في وقت تصدرت التقارير المروعة وفظائع الحرب المندلعة، منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي، بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” جلسة مجلس الأمن الدولي، أمس الإثنين، حيث وجهت المحكمة الجنائية الدولية الاتهام لطرفي الصراع بارتكاب جرائم حرب، يتواصل التصعيد وتستمر المعارك والمواجهات والقصف الجوي في محاور قتالية عدة داخل وخارج العاصمة السودانية الخرطوم في موازاة ارتفاع عداد الضحايا.
هجوم جديد
ودارت معارك طاحنة بين الطرفين في المحيط الشرقي لسلاح المدرعات جنوب الخرطوم. وأكد الجيش أنه تصدى، خلالها، لهجوم جديد من قوات “الدعم السريع” وإرغام قواتها المهاجمة على التراجع، بعد تكبيدها خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات. وامتدت المواجهات على شريط الأحياء المتاخمة لمنطقة المدرعات العسكرية في أحياء الكلاكلات والشجرة. وبحسب شهود، شهدت أنحاء عدة من شرق النيل بالخرطوم بحري انفجارات متتالية جراء الغارات الجوية العنيفة التي شنتها مقاتلات الجيش مستهدفة منصات “الدعم السريع” المدفعية في حي النصر ومنطقة عد بابكر.
قصف وانفجارات
وفي منطقة جنوب الحزام، دوت أيضاً أصوات الانفجارات في مناطق تجمعات “الدعم السريع”، واستهدفت الطائرات المسيرة عربات قتالية لهذه القوات في كل من جنوب الخرطوم وشمال الحاج يوسف.
واحتجاجاً على استمرار الاعتداءات على الكوادر الطبية، أعلنت غرفة طوارئ جنوب الحزام وإدارة مستشفى “بشائر” ومنظمة “أطباء بلا حدود”، إغلاق جميع أقسام المستشفى، عدا قسم أمراض الكلى، والإضراب عن العمل حتى إشعار آخر. وأوضحت الغرفة أن مجموعة من “الدعم السريع” دخلت حرم المستشفى حيث أطلقت النار في الهواء مما أدى إلى ترويع المرضى والطاقم الطبي.
معارك أم درمان
وأكدت مصادر ميدانية أن المعارك والمواجهات البرية والقصف المدفعي بين الطرفين ما زالت مستمرة في أنحاء عدة داخل مدينة أم درمان، وأوضحت أن القوات الخاصة تمكنت من تحرير عمارتي برج الضرائب وبنك فيصل داخل سوق المدينة، وبسط سيطرتها على شارع الـ40 حتى جامعة “الأحفاد” وأجزاء من حي العرضة المجاور. وأفاد شهود بأن قوات الدعم السريع قصفت، بشكل عشوائي، منطقة حي العباسية والأحياء المجاورة لها بالمدفعية وأصابت منازل خالية من السكان.
ضحايا مدنيين
وقصفت مسيرات الجيش ومدفعيته، من قاعدة وادي سيدنا العسكرية شمال أم درمان، تجمعات “الدعم السريع” في مناطق متفرقة وسط المدينة القديمة. وفي منطقة أم بدة غرب أم درمان، لقي 10 أشخاص من عائلة واحدة حتفهم باستهداف قذيفة مدفعية منزلهم. وأغار الطيران الحربي على منطقة المسيد في ولاية الجزيرة، كما قصف أهدافاً بمدينة الضعين شرق دارفور.
بابنوسة بلا سكان
وفي وقت لا يزال التوتر يسود مدينة بابنوسة، غرب كردفان، حيث شهدت معارك ضارية، الأسبوع الماضي، تتواتر الأنباء عن تجهيزات وتحشيد من قبل جانبي الصراع استعداداً لجولة جديدة من القتال بين “الدعم السريع” والفرق 22 التابعة للجيش داخل المدينة التي نزح عنها معظم السكان. وبثت قوات “الدعم السريع” مقاطع فيديو على موقعها بمنصة “إكس” من داخل مبنى محلية بابنوسة على بعد أمتار من مقر الفرقة العسكرية للجيش، تؤكد فيها حصارها الفرقة من كل الاتجاهات.
ورجح تقرير أن يكون جميع سكان مدينة بابنوسة المقدر عددهم بنحو 50 ألف نسمة قد نزحوا جميعهم عنها. وأكدت المفوضة الإنسانية، بغرب كردفان، سعيها الحثيث لتوفير المواد الإيوائية والغذائية الملحة للنازحين، وكشفت المفوضية عن تحديات كبيرة تجابه أنشطتها، لا سيما صعوبة ومخاطر نقل المعونات من بورتسودان وارتفاع كلفة النقل وإحجام المجتمع الدولي عن تقديم المساعدات الإنسانية للنازحين وربطه بفتح المسارات الآمنة وانحسار نشاط المنظمات العاملة بالولاية بعد الدمار الذي لحق بمقارها.
الجنائية تتهم
وسط هذه الأجواء، أكد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، أمام جلسة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في إحاطته عن الوضع في دارفور أمام المجلس “أن هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بارتكاب الجيش السوداني وقوات الدعم السريع والجماعات المتحالفة معها جرائم وفق نظام روما الأساسي”. وحذَّر خان من أن الوضع في السودان في طريقه إلى الانهيار الكامل، مشيراً إلى أنه لا بد من سبيل لكسر دوامة العنف هناك. وطالب طرفي الصراع بالامتثال للقانون الدولي معتبراً أن من غير المقبول “تبديد القانون أو تمويهه”، ومشدداً على ضرورة تعاون الأطراف المعنية مع المحكمة بتقديم المعلومات المطلوبة للتحقيقات بخاصة المرتبطة بالنزاع الحالي.
وكان مدعي المحكمة الجنائية قد زار، قبل يومين، معسكري فرشنا وأدري للاجئين السودانيين في شرق تشاد، واستمع إلى إفادات من بعض الشهود في إطار التحقيق الذي تجريه المحكمة.
إجماع دولي
في السياق، رأى أستاذ العلاقات الدولية عبدالمنعم معروف أن مداولات مجلس الأمن حول تقرير المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أكدت، بوضوح، أن هناك إجماعاً دولياً على وجوب إنهاء الحرب، وأن قناعة المجتمع الدولي تتجه نحو ضرورة إنهائها بأسرع وقت ممكن بعد أن وضعت البلاد على حافة الانهيار الشامل. وتابع “لقد حطمت حرب السودان الأرقام القياسية العالمية في مستويات النزوح والأوضاع الإنسانية، وباتت جديرة بالتوصيف الدولي بأنها حرب سقطت فيها كل أخلاق وقوانين الحرب، وبلغ التدهور الأمني والإنساني مدى لا يطاق”.
خسارة ورسالة
ولفت معروف إلى أن التقارير الأممية حول الفظائع والانتهاكات الصادمة والأرقام المرعبة لأعداد القتلى واللاجئين والنازحين والجوعى، هي ما دفعت المحكمة الجنائية الدولية لاتهام طرفي القتال بارتكاب جرائم حرب، مما يعني خسارة دبلوماسية وسياسية وأخلاقية لكليهما، فضلاً عن أن الاتهام سيفاقم العزلة الإقليمية والدولية لحكومة قائد الجيش عبدالفتاح البرهان على وجه خصوص، واعتبر، من جهة ثانية، وضع الخارجية الأميركية القيادي الإسلامي أحمد هارون تحت برنامج المكافآت للمطلوبين بجرائم حرب، بأنه يمثل رسالة، لا تنفصل عن اتهامات الجنائية، موجهة للتيار الإسلامي عموماً بالكف عن تأجيج الحرب وإطالة أمدها.
جولات جديدة
سياسياً، جدد رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” عبدالله حمدوك دعوته للقاء مباشر بين البرهان وقائد قوات “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو، بأسرع ما يمكن، للتشاور حول إيقاف الحرب وإنقاذ البلاد تنفيذاً لوعدهما بمخرجات قمة “إيغاد” الطارئة الأخيرة التي عقدت في العاصمة الأوغندية كمبالا.
وكانت وزارة الخارجية السودانية قد أعلنت أن السودان ليس معنياً بمخرجات “إيغاد”، في 18 يناير (كانون الثاني) الحالي، التي حددت فترة أسبوعين لعقد لقاء الجنرالين تنتهي، الجمعة المقبل، كما أعلنت بعدها تجميد عضويته في هذه المنظمة.
على الصعيد نفسه، أعلنت قوى الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية) المناوئة لـ”تقدم”، عن جولة دولية وإقليمية لطرح رؤيتها لحل الأزمة ووقف الحرب، تبدأ من مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان، مطلع فبراير (شباط) المقبل، استجابة لدعوة الرئيس سلفاكير ميارديت، وبحثت الكتلة، في اجتماعها بالعاصمة المصرية القاهرة، برئاسة جعفر الميرغني، توسيع تحالفاتها واتصالاتها خلال الفترة المقبلة.
مكافآت الحرب
في الأثناء، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية إدراج وزير الداخلية السوداني السابق أحمد محمد هارون، الشهير بأحمد هارون، تحت برنامج المكافآت للمطلوبين بجرائم حرب، الذي يمنح مكافأة تصل إلى خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تقود إلى اعتقال الأشخاص المدرجين ضمن هذا البرنامج.
مطلوب دولي
ويعتبر مناهضو الحرب أن القيادي الإسلامي هارون، ضمن آخرين من القيادات الإسلامية، متهمون أيضاً بالوقوف وراء حرب السودان الراهنة من خلال دورهم في إشعالها وتأجيج القتال وتعبئة وتحشيد الشباب للانخراط في القتال مع الجيش.
وأوضح المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر أن هارون مطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية في دارفور خلال الفترة من 2003 إلى 2004. وأضاف ميلر أن هارون وقتذاك، كان متهماً بتجنيد وتعبئة وتمويل وتسليح ميليشيات “الجنجويد”، السابقة لقوات “الدعم السريع”. ولفت إلى أن السلام الدائم في السودان يتطلب تحقيق العدالة للضحايا ومحاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان، في الماضي والحاضر، مشيراً إلى أن ثمة علاقة واضحة ومباشرة بين الإفلات من العقاب وأعمال العنف في دارفور اليوم. ورحب ميلر بإعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية التحقيق في أعمال العنف المستمرة، وحث جميع الدول على التعاون مع المحكمة في تحقيقاتها بدارفور، مشيراً إلى أهمية العثور على هارون ومثوله أمام المحكمة الجنائية الدولية.