الحرب الحالية الدائرة بين “حزب الله” وإسرائيل ليست تقليدية كما الحروب السابقة، فهي تحولت إلى حرب “جواسيس” تعتمد بشكل كبير على الاتصالات واستخدام الذكاء الاصطناعي وأسلحة جديدة فائقة التطور، فيما يلجأ الحزب إلى محاولات لفهم التقنيات لاتخاذ إجراءات لتفادي انكشاف عناصره وحماية قادته من التعقب الإسرائيلي لاغتيالهم.
ففي الحرب الحالية يمكن الحسم أن عنصر قوة إسرائيل يرتكز على التفوق التكنولوجي الذي يعطيها تفوقاً عسكرياً في الميدان، في حين تبرز “الأنفاق” كأحد أبرز عوامل قوة الميليشيات الموالية لإيران سواء في غزة أو جنوب لبنان، إذ يعد الجيش الإسرائيلي أحد أكثر الجيوش تطوراً في العالم، ويقول في تقرير عام 2022 إنه أسس “قاعدة مهمة من التكنولوجيا الرائدة” في مجال صناعة الأسلحة.
ووفق خبراء أن الترابط بين الأمن وعلم التكنولوجيا يتيح تنفيذ عمليات عالية السرعة والدقة من خلال الاتصالات السريعة والذكاء الاصطناعي، ما يجعل المدة الفاصلة بين إمكانية رصد معلومة أو هدف ما والشروع بتنفيذ المهمة قد لا تتجاوز أجزاء من الثانية.
البصمة الصوتية
ويكشف مصدر أمني لبناني عن عدة حوادث أكدت وجود اختراقات لشبكة الاتصالات اللبنانية، أبرزها كان في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 حين نفذت إسرائيل عملية على خلية من قوة “الرضوان” مؤلفة من خمسة أشخاص كانت مجتمعة في أحد المنازل بالجنوب، حيث اتصل أشخاص من رقم لبناني بأصحاب المنزل الذي قصف بعد دقائق من الإجابة على الاتصال، موضحاً أن الهدف كان التأكد من وجود المستهدفين داخل المنزل، مشيراً إلى أن الأمر نفسه تكرر مع أكثر من استهداف طاول مجموعات وأفراداً من “حزب الله”.
وكشف أن المتصلين يتحدثون مع “الهدف” باللغة العربية واللهجة اللبنانية مستخدمين أرقام محلية منها أرقام لشخصيات ومسؤولين في الحزب.
ولفت إلى أن هذه الخروقات دفعت بالأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله إلى كتابة رسالة بخط اليد يشرح فيها خطورة استخدام الهواتف الذكية، مطالباً عناصر الحزب عدم استخدامها حتى في أوقات الراحة، إضافة إلى بيانات أخرى للحزب وبعض البلديات الجنوبية تطالب السكان بفصل كاميرات المراقبة عن شبكة الإنترنت وكذلك عدم نشر الفيديوهات والصور على مواقع التواصل الاجتماعي لتجنب إمكانية التعقب والمراقبة الإسرائيلية.
ويوضح إلى أن التقديرات الأمنية حول بعض الاغتيالات الدقيقة التي قامت بها إسرائيل في لبنان، تشير إلى استخدام بصمة الصوت التي يمكن أن تكشف الشخص حتى لو كان هاتفه مغلقاً أو حتى من دون شريحة.
شبكات الاتصال
وفي السياق يشير المتخصص في التحول الرقمي وأمن المعلومات رولان أبي نجم، إلى أن إسرائيل هي دولة “رائدة” من ناحية قدراتها التكنولوجية، وأنها تمتلك أهم الشركات المتطورة في عالم التقنيات الحديثة، وأهم الشركات العالمية خصوصاً الأميركية منها هي غطاء لشركات إسرائيلية، وبالتالي هذا أكبر دليل على مدى تطور نظام الدفاع الإسرائيلي واعتماده على الذكاء الاصطناعي.
ولفت إلى أن الذكاء الاصطناعي يرتكز بشكل مباشر على موضوع “الداتا” (البيانات) المتخذة من عدة مصادر ومراكز وأجهزة، أبرزها “داتا” الاتصالات وبصمات الصوت والعين، كذلك الاعتماد على تنوع المصادر والمراكز يساعد في الحصول على معلومات جديدة ودقيقة تمكن إسرائيل من الوصول إلى أهدافها بدقة.
وكشف بأن “هناك أموراً تقليدية في مراقبة خطوط الاتصالات في الجنوب اللبناني حتى لو أن الأشخاص المعنيين في الموضوع لا يملكون هواتف خلوية، لكن الأشخاص القريبين منهم يحملون هواتف مخترقة”، مشيراً إلى أن “حزب الله” لديه شبكة اتصالات داخلية منفصلة عن شبكة الدولة اللبنانية، متوقعاً أن تكون إسرائيل تمكنت من اختراقها، لافتاً إلى أن تلك الشبكة تربط المراكز العسكرية والقيادات الحزبية بعضها بالبعض الآخر، الأمر الذي يجعل الحزب مكشوفاً أمام الاستخبارات الإسرائيلية، وأضاف “يتوقع أيضاً أن تكون إسرائيل استطاعت اختراق كاميرات المراقبة في الجنوب الذي بطبيعة الحال سيسهل عليها الوصول إلى أهدافها بدقة”.
الحروب الحديثة
من ناحيته يعتبر المتخصص في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي فريد خليل، أن التكنولوجيا دخلت بشكل واسع النطاق على خط الحرب في غزة وجنوب لبنان، ولا سيما في الاغتيالات التي تحصل في جنوب لبنان أو لناحية الأهداف والضربات الجوية، كذلك في طرق الدفاع لدى الجانبين، وبرأيه فإنه من الواضح أن الأسلوب المعتمد في الاغتيالات سواء في لبنان أو سوريا لا يعتمد فقط على مُخبرين، إنما على تقنيات تكنولوجية متقدمة جداً.
وأوضح أنه في هذا النوع من الحروب، ربما تستخدم تقنية الـ Nano Technology التي تحلق في الجو بحثاً عن بيانات معينة، إضافة إلى عمليات التنصت التي ترتبط بها، ومن بعدها يتم تحليل جميع البيانات التي جمعتها لتنفذ بعدها عملية الاغتيال أو الاستهداف الأمني عن بعد أو عبر مسيرة تقترب من المكان.
ويكشف أن التكنولوجيا تلعب الدور الأساس في الحروب الحديثة، وهذا يسهل الوصول إلى الأهداف بنجاح، وأن المعلومات الاستخباراتية التي تُجمع من قبل الأطراف المتحاربة إضافة إلى البيانات التي يتم رصدها تساعد في تحديد موقع الأشخاص داخل بقعة جغرافية معينة.
الذكاء الاصطناعي
ويشير المتخصص بتكنولوجيا الاتصال والمعلومات علي زين الدين، إلى أن إسرائيل كثفت عمليات الرصد الإلكتروني عبر الذكاء الاصطناعي من 50 هدفاً سنوياً إلى أكثر من 100 هدف يومياً، كاشفاً أن الجيش الإسرائيلي وحدة استخبارات عسكرية تستخدم تقنية (Gospel AI)، تمكنت من رصد 12 ألف هدف تضم مواقع عسكرية ومنازل لنشطاء، حيث أنشأت تلك التقنية قائمة بالأهداف والأفراد المسموح استهدافهم.
ولفت إلى أن هذه التقنية تستطيع إنتاج كميات هائلة من البيانات، تترجم مباشرة إلى أهداف بشكلٍ أكثر فعالية من أي إنسان أو جندي يحاول الرصد لوضع قائمة الأهداف، كاشفاً بأن تلك البيانات تأتي من خلال المعلومات التي تجمعها الطائرات المسيرة، والاتصالات المعترضة، والمعلومات المستمدة من مراقبة تحركات وأنماط سلوك الأفراد والمجموعات الكبيرة والهواتف الذكية، أضف إلى التصوير والنشر على مواقع التواصل، إضافة إلى الوصول إلى الهواتف عبر اختراقها وتجميع المعلومات.
وشدد على أن إسرائيل سبق أن أصدرت تطبيق “بيغاسوس”، الذي يعتبر من أهم وسائل التجسس الإلكتروني، حيث يستطيع جمع البيانات حتى ولو كان الجهاز المستهدف غير متصل بالإنترنت، وأن نقطة قوة البرنامج تتلخص بالجمع الهائل للمعلومات، وقدرته على اختراق “الواي فاي” عبر الجهاز الخليوي، إضافة للاتصالات الصوتية، والبريد الإلكتروني، وحتى قائمة الأسماء والأرقام الموجودة على الهاتف المُخترق.
مراجعة شاملة
وبينما يرفض “حزب الله” الإعلان عن الأسباب التي تمكن إسرائيل من الوصول إلى قادة كبار واستهدافهم، إلا أن المعلومات تؤكد وجود تحقيقات داخلية حول إمكانية وجود “عملاء” يسربون معلومات دقيقة، كذلك بدأ الحزب إجراء مراجعة شاملة لكل التطورات التي حصلت أمنياً وعسكرياً وسياسياً، ومن ضمنها أيضاً تقصي واقع البيئة الحاضنة ومدى إمكانية تزايد وتيرة التململ وتحولها إلى نقمة وكيفية احتوائها.
وفي السياق يوضح المحلل العسكري والاستراتيجي العميد إلياس حنا، وجود عدة عوامل تؤدي لتمكن إسرائيل من تحديد مواقع وعناصر من الحزب لاغتيالهم، وأبرزها تحركهم في منطقة محدودة جداً جنوب البلاد حيث تجري العمليات العسكرية، كما أنه بعد قتالهم بشكل علني في سوريا فقد باتوا معروفين إلى حد كبير.
وبرأيه فإن التكنولوجيا الحديثة والمراقبة الدورية وعمليات التنصت، كما التعاون الاستخباراتي، إضافةً لشبكة عملاء، تساعد إسرائيل في عمليات الاغتيال.