نفذت القوات الإسرائيلية غارات جوية تسببت في سقوط قتلى في قطاع غزة اليوم الجمعة بعد ساعات من وصف الرئيس الأميركي جو بايدن الرد العسكري الإسرائيلي على هجوم “حماس” في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بأنه “مفرط وجاوز الحد”.
وواصلت إسرائيل هجماتها بينما سعى دبلوماسيون إلى إنقاذ محادثات وقف إطلاق النار بعد رفض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اقتراحاً طرحته “حماس” يتضمن أيضاً إطلاق سراح المحتجزين لديها.
وتأمل الولايات المتحدة في التوصل إلى اتفاق لوقف للقتال قبل أن تنفذ إسرائيل هجوماً برياً محتملاً على مدينة رفح جنوب غزة التي نزح إليها أكثر من نصف سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة بالقرب من الحدود مع مصر.
وقال مسؤولون في قطاع الصحة الفلسطيني إن 15 شخصاً في الأقل قتلوا في أحدث غارات جوية من بينهم ثمانية في رفح الملاذ الأخير للعديد من سكان غزة في ظل زحف الهجوم الإسرائيلي جنوباً في القطاع الساحلي الضيق.
أطفال قتلى
وقال سالم الريس وهو صحافي فلسطيني مستقل يعيش في مخيم للنازحين إن أطفالاً كانوا من بين القتلى عندما سقط صاروخ إسرائيلي على منزل في منطقة قريبة.
وكتب على موقع “فيسبوك”، “كانوا في منزلهم نياماً مع ساعات الفجر الأولى لليوم الجمعة، سقط الصاروخ من طائرة حربية إسرائيلية حتى إنه مر من فوق رؤوسنا داخل خيمتنا التي نعمل من داخلها، انفجار هز الأرض من أسفل أقدامنا، وصوته تفجر في آذاننا”.
وأضاف “طاروا من الطابق الثالث متساقطة أجسادهم أسفل البناية، على السيارات في الزقاق الضيق، وفي محيط المنازل المجاورة، وبعضهم تساقط عليه الركام”.
ولم تعلق إسرائيل على الفور على أحدث الغارات الجوية. وتقول إنها تتخذ إجراءات لتجنب سقوط ضحايا من المدنيين وتتهم مسلحي “حماس” بالاندساس بين المدنيين، بما في ذلك في مدارس مستخدمة كملاجئ ومستشفيات، وهو ما يؤدي إلى مقتل المزيد من المدنيين. ونفت حركة “حماس” هذه الاتهامات.
تحذير أميركي
وحذرت واشنطن أمس الخميس من أن أي عملية إسرائيلية في رفح دون إيلاء الاعتبار الواجب لمحنة المدنيين ستكون “كارثة” وقالت إنها لن تؤيدها.
وعلى رغم أن الولايات المتحدة هي الحليف الأهم لإسرائيل، فقد حثتها على تقليص حربها الشاملة إلى عملية تركز أكثر على استهداف قيادات “حماس”.
وفي واحدة من أشد انتقاداته حدة حتى الآن لحكومة نتنياهو، قال بايدن للصحافيين في البيت الأبيض أمس “أرى، كما تعلمون، أن طريقة الرد في قطاع غزة جاوزت الحد”.
وذكر بايدن أيضاً أنه يضغط من أجل التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل وزيادة المساعدات الإنسانية للمدنيين الفلسطينيين ووقف موقت للقتال من أجل السماح بالإفراج عن المحتجزين لدى “حماس”.
وقال بايدن “أضغط بشدة حالياً من أجل وقف لإطلاق نار يتعلق بالرهائن… هناك الكثير من الأبرياء الذين يتضورون جوعاً، والكثير من الأبرياء الذين يعيشون في كرب ويموتون، ويجب أن يتوقف ذلك”.
وأشارت وزارة الصحة في غزة اليوم الجمعة إلى أنه تأكد مقتل ما لا يقل عن 27947 فلسطينياً في الصراع، منهم 107 خلال الساعات الـ24 الماضية، إلى جانب إصابة 67459 آخرين. وتقول إن كثيرين آخرين ربما ما زالوا مدفونين تحت الأنقاض التي خلفها الهجوم الإسرائيلي.
اجتماع عربي في الرياض
من ناحية أخرى، اجتمع وزراء خارجية الإمارات والسعودية ومصر وقطر والأردن ومسؤول كبير من منظمة “التحرير” الفلسطينية اجتمعوا في الرياض للتباحث في شأن غزة.
ونقلت وكالة أنباء الإمارات أمس عن وزير الخارجية الإماراتي دعوته إلى تكثيف الجهود لمنع اتساع نطاق الصراع في المنطقة خلال اجتماع الرياض.
خوف وقلق
يخشى مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين نزحوا إلى رفح في أقصى جنوب قطاع غزة وقوع “مجازر” بحال نفذت إسرائيل تهديداتها بشن عملية عسكرية في المدينة في إطار حربها مع حماس، مع انعدام الخيارات المتبقية أمامهم.
وأعلن بنيامين نتنياهو أول من أمس الأربعاء أنه أمر الجيش بـ”التحضير” لهجوم على رفح، والتي باتت تستضيف أكثر من مليون شخص في ظل الدمار الواسع والمعارك في شمال القطاع ووسطه.
وقال عادل الحج الذي نزح إلى رفح من مخيم الشاطئ في شمال القطاع “منذ أن هدد نتنياهو ونحن قلقون من أي اجتياح… ستكون هناك مجازر”.
وأضاف الرجل الأربعيني، “هناك أعداد كبيرة من النازحين والوضع صعب لا يوجد طعام ولا مياه الآن”، سائلا “ماذا لو حدث اجتياح لرفح، أين سنذهب؟ لا يوجد أصلاً مكان في رفح للنازحين… أنا أعيش في خيمة”.
وتكتظ المناطق الغربية لرفح بالنازحين الذين نصبوا الخيام وهياكل من أنابيب معدنية أو عصي وأغصان. ونصبت بعض الخيام على أعمدة صغيرة من الخشب غطيت بالنايلون أو القماش.
وآثر العديد من النازحين البقاء في غرب المدينة القريب من البحر، خشية تعرضها لاجتياح من الجهة الشرقية القريبة من الحدود مع إسرائيل.
ويوضح موظف في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) طلب عدم كشف اسمه “لاحظنا في الأيام الأخيرة أن النازحين يفضلون النزوح من المناطق الشرقية الجنوبية في رفح باتجاه المناطق الغربية… يعتقدون أن أي اجتياح سيبدأ من شرق رفح”.
ومن هؤلاء أم أحمد البرعي (59 سنة) وهي نازحة من مخيم الشاطئ تقيم مع بناتها الأربع وثلاثة من أحفادها في هيكل من النايلون قرب مستشفى قطر الذي لم يكتمل بناؤه في غرب رفح.
وتقول “كنت مع بناتي في بلدة الزرايدة ثم نزحنا إلى خان يونس ثم جئنا لمنطقة خربة العدس (في شمال شرق) رفح، وأمس جئنا إلى المستشفى القطري عند أختي وعائلتها لأن نتنياهو هدد بعملية في رفح”.
وتضيف “لا يوجد مكان آمن في كل قطاع غزة، وإذا هجموا على رفح سترتكب مجازر كبيرة وإبادة… لا أعرف إذا كنا سنستطيع الهرب إلى مصر أم ستصل إلينا المجازر”.
وتدرجت العمليات العسكرية الإسرائيلية بداية من شمال القطاع ومدينة غزة، وصولاً إلى المناطق الوسطى خصوصاً مخيمات اللاجئين، وبعدها خان يونس كبرى مدن الجنوب والتي تشهد منذ أسابيع قصفا مكثفا ومعارك ضارية.
جولة القاهرة
وبدأت في القاهرة أمس الخميس جولة جديدة من المفاوضات برعاية مصرية- قطرية من أجل “تهدئة” الأوضاع في قطاع غزة، بحسب ما قال مسؤول مصري لوكالة الصحافة الفرنسية.
وأكد مسؤول مقرب من “حماس” أن الحركة ما زالت ترغب في مناقشة وقف إطلاق النار بعد رفض إسرائيل مقترحاتها الأولية.
وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أكد أول من أمس الأربعاء وجود “مكان لاتفاق” بين الطرفين، داعياً الأخيرة لحماية المدنيين في حال شنها أي هجوم جديد في رفح.
غوتيريش يتعهد باتخاذ إجراءات فورية
وتعهد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أمس الخميس بالتحرك على الفور بناء على أي معلومات إضافية تقدمها إسرائيل تتعلق بأي “اختراق” من قبل حركة “حماس” للمنظمة الدولية بعد فصل تسعة من موظفي الأمم المتحدة في قطاع غزة الشهر الماضي.
واتهمت إسرائيل الشهر الماضي 12 موظفاً في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بالمشاركة في هجوم السابع من أكتوبر. وتوفي واحد من بين الموظفين الثلاثة المتبقين، فيما تستوضح الأمم المتحدة هوية الاثنين الآخرين.
ودشنت الأمم المتحدة تحقيقاً داخلياً في الوقت الذي أوقفت فيه الولايات المتحدة، أكبر مانح لـ”أونروا”، ودول أخرى تمويلها في أعقاب هذه المزاعم.
وقال غوتيريش للصحافيين “الشيء الوحيد الذي يمكنكم التأكد منه تماماً هو أن أي طلب تقدمه لنا حكومة إسرائيل في ما يتعلق بأي اختراق آخر لـ(حماس) في الأمم المتحدة، على أي مستوى، سنتحرك على الفور بناء على ذلك”.
ويزعم ملف استخباراتي إسرائيلي مؤلف من ست صفحات أن نحو 190 موظفاً في “أونروا” من بينهم معلمون أصبحوا مقاتلين في “حماس” أو “الجهاد الإسلامي”.
لكن لم يتلق غوتيريش ولا فيليب لازاريني، المفوض العام لـ”أونروا”، أي معلومات إضافية من إسرائيل منذ الاتهامات الأولية ضد الموظفين الـ12. ولم يتضح ما إذا كانت إسرائيل قدمت معلومات إلى لجنة التحقيق الداخلية التابعة للأمم المتحدة.
“تشويه أونروا”
ودافع غوتيريش عن قرار إقالة الموظفين قبل استكمال التحقيق، مستشهداً بمعلومات موثوقة من إسرائيل. وأضاف “لم يكن بوسعنا المخاطرة بعدم التصرف على الفور لأن الاتهامات كانت مرتبطة بأنشطة إجرامية”.
ويتهم الفلسطينيون إسرائيل بتزوير معلومات لتشويه “أونروا”. وتوظف “أونروا” 13 ألف شخص في غزة، حيث تدير مدارس وعيادات رعاية صحية أولية وخدمات اجتماعية أخرى وتوزع مساعدات إنسانية.
ووصف غوتيريش الشهر الماضي “أونروا” بأنها “العمود الفقري لكل الاستجابة الإنسانية في غزة” وناشد جميع الدول “ضمان استمرارية عمل أونروا المنقذ للحياة”.
الجبهة الشمالية
أعلن الجيش الإسرائيلي أن نحو 30 صاروخاً أطلقت ليل الخميس/ الجمعة من لبنان باتجاه شمال الدولة العبرية بعيد ساعات على إصابة قيادي عسكري في “حزب الله” بجروح خطرة في ضربة جوية إسرائيلية استهدفت سيارته.
وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي لوكالة الصحافة الفرنسية رداً على سؤال إنه “بوسعنا أن نؤكد أن نحو 30 صاروخاً أطلقت من لبنان باتجاه منطقتي عين زيتيم ودالتون في شمال إسرائيل”. وأضاف أن هذا القصف “لم يسفر عن أي إصابات بشرية” بحسب المعلومات الأولية. وأتى هذا القصف بعيد تأكيد الجيش الإسرائيلي أنه شن الخميس ضربة جوية في جنوب لبنان استهدفت “قيادياً” في “حزب الله”.
وبحسب الجيش الإسرائيلي فإن هذا القيادي العسكري ضالع في الهجمات الصاروخية التي يشنها الحزب باتجاه الأراضي الإسرائيلية.
وجاء التأكيد الإسرائيلي بعد ساعات على إعلان مصدر أمني في بيروت وقوع “ضربة إسرائيلية استهدفت سيارة مسؤول عسكري في منطقة الجنوب في (حزب الله)، مما أدى الى إصابته بجروح خطرة، كما أصيب شخص آخر كان برفقته” في مدينة النبطية البعيدة نسبياً من الحدود مع إسرائيل، التي بقيت حتى الآن في منأى من التصعيد بين الدولة العبرية والحزب منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة.