لبنان في مأزق من خمس طبقات
لبنان في مأزق من خمس طبقات: فتح الحدود في الجنوب على القتال مع إسرائيل لمساعدة “حماس” في حرب غزة، وإغلاق الباب على أية مبادرة دولية وعربية لانتخاب رئيس جمهورية يعيد الانتظام العام لعمل المؤسسات، وربط أي اتفاق أو فرصة لترسيم الحدود البرية واستعادة الباقي من الأرض المحتلة بمرحلة ما بعد حرب غزة، والانكشاف الكامل لتهميش السلطة الرسمية التي صار دورها يقتصر على نقل “الرسائل” الأميركية والأوروبية والعربية إلى “حزب الله”. وكل ذلك، مع “وحدة الساحات في محور المقاومة”، ضمن استراتيجية العمل للمشروع الإقليمي الإيراني. والمعادلة المعلنة من الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله هي: لا شيء قبل وقف النار في حرب غزة. والمعادلة الإسرائيلية المقابلة هي: لا وقف نار في غزة قبل تحقيق الأهداف المعلنة، ولا مجال لتحقيق الأهداف حتى في باب الخطاب السياسي والعسكري الإسرائيلي الافتراضي قبل سنة في الأقل.
زيارة كبار المسئوليين للبنان
والسؤال في هذه الحال، هو: ما الذي يفعله زوار بيروت من وزيرات ووزراء خارجية في فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي ومسؤولين أمنيين وكبير مستشاري الرئاسة الأميركية لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين؟ والجواب العام هو السعي إلى تجنيب لبنان والمنطقة والمصالح الإقليمية والدولية خطر توسيع الحرب في غزة التى تضع لبنان في مأزق من خمس طبقات. والباقي نوعان: تكرار دعوات المسؤولين إلى انتخاب رئيس وتطبيق القرار 1701، وتجريب تفاوض افتراضي، وربما ترتيب “بروفة” اتفاق مع وقف التنفيذ إلى ما بعد حرب غزة، لا فقط لأن “حزب الله” هو صاحب القرار والمفاوض الفعلي، بل أيضاً لأن أي اتفاق على أمور خارجية يحتاج إلى رئيس جمهورية بموجب المادة 52 من الدستور.
ذلك أن هوكشتاين الذي نجح في ترتيب اتفاق لترسيم الحدود البحرية يعرف أن الظروف مختلفة بالنسبة إلى ترسيم الحدود البرية مع تفضيل المسؤولين استخدام تعبير “إظهار الحدود” بدل الترسيم، فضلاً عن أن القرار 1701 لم يكن مطبقاً بكامل مندرجاته قبل “طوفان الأقصى” وفتح الجبهة الجنوبية. حتى المرحلة الأولى من التنفيذ لم تكن كاملة، فالتنفيذ الكامل يقيد حركة إسرائيل في الخروق ويحد من قدرة “المقاومة الإسلامية” على الاستعداد للمواجهة، ومجلس الأمن ولبنان الرسمي عاجزان عن التنفيذ. والكل يعرف ما اصطدمت به ولا تزال المطالبة اللبنانية بانسحاب إسرائيل من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. فما تطلبه الأمم المتحدة لدفع تل أبيب إلى الانسحاب، بحسب القرار 425، هو تقديم خرائط ضمن اتفاق لبناني – سوري يؤكد أنها أراضٍ لبنانية، وهذا لم يحصل. وما في العمق هو الحاجة إلى ورقة الاحتلال من أجل التسوية في الجولان واستمرار المقاومة في لبنان.
فاروق الشرع النائب السابق لرئيس النظام السوري ووزير الخارجية يقول في كتابه “الرواية المفقودة”، “أبلغت تيري رود لارسن (مبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط) بأن مزارع شبعا لبنانية”، لكن الوسيط الأميركي فريدريك هوف يروي في كتابه “بلوغ المرتفعات” أن الرئيس بشار الأسد قال له، “الجميع سيفاجأون بالسرعة التي يلتزمها السيد حسن نصرالله بالقواعد بمجرد إعلان سوريا وإسرائيل التوصل إلى اتفاق سلام. نصرالله عربي لا فارسي”. ويقول هوف، “سألت الأسد إن كانت رؤيته في شأن خروج نصرالله من عالم المقاومة ستتطلب من سوريا إعادة مزارع شبعا إلى لبنان بمجرد جلاء إسرائيل عن الجولان، فأكد الأسد أن الخرائط توضح أن مزارع شبعا هي أراضٍ سورية، وربما يكون إجراء تعديلات مستقبلية مع لبنان أمراً ممكناً”.
والعقدة لا تزال بلا حل، ولكن في ظروف أصعب، السلطة اللبنانية صارت بالغة الضعف، “حزب الله” في قمة قوته، المشروع الإقليمي الإيراني في بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء يتمدد، وباب الصفقات مع أميركا مفتوح. وسوريا موزعة بين خمسة جيوش، ولا أحد يعرف، لا فقط متى تنتهي حرب غزة، بل أيضاً كيف وبماذا تنتهي.
يقدم لك موقع سامرى الاخبارى كل ما هو جديد من اخبار الشرق الاوسط والتصريحات الحصرية يوميا.