قتل ثلاثة مقاتلين موالين لإيران في الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت فجر الجمعة محيط العاصمة السورية دمشق للمرة الثانية هذا الأسبوع، بحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.
ونقلت وسائل الإعلام الرسمية عن مصدر عسكري أنه “فجر اليوم (الجمعة) شن العدو الإسرائيلي عدواناً جوياً من اتجاه الجولان السوري المحتل مستهدفاً عدداً من النقاط جنوب دمشق”.
من جهته أفاد المصدر السوري لحقوق الإنسان عن مقتل “ثلاثة من الميليشيات الموالية لإيران، هم إيراني وعراقي وثالث مجهول الهوية” في الغارة التي استهدفت “مزرعة تابعة لميليشيات حزب الله اللبناني” في جنوب دمشق.
وأوضح المرصد السوري أن الموقع المستهدف يقع “على طريق عقربا – السيدة زينب”.
كذلك “طالت الغارات الإسرائيلية موقعاً كان قد أخلي في وقت سابق في محيط بلدة الغزلانية على طريق مطار دمشق الدولي”، بحسب ما أضاف المرصد.
بحسب وكالة الصحافة الفرنسية، فإن مصدراً عسكرياً إسرائيلياً أشار إلى أن قوات الدفاع الجوي السورية “أسقطت بعض الصواريخ”، مضيفاً أن الغارات تسببت في “أضرار مادية”.
وقتل الإثنين الماضي، ثمانية أشخاص في غارة إسرائيلية على قاعدة لـ”حزب الله” والحرس الثوري الإيراني في القطاع ذاته، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
وتعد منطقة السيدة زينب منطقة نفوذ لمجموعات موالية لطهران. ولـ”حزب الله” والحرس الثوري الإيراني مقار فيها، وفق المرصد.
تحركات للحرس الثوري
وقبل ذلك، كانت أنباء عن انفجار في محيط دمشق قد ترددت خلال الليل. فيما لم يصدر تعليق حتى الآن من الجيش الإسرائيلي.
لكن موقعاً إخبارياً إيرانياً (شبه رسمي)، أشار إلى مقتل مستشار من الحرس الثوري في ضربة إسرائيلية استهدفت دمشق.
قبل ساعات، قالت خمسة مصادر مطلعة إن الحرس الثوري الإيراني قلص نشر كبار ضباطه في سوريا بسبب سلسلة من الضربات الإسرائيلية المميتة، وسيعتمد أكثر على فصائل شيعية متحالفة مع طهران للحفاظ على نفوذه هناك.
ويتعرض الحرس الثوري لواحدة من أكثر الفترات صعوبة في سوريا منذ تدخله قبل عقد من الزمن لمساعدة الرئيس بشار الأسد في الحرب الأهلية. فمنذ ديسمبر الماضي قتلت الضربات الإسرائيلية أكثر من ستة من أعضائه بينهم أحد كبار قادة الاستخبارات في الحرس الثوري.
وذكرت ثلاثة مصادر أنه بينما يطالب غلاة المحافظين في طهران بالثأر، فإن قرار إيران سحب كبار الضباط مدفوع جزئياً بحرصها على ألا تنجر إلى صراع يحتدم في أنحاء الشرق الأوسط.
وبينما قالت المصادر إن إيران ليست لديها نية للانسحاب من سوريا، وهي جزء أساس من دائرة نفوذ طهران، فإن إعادة التفكير تسلط الضوء على كيف تتكشف العواقب الإقليمية للحرب التي أشعلها هجوم حركة “حماس” على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي.
وسعت إيران، الداعمة لـ”حماس”، إلى النأي عن الصراع حتى في وقت تدعم فيه جماعات دخلت على خط المعركة من لبنان واليمن والعراق وسوريا، في إطار ما يسمى “محور المقاومة” المناهض لإسرائيل والمصالح الأميركية في المنطقة.
وقال أحد المصادر، وهو مسؤول أمني إقليمي كبير مطلع على شؤون طهران، إن قادة إيرانيين كباراً غادروا سوريا مع عشرات الضباط من الرتب المتوسطة، واصفاً ذلك بأنه تقليص لحجم الانتشار هناك. ولم يذكر المصدر عدد الإيرانيين الذين غادروا ولم يتسن لـ”رويترز” تحديد ذلك بصورة مستقلة.
تصعيد إسرائيلي
وأرسلت إيران آلاف المقاتلين إلى سوريا خلال الحرب الأهلية. وبينما كان بين هؤلاء أعضاء من الحرس الثوري، يعملون رسمياً كمستشارين، كان الجزء الأكبر منهم من أعضاء فصائل شيعية مسلحة من مختلف أنحاء المنطقة.
وقالت ثلاثة من المصادر إن الحرس الثوري سيدير العمليات السورية من بعد بمساعدة حليفته جماعة “حزب الله”. ولم ترد الجماعة اللبنانية على طلب للتعليق.
وأشار مصدر آخر، وهو مسؤول إقليمي مقرب من إيران، إلى أن من بقوا في سوريا غادروا مكاتبهم وتواروا عن الأنظار. وأضاف “الإيرانيون لن يتخلوا عن سوريا لكنهم قللوا وجودهم وتحركاتهم إلى أقصى حد”.
وذكرت المصادر أن التغييرات لم يكن لها تأثير في العمليات حتى الآن. وقال أحد المصادر، وهو إيراني، إن تقليص العدد “سيساعد طهران على تجنب الانجرار إلى الحرب بين إسرائيل وغزة”.
ومنذ اندلاع حرب غزة، صعدت إسرائيل حملة الضربات الجوية المستمرة منذ سنوات بهدف تحجيم الوجود الإيراني في سوريا ومهاجمة كل من الحرس الثوري و”حزب الله”، الذي يتبادل بدوره إطلاق النار مع إسرائيل عبر الحدود اللبنانية – الإسرائيلية منذ الثامن من أكتوبر الماضي.
ونادراً ما تعلق إسرائيل على هجماتها في سوريا ولم تعلن مسؤوليتها عن أحدث الضربات هناك. وقال الجيش الإسرائيلي، رداً على أسئلة لـ”رويترز”، إنه لا يعلق على تقارير وسائل إعلام أجنبية.
يشار إلى أن وسائل إعلام رسمية إيرانية تحدثت عن أن خمسة من أفراد الحرس الثوري، بينهم جنرال كان يدير استخبارات فيلق القدس، قتلوا في هجوم وقع في الـ20 من يناير (كانون الثاني) الماضي وسوى بالأرض مبنى في دمشق. و”فيلق القدس” هو الجهة المسؤولة عن عمليات الحرس الثوري في الخارج.
وفي هجوم آخر في الـ25 من ديسمبر الماضي خارج دمشق، قتل مستشار كبير بالحرس الثوري مسؤول عن التنسيق بين سوريا وإيران. وأم الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي المصلين في صلاة جنازته.
وقالت ثلاثة من المصادر إن الحرس الثوري أثار مخاوف مع السلطات السورية من أن تسريب معلومات من داخل قوات الأمن السورية لعب دوراً في الضربات المميتة الأخيرة.
وذكر مصدر آخر مطلع على العمليات الإيرانية في سوريا أن الضربات الإسرائيلية الدقيقة دفعت الحرس الثوري إلى نقل مواقع العمليات ومساكن الضباط وسط مخاوف من “اختراق استخباراتي”.
وجاءت القوات الإيرانية إلى سوريا بدعوة من الأسد، وساعدته في هزيمة مقاتلي المعارضة الذين سيطروا على مساحات كبيرة من البلاد في الصراع الذي بدأ عام 2011.
وبعد سنوات من استعادة الأسد وحلفائه معظم سوريا، لا تزال الجماعات المدعومة من إيران تعمل في مناطق واسعة.
وعزز وجود هذه الجماعات منطقة نفوذ إيرانية تمتد عبر العراق وسوريا ولبنان إلى البحر المتوسط، مما ساعد في تحقيق توازن مع خصوم طهران الإقليميين بما في ذلك إسرائيل.
وقالت ثلاثة من المصادر إن الحرس الثوري يجند مرة أخرى مقاتلين شيعة من أفغانستان وباكستان للانتشار في سوريا، في تكرار لمراحل سابقة من الحرب عندما لعب مسلحون شيعة دوراً في تحويل مجرى الصراع. وقال المسؤول الإقليمي المقرب من إيران إن الحرس الثوري يعتمد أكثر على فصائل شيعية سورية.
ودعمت روسيا أيضاً الأسد ونشرت قواتها الجوية في سوريا عام 2015، وأي إضعاف لدور إيران هناك يمكن أن يكون في صالحها.