لم يكن نعي حركة فتح لنائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” صالح العاروري، وإعلانها الإضراب العام دلالة على “الدور الوحدوي” الذي لعبه الأخير، وانتهاجه سياسية “عابرة” للفصائل الفلسطينية، مع التزامه العمل المسلح ضد إسرائيل لـ”استعادة الحقوق الوطنية الفلسطينية”.
ومع أن اغتيال إسرائيل للعاروري شكل “ضربة موجعة” لحركة “حماس”، وجاء جزءاً من حرب إسرائيل على قطاع غزة رداً على هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن مراقبين يشيرون إلى أن الحركة ستملأ الفراغ الذي تركه العاروري، حتى وإن احتاج ذلك إلى الوقت.
تاريخ العاروري
ويتحدر محمد صالح الخضيب، المعروف بـ”صالح العاروري” من قرية عارورة شمال رام الله، وأشرف على تأسيس “كتائب القسام” الجناج العسكري لحركة “حماس” في الضفة الغربية بعد انطلاقة الحركة في أواخر ثمانينيات القرن الماضي.
وبعد نحو 17 من الاعتقالات في السجون الإسرائيلية، أبعدته إسرائيل إلى الخارج في عام 2010 وذلك قبل أشهر على إبرام صفقة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، لتبادل الأسرى، حيث أشرف على التوصل إلى اتفاق نهائي في شأنها.
ومن ضمن الذين خرجوا من السجن في تلك الصفقة، القيادي في “حماس” يحيى السنوار الذي أصبح قائدها في قطاع غزة، ويلاحقه الجيش الإسرائيلي حالياً في أنفاق قطاع غزة باعتباره المسؤول الأول عن هجوم السابع من أكتوبر.
وفي حين تولى السنوار قيادة “حماس” في قطاع غزة، فإن العاروري أشرف على قيادة الحركة عسكرياً وتنظيمياً في الضفة الغربية.
وفي حين أن السنوار تمكن من استكمال القوة العسكرية لحركة “حماس” الذي أهلها لشن هجوم السابع من أكتوبر وما تبديه من مقاومة شرسة في الحرب الحالية، إلا أن ضربات إسرائيل المتتالية ضد خلايا الحركة في الضفة الغربية منعت العاروري من بناء قوة حقيقية تهدد إسرائيل.
شريك في إنهاء الانقسام
ووصف جبريل الرجوب القيادي في حركة “فتح”، العاروري بأنه “كان شريكاً في تطوير آليات لإنهاء الإنقسام”، إذ توصل معه إلى اتفاق في عام 2021 لإجراء انتخابات عامة بهدف إنهاء 16 سنة من الانقسام بين حركتي “فتح” و”حماس”. لكن الرئيس الفلسطيني محمود عباس ألغى إجراء الانتخابات في اللحظة الأخيرة بسبب منع إسرائيل إجراءها في القدس، في خطوة رفضتها فصائل فلسطينية عدة من بينها “حماس” وحتى الرجوب نفسه.
وشدد الرجوب على أن العاروري كان “وطنياً فلسطينياً وبعيداً عن الأجندات الخارجية”، مشيراً إلى أنه “تبنى الصدام المسلح مع إسرائيل بهدف إقامة دولة فلسطينية مستقلة وتعددية”.
وأوضح الرجوب أن العاروري “حفر مكانة بارزة في وعي كل الفلسطينيين باعتباره رمزاً للمقاومة، والرغبة في إنهاء الانقسام” بين الحركتين.
واعتبر الرجوب هجوم السابع من أكتوبر “جزءاً من حرب الفلسطينيين الدفاعية، وزلزالاً يُبنى عليه”، وطالب بالاستفادة منه “لتطوير مقاربة سياسية ونضالية تقود لاستعادة الحقوق الفلسطينية، ومحطة على طريق انضمام الجميع لمنظمة التحرير الفلسطينية”.
ومع أن موقف الرجوب من حركة “حماس” ومن هجومها على إسرائيل، يختلف عن موقف القيادة المؤثرة في حركة “فتح”، لكن سياسيين فلسطينيين اعتبروا أن اغتيال العاروري “قد يفتح الباب أمام تحقيق الوحدة الفلسطينية”.
واعتبر المحلل السياسي عريب الرنتاوي أن “بيانات الغضب ومسيرات الاحتجاج والإضرابات العامة مهمة جداً”، مضيفاً أن “الأهم منها على الإطلاق هو التصدي لأولويات الشعب والمقاومة والقضية وغزة”.
وأوضح الرنتاوي أن الرد على اغتيال العاروري يبدأ “بمبادرة الرئيس عباس فوراً إلى دعوة حركتي حماس والجهاد إلى تشكيل إطار قيادي انتقالي موحد لمنظمة التحرير الفلسطينية”. وأضاف أن ذلك يأتي “توطئة لإعاد بناء المرجعية الوطنية العليا للشعب لفلسطيني، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية تتولى مهماتها في الضفة الغربية وغزة”.
“اغتيال متوقع”
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت أحمد جميل عزم أن اغتيال العاروري “كان متوقعاً قبل السابع من أكتوبر، بسبب دوره القيادي في حركة حماس، وإشرافه على نشاط كتائب القسام في الضفة الغربية بعد أن أسسها في ثمانينيات القرن الماضي”.
واعتبر عزم أن العاروري شكل “علامة فارقة في جهد “حماس” في الضفة الغربية عبر دعمه العمل المسلح للجماعات المسلحة بغض النظر عن مشاربها الفكرية”. وبحسب عزم فإن “حركة حماس لم تتمكن من تشكيل بنية عسكرية لها قادرة على الفعل الهجومي في الضفة الغربية بعكس قطاع غزة”.
وعن أسباب اغتيال إسرائيل للعاروري، أشار عزم إلى أنها “دأبت على التخلص من القيادات الفكرية والسياسية الفلسطينية التي تخظى بالتأثير والجماهيرية”، مضيفاً أنها استهدفت العاروري “لتعويض خسارتها في السابع من أكتوبر”.
ووفق عزم فإن رد فعل حركة “فتح” على اغتيال العاروري “طبيعي ويتفق مع نهجها، وذلك لأنه رمز قيادي فلسطيني، وله دور عابر للفصائل في دعم المجموعات المسلحة في الضفة الغربية”.
وتابع عزم أن العاروري كان “العنوان الأول في التنسيق مع حركة فتح خلال السنوات الأخيرة لمحاولة الوصول إلى وحدة وطنية”.
ويرى مدير مجموعة “ريماركس” لتحليل العنف السياسي مراد بطل الشيشاني أن العاروري “شكل همزة وصل في العلاقة بين حركة حماس وحزب الله وإيران”، مشيراً إلى أن تلك العلاقة توطدت خلال السنوات الماضية.
واعتبر الشيشاني أن غياب العاروري يشكل “ضربة موجعة لحماس، وسيؤثر ولو لفترة من الزمن على قدرات حركة حماس التي تحاول بناءها في الضفة الغربية”. لكن الشيشاني رأى أن ذلك الاغتيال “قد يلعب لصالح حماس في زيادة قدرتها على تجنيد الشبان الفلسطينيين”.
ومع أن الشيشاني أشار إلى أن “حماس” حركة “إسلامية وطنية مقاتلة بأجندة فلسطينية” لكنه، أوضح أن “الحركة حليف طبيعي لإيران في ظل غياب دعم الآخرين”.
ووفق الشيشاني، فإن ذلك التحالف “لا يصل إلى درجة أن تكون حماس أداة إيرانية على الرغم من سيطرة الجناح المؤيد لطهران على كتائب القسام”.
ويرى مدير مركز “تقدم للسياسات” في لندن محمد مشارقة أن تل أبيب أرادت باغتيال شخصية بحجم العاروري “استعادة قوة الردع التي تآكلت بسبب هجوم السابع من أكتوبر”.
ويرى مشارقة أن اختيار إسرائيل العاروري للاغتيال “لم يكن عبثياً، وذلك لأنه شخصية جمعت بين القوة التنظيمية والتأثير البالغ، والجنوح نحو الوحدة الوطنية التي تتعارض مع المصلحة الإسراتيجية لتل أبيب”.
وأوضح مشارقة أن اغتيال العاروري في معقل “حزب الله” في الضاحية الجنوبية لبيروت “قد يجر إيران إلى حرب إقليمية”، إلا أنه استبعد ذلك في الوقت الحالي.