أصبح من الواضح لإدارة الرئيس جو بايدن ومراكز البحوث الأميركية أن إضعاف القدرات العسكرية للحوثيين في اليمن عبر الضربات الجوية والصاروخية غير كاف لتحقيق مصالح واشنطن في ضمان حرية الملاحة والتدفق الحر للتجارة في البحر الأحمر وخليج عدن.
ولهذا بات من الضروري السعي نحو استراتيجية جديدة تشمل فرض حظر شامل في البحر، وحرمان الحوثيين من مصادر الأسلحة والتدريب والمعلومات والوسائل التي يمكن استخدامها في تعريض التجارة البحرية الدولية للخطر، فما تفاصيل هذه الاستراتيجية؟ ولماذا ارتكزت على هذه المحاور؟ وكيف يمكن لها أن تنجح في تحقيق أهدافها؟
مواجهة التهديد
لمواجهة التهديد الحوثي بصورة فعالة، توصي مذكرة برنامج الدفاع والأمن في معهد دراسات الشرق الأوسط بفرض حظر بحري شامل على الحوثيين عبر سبعة محاور متكاملة لتحقيق الغاية المطلوبة، وهي كالتالي:
أولاً: تكليف القيادة المركزية الأميركية بقيادة جهد مشترك لحرمان الحوثيين من الوسائل والقدرات التي تمكنهم من مهاجمة التدفق الحر للتجارة في البحر الأحمر وخليج عدن، على أن يكون هذا الجهد داعماً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216، الذي طالب الميليشيات اليمنية بالانسحاب من جميع المناطق التي استولوا عليها خلال حرب اليمن والتخلي عن الأسلحة التي استولوا عليها من الحكومة اليمنية السابقة، وهي إجراءات انتهكتها كل من إيران والحوثيين.
وينبغي أن يشمل هذا الجهد التصدي لمحاولة إعادة تسليح الحوثيين من قبل إيران، أو منظمات أخرى، بأسلحة ومكونات يمكن استخدامها لمهاجمة السفن الدولية، وحرمان الحوثيين من عمليات التدريب الإيرانية، أو استخدام معلومات الاستخبارات، أو معلومات الاستهداف، أو غيرها من الوسائل التي يمكن توظيفها لتقييد التدفق الحر للتجارة، بما في ذلك ضرب البنية التحتية للميليشيات وقيادتهم وكذلك العناصر الإيرانية في اليمن.
ثانياً: تزويد هذه الجهود بقدرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع الضرورية، وأسراب القوات الجوية الأميركية وطائرات الوقود، ودمجها مع السفن الحربية، والطائرات والوحدات الأخرى ذات المهام المحددة لتحقيق الأهداف المطلوبة.
ثالثاً: منح قائد الأسطول الأميركي الخامس السلطات اللازمة لإجراء دفاع جماعي عن النفس لأي سفينة ترفع علم الولايات المتحدة، أو تمتلكها أو تديرها الولايات المتحدة، أو تحمل على متنها أفراد طاقم أميركي، أو تحمل بضائع تمر من وإلى الولايات المتحدة، كما يجب أن يكون قائد الأسطول الخامس مفوضاً بالدفاع عن أي سفينة أخرى تطلب دفاعاً أميركياً لعبور البحر الأحمر وخليج عدن.
رابعاً: تمكين القيادة المركزية الأميركية من زيادة الطلعات الجوية التي تستهدف شن هجمات على أراضي اليمن كجزء من جهد مخصص لتقليل قدرات الحوثيين.
خامساً: تكليف وزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتين بتعزيز الشراكات القائمة وتطوير شراكات جديدة مع الحلفاء الأوروبيين والعرب لتشكيل فريق عمل دولي، منفصل عن عملية “حارس الرخاء” لتنفيذ حظر بحري على الحوثيين، إذ يمكن الاستفادة بهيكل قيادة موجود بالفعل داخل القوات البحرية المشتركة “سي أم أف” في الشرق الأوسط والقرن الأفريقي وهي شراكة بحرية أسست عام 2002 وتضم 41 دولة وتتولى مكافحة الإرهاب والقرصنة، وهدفها ضمان التدفق الحر للتجارة والتعاون الإقليمي، ويوجد أيضاً هيكل قيادة آخر يتمثل في مجموعة “نافسينت” التي تتكون من الأسطول الأميركي الخامس والقوات البحرية المشتركة “سي أم أف”.
سادساً: زيادة التمويل للبحرية الأميركية، حتى لو كان ذلك بصورة موقتة، بهدف شراء أصول مراقبة إضافية من سفن الرصد والمراقبة غير المأهولة (يو أس في) التي يمكن أن تعزز العملية الحالية التي تراقب وتغطي بالفعل أكثر من 10 آلاف ميل مربع من المساحة المائية بشكل مستمر.
سابعاً: إصلاح النظام الحالي لآلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش “يونيفم”، التي تتطلب فحص المواد القادمة إلى اليمن التي تكون عادة في جيبوتي، ولكنها غير فعالة إلى حد كبير، إذ لم تتم مصادرة أي مواد تقريباً من خلال آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش منذ سنوات طويلة، ولهذا ينبغي على وزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتين التعاون مع الشركاء الدوليين للولايات المتحدة لإنشاء آلية تحقق جديدة ودائمة خارج آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش، بحيث تتمتع هذه الآلية بالقوة والمساءلة، ولديها السلطات المناسبة لمنع تدفق المواد القاتلة إلى اليمن.
هل تنجح الاستراتيجية؟
ربما تفشل استراتيجية استعادة الردع الأميركية في تغيير الحسابات الاستراتيجية لإيران أو وقف هجمات الحوثيين، لأن الانشغال بمواجهة وكلاء طهران، مع كل التحديات العسكرية والسياسية التي تنطوي عليها الجهود، قد يكون في النهاية هو ما تريده طهران، ومن الممكن أن يتطلب التأثير في حسابات إيران في شأن الكلفة والعائد اتباع نهج أكثر مباشرة وعدوانية، لكن اتباع نهج أكثر تركيزاً عليها ربما يؤدي إلى نتائج عكسية في الوقت الحالي لأنه يزيد دون داع من فرص التصعيد.
ولذلك، فإن الاستراتيجية المقترحة تترك مساحة كافية لإيران لإعادة النظر في تصعيدها المتعمد، ولكن إذا أصرت طهران على الاستمرار في هذا المسار، فيجب على الولايات المتحدة ممارسة ضغوط متزايدة ورفع الكلفة عليها من خلال ضرب مجموعة أوسع من الأهداف الإيرانية في المنطقة بما في ذلك المواقع الساحلية مثل البطاريات المضادة للسفن، وبطاريات الصواريخ المضادة للطائرات والسفن الحربية التي تساعد الحوثيين في جمع معلومات استهداف السفن التجارية.
وترى المذكرة الأميركية المقترحة أنه من المهم وضع التحدي الإيراني في منظوره الصحيح، فطهران تتمتع بقدرات كبيرة، لكنها ليست نظاماً لا يمكن ردعه، بخاصة أنه تم ردعه في الماضي، ولا شك أنها ضعيفة في الداخل ولديها نقاط ضعف في الخارج، يمكن للولايات المتحدة، بل ويجب عليها استغلالها.
مدى التأثير
وفي حين أن ردة الفعل العسكرية الأميركية لإضعاف قدرات وكلاء إيران بخاصة الحوثيين، ليست ضعيفة، إلا أنه إذا كانت الاستراتيجية المقترحة مدعومة بموارد كافية والتزام سياسي، فإنها يمكن أن تقلل بصورة ملموسة من نفوذ طهران في المنطقة وربما تؤثر في استقرارها في الداخل، وكل ذلك بمستوى مقبول من الكلفة والأخطار على الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها، إذ إن التأثير الفعال في خفض قدرات الحوثيين سيشير إلى مدى عزم وصلابة الولايات المتحدة ويرسل رسالة قوية إلى طهران مفادها أن واشنطن قادرة على مواجهة أجزاء أخرى من شبكة التهديد الإيرانية.
وعلى رغم أهمية القوة الجوية الأميركية وحدها، فمن غير المرجح أن تعالج بصورة فعالة تهديد الحوثيين التجارة البحرية الدولية، لكن إنشاء نظام حظر شامل في البحر بالتعاون مع الشركاء في المنطقة والحلفاء الأوروبيين، لن يضعف فقط القدرات الحالية للحوثيين، ولكن سيؤثر أيضاً في خطوط إمدادهم.