تاكر كارلسون، حديث أميركا والعالم اليوم، المذيع الذي أطاحته شبكات التلفزيون التقليدية فتمرّد عليها عبر تطبيق “إكس” حيث تجتذب مقابلاته النارية ملايين المشاهدين، ويشاركه شخصيات عالمية جدلية يتيح لهم الحديث بمنأى عن قيود القنوات.
سافر كارلسون هذه المرة إلى موسكو للقاء فلاديمير بوتين، فتفجّرت وسائل التواصل الاجتماعي بنبأ المقابلة قبل نشرها، وبرر المذيع الأميركي خطوته في مقطع فيديو حقق أكثر من 100 مليون مشاهدة بأنها انتصار لحرية التعبير في معركته مع وسائل الإعلام الغربية، ولمهنة الصحافة التي تضطلع بإيصال الحقيقة للجماهير.
لكن النيران التي صفعت خد كارلسون في سبيل إجراء المقابلة الأولى لبوتين مع صحافي غربي منذ حوالي سنتين لم تشفع له عند الرئيس الروسي الذي ظهر مستأثراً بالحديث وساخراً من أسلوب المذيع الأميركي وعما إذا كان هدفه إجراء محادثة جدية أو حوار ترفيهي.
وزعم كارلسون الذي غادر “فوكس نيوز” في أبريل (نيسان) الماضي بأنه الصحافي الغربي الوحيد الذي سعى لإجراء مقابلة مع بوتين منذ اشتعال الحرب الأوكرانية، وهو ما دحضه متحدث الكرملين ديمتري بيسكوف بتأكيده تلقي طلبات كثيرة لإجراء مقابلات مع الرئيس. واستغل خصوم كارلسون من الديمقراطيين ذلك التصريح للدلالة بأن الرئيس الروسي فضّل الخروج مع المذيع الأميركي المحافظ ليقدم طرحه للعالم بأريحية.
“محاضرة” بوتين
حاضر بوتين محاوره حول تاريخي روسيا وأوكرانيا لحوالى 30 دقيقة من دون أي مقاطعة، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في الإعلام الغربي الذي امتعض من سكوت كارلسون وعدم تحدّيه لطرح الرئيس الروسي الذي أنكر سيادة أوكرانيا، وجدد اتهام الناتو بالتوسع شرقاً نحو ما تعتبره موسكو منطقة نفوذ لها.
واعتبر نقاد بأن السماح للضيف بإبداء جميع آرائه من دون مقاطعة أسلوب مفيد للكشف عما لا يمكن أن يبوح به لو كان أمام محاور شرس، إلا أن كارلسون أفرط في ذلك، ولم يتحدّ تصريحات الرئيس الروسي وفق منتقديه، إذ شارك الأخير آراءه التقليدية حول الحرب مع أوكرانيا، وبدا واثقاً من أنها ستنتهي عاجلاً أم آجلاً باتفاق سلمي ينهي آمال الناتو بهزيمة روسيا.
تعليقات ساخرة
بوتين الواثق حصل أيضاً على علامة ممتاز في السخرية من كارلسون خلال مقابلته الأخيرة الموجهة للجمهورين الأميركي والغربي، فلدى تعليقه على “ثورة الكرامة” عام 2014 التي أطاحت النظام الموالي لروسيا، حمّل الرئيس الروسي وكالة الاستخبارات الأميركية المسؤولية عن الاحتجاجات وقال، “طبعاً بدعم من الـ CIA، المنظمة التي أردتَ الانضمام إليها في الماضي على حد معرفتي. يجب أن نحمد الله أنهم لم يسمحوا لك بالانضمام. إنها منظمة جدية على حد فهمي”.
ولم يرد كارلسون على تعليقات بوتين، إلا أن تفاصيل محاولاته الفاشلة للعمل في الاستخبارات الأميركية أوردتها مجلة “نيويوركر” في عام 2017، وبدأت تلك المحاولات بعد تخرجه من جامعة ترينيتي في كونيتيكت، وجاء في المقالة أن الوكالة “تفضل عدم توظيف الشباب الثرثارين والمتمردين”. ورجح أحد أصدقاء كارلسون الجامعيين لموقع Business Insider بأن من أسباب رفضه أنه كان “صادقاً للغاية” في طلبه. وذكر أنه تقدم بطلب لكنهم رفضوه بسبب تعاطيه للمخدرات.
ولدى سؤاله عن المسؤول عن تفجير خط “نورد ستريم” في سبتمبر (أيلول) 2022، قال بوتين “أنتَ بالتأكيد، ليرد كارلسون مازحاً بأنه “كان مشغولاً ذلك اليوم”. وأضاف الرئيس الروسي، “لا تملك الـ CIA مثل هذا العذر”، من دون أن يضيف أي تفاصيل تدعم أقواله.
وتتهم روسيا الولايات المتحدة وحلفاءها بالضلوع وراء الهجوم، في حين قالت أوكرانيا، إن موسكو خربت خطوطها عمداً للتصعيد. وفي فبراير (شباط) 2023، نشر الصحافي الأميركي سيمون هيرش الذي كان له قصب السبق في الكشف عن جرائم سجن أبو غريب عام 2004، مدونة زعم فيها أن الولايات المتحدة نفذّت عملية سرية لتخريب خطوط “نورد ستريم” الثلاثة.
الهجوم على بايدن
لم يسلم الرئيس الأميركي جو بايدن من هجمات بوتين على الغرب وحكوماته خلال المقابلة التي استمرت ساعتين وقال إنه على رغم أنه لم يتحدث مع بايدن مباشرة، إلا أن موسكو وواشنطن تحافظ على بعض قنوات الاتصال.
وانتقد الرئيس الروسي نظيره الأميركي عندما تحول الحديث إلى الأسلحة التي تحصل عليها أوكرانيا من واشنطن، وتساءل، “لماذا أتصل به، ما الذي يجب أن أتحدث معه عنه، أو لمَ أتوسل إليه، هل ستسلمون الأسلحة إلى أوكرانيا؟”. وأضاف ساخراً، “آه إنني خائف، إنني خائف”.
وتعد واشنطن أكبر مصدر للسلاح إلى أوكرانيا، والتزمت بتقديم دفعة أخرى من المساعدات التي تبلع قيمتها نحو 250 مليون دولار في ديسمبر (كانون الأول). وتشمل الحزمة أنظمة دفاع جوية، وذخائر المدفعية والأسلحة الصغيرة والأسلحة المضادة للدبابات.
وربط بوتين انتهاء الحرب بوقف توريد الأسلحة، ولفت إلى أنها سوف تنتهي في غضون بعضة أسابيع لو توقفت الولايات المتحدة عن تصدير السلاح لأوكرانيا، مضيفاً بأن “الدول الغربية لن تكون قادرة على إلحاق الهزيمة الاستراتيجية بروسيا”.
مساعي إنهاء الحرب
ووظف الرئيس الروسي المقابلة لحث واشنطن على الاعتراف بمصالح موسكو وإقناع أوكرانيا بالجلوس إلى طاولة المحادثات. وقال إن روسيا مستعدة للتفاوض على تبادل محتمل للسجناء من شأنه إطلاق سراح مراسل صحيفة “وول ستريت جورنال” إيفان غيرشكوفيتش، الذي اعتقل في مارس (آذار) الماضي بتهمة التجسس، ولمح إلى أن موسكو تريد إطلاق سراح عميلها المسجون في ألمانيا.
وركزت معظم المقابلة التي نشرت يوم الخميس على أوكرانيا، حيث تقترب الحرب من دخول عامها الثاني. وكرر بوتين آراءه بأن الحرب التي تصفها كييف وحلفاؤها بأنها عمل عدواني غير مبرر كانت ضرورية لحماية الناطقين بالروسية في أوكرانيا ومنع كييف من أن تتحول إلى تهديد لروسيا من خلال الانضمام إلى حلف “الناتو”.
وأشار بوتين إلى رفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إجراء محادثات مع الكرملين، وقال إن الأمر متروك لواشنطن لوقف تزويد أوكرانيا بالأسلحة وإقناع كييف، التي وصفها بأنها “تابعة” للولايات المتحدة، بالموافقة على الحوار.
كارلسون ومزاعم التجسس
في سياق متصل، حاول جون كيربي، المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض، التقليل من تأثير مقابلة كارلسون قبل نشرها وحذّر من أخذ أي شيء يقوله على محمل الجد قائلاً “تذكر أنك تستمع إلى فلاديمير بوتين”.
وانتقد كارلسون “فساد” وسائل الإعلام الغربية و”كذبها” على القراء والمشاهدين للترويج لمطالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن تدخل الولايات المتحدة بشكل أعمق في الحرب الحالية وتدفع ثمنها، واصفاً ذلك بـ “أبشع أنواع الدعاية الحكومية”، النوع الذي يتسبب بموت الناس، على حد قوله.
وزعم المذيع السابق في “فوكس نيوز” بأن الصحافيين الغربيين لم يكلفوا أنفسهم عناء إجراء مقابلة مع رئيس الدولة الأخرى المتورطة في هذا الصراع، مشيراً إلى أن معظم الأميركيين ليس لديهم أي فكرة عن السبب الذي دفع بوتين لغزو أوكرانيا أو ما هي أهدافه الآن. وأضاف “من حق الأميركيين أن يعرفوا كل ما بوسعهم عن الحرب التي يتورطون فيها، ولدينا الحق في إخبارهم عنها لأننا أميركيون أيضاً، حرية التعبير هي حقنا الطبيعي، لقد ولدنا ولدينا الحق في قول ما نعتقد أنه لا يمكن انتزاع هذا الحق بغض النظر عمن في البيت الأبيض”.
واتهم كارلسون الذي يدير شبكته الإعلامية الخاصة إدارة بايدن بالتجسس قبل 3 سنوات بشكل غير قانوني على رسائلهم النصية وتسريب محتواها إلى “خدمهم” في وسائل الإعلام بهدف منعهم من مقابلة بوتين. وقال إنهم فعلوا المثل الشهر الماضي، إلا أن هذه المرة قرر المجيء إلى موسكو وإجراء المقابلة.
من جانبها، رفضت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير مزاعم كارلسون وقالت “إنها فرضية سخيفة وبيان سخيف تم الإدلاء به حول هذه الإدارة… لذا أريد فقط أن أكون واضحة للغاية، إنه مثير للسخرية لا أكثر”.
وحد بوتين بشكل كبير من لقاءاته مع وسائل الإعلام الدولية منذ أن شن الحرب في أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022. وفي المقابلة الأولى التي أجراها مع شخصية إعلامية غربية منذ بدء الحرب على أوكرانيا، رفض الرئيس الروسي الاتهامات بأن روسيا تخطط لمهاجمة بولندا أو دول أخرى في حلف شمال الأطلسي.