطائرة كانت تقل 65 أسيراً أوكرانياً كان سيتم تبادلهم، إلى جانب طاقم مكون من ستة أشخاص وثلاثة جنود روس.
وفتحت روسيا تحقيقاً بشبهة “الإرهاب” وقالت هيئة التحقيق الروسية التي تحقق في الجرائم الكبرى في بيان “يجرى تحقيق جنائي في إطار عمل إرهابي إثر حادثة الطائرة إيل-76 في منطقة بيلغورود”.
تفتيش أممي
من جهته دعا دميترو لوبينيتس مفوض حقوق الإنسان الأوكراني، أحد الأشخاص المسؤولين عن تبادل الأسرى، الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى الذهاب و”تفتيش مكان” الحادثة. لكنه عبر عن “قناعته” بأن موسكو “لن تسمح لأي شخص برؤية الموقع”.
ورفضت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إطلاق أي “تكهنات” مؤكدة أنها “لا تعرف ما حدث”.
ولم تؤكد كييف إسقاط الطائرة لكنها شددت على رغبتها في مواصلة ضرب أهداف عسكرية على الأراضي الروسية.
ردود الفعل الدولية
وتتعرض منطقة بيلغورود حيث وقعت الحادثة، لهجمات أوكرانية بشكل منتظم رداً على الهجمات الروسية الكثيرة.
وأعلنت كييف مسؤوليتها عن تدمير طائرات روسية كانت تبدو حتى فترة قريبة خارج مدى الأسلحة الأوكرانية. والأسبوع الماضي، أعلنت انها أسقطت طائرتين روسيتين، وهو ما لم تؤكده موسكو أو تنفيه.
وارتبط اسم روسيا بكثير من الكوارث الجوية التي لا تزال ملابساتها غير واضحة إذ أثارت الرواية الروسية للأحداث كثيراً من الأسئلة.
الحالة المعروفة على نطاق واسع هي رحلة الخطوط الجوية الماليزية MH17 التي أسقطت فوق أوكرانيا عام 2014. وإذا كانت جميع العناصر تشير إلى مسؤولية مقاتلين يعملون لحساب موسكو، طرحت روسيا روايات عدة لاتهام أوكرانيا بهذه المأساة التي خلفت 298 قتيلاً.
والحالة الأحدث تتعلق بالطائرة التي كانت تقل رئيس مجموعة “فاغنر” يفغيني بريغوجين وتحطمت في أغسطس (آب) 2023 خلال رحلة بين موسكو وسانت بطرسبورغ.
قتل بريغوجين في الحادثة مع أبرز مساعديه بعد أسابيع على تمرد فاشل أثار غضب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
نفت السلطات الروسية أي ضلوع لها معتبرة أن الطائرة قد تكون تحطمت لأن ركابها فجروا قنبلة يدوية على متنها.