قتل عنصران في الأقل من “حزب الله” اليوم الخميس جراء ضربة إسرائيلية استهدفت شقة سكنية في جنوب لبنان، وفق ما أفاد به مصدر أمني وكالة الصحافة الفرنسية، على وقع تفاقم التصعيد الحدودي بين البلدين.
وقال المصدر إن مسيرة إسرائيلية أطلقت صاروخين باتجاه مبنى سكني في بلدة كفررمان القريبة من مدينة النبطية، مما أسفر عن مقتل عنصرين من “حزب الله” وإصابة ثلاثة آخرين في الأقل بجروح.
وتقع كفررمان على بعد 12 كيلومتراً بخط مستقيم عن أقرب نقطة حدودية مع إسرائيل. وأظهرت مقاطع مصورة التقطها سكان سيارات إسعاف تهرع إلى محيط المبنى المستهدف.
وكان “حزب الله” أعلن في بيانات متلاحقة الخميس استهداف مواقع عدة في شمال إسرائيل، بينها كفر يوفال “رداً على الاعتداءات الإسرائيلية على القرى والمنازل المدنية”.
ومنذ اليوم التالي للهجوم غير المسبوق الذي شنته حركة “حماس” على إسرائيل في السابع من أكتوبر، تشهد الحدود اللبنانية تصعيداً بين “حزب الله” وإسرائيل.
ويعلن “حزب الله” استهداف مواقع وأجهزة تجسس وتجمعات عسكرية إسرائيلية دعماً لغزة و”إسناداً لمقاومتها”، ويرد الجيش الإسرائيلي بقصف جوي ومدفعي يقول إنه يستهدف “بنى تحتية” للحزب وتحركات مقاتلين قرب الحدود.
وشهد جنوب لبنان وشمال إسرائيل تصعيداً كبيراً في الـ14 من فبراير مع شن الدولة العبرية سلسلة غارات جوية على بلدات عدة أسفرت عن مقتل 10 مدنيين في الأقل، إضافة إلى إصابة خمسة عناصر من “حزب الله”، بينهم مسؤول عسكري.
وجاءت الغارات بعيد مقتل جندية إسرائيلية في صفد بصاروخ أطلق من جنوب لبنان، وقتلت مدنيتان إحداهما طفلة الأربعاء جراء ضربة إسرائيلية على بلدة مجدل زون.
وتوعد الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله الجمعة بأن تدفع إسرائيل ثمن دماء المدنيين الذين قتلوا الأربعاء الماضي، مهدداً بأن حزبه قادر على استهداف إيلات في جنوب الدولة العبرية.
وأصيب 14 شخصاً غالبيتهم عمال سوريون بجروح الإثنين جراء غارتين إسرائيليتين على بلدة الغازية الساحلية، وقالت إسرائيل إنها استهدفت مستودعات أسلحة لـ”حزب الله”. ومنذ بدء التصعيد، قتل 273 شخصاً في لبنان بينهم 190 عنصراً من “حزب الله” و42 مدنياً، ضمنهم ثلاثة صحافيين، وفق حصيلة جمعتها وكالة الصحافة الفرنسية. وفي إسرائيل، أحصى الجيش مقتل 10 جنود وستة مدنيين.
كيف ينظر “حزب الله” إلى ارتفاع عدد قتلاه في المواجهة مع إسرائيل؟
بعد تصاعد حدة الغارات الإسرائيلية في الداخل اللبناني على خلفية المواجهات ما بين إسرائيل و”حزب الله”، وذلك بعدما كان قد أعلن أمينه العام حسن نصرالله أن الجبهة الجنوبية هي “جبهة إسناد” للحرب الدائرة في غزة، منذ السابع من أكتوبر الماضي. وكان الطيران الحربي الإسرائيلي قصف بلدة الغازية الواقعة عند أطراف مدينة صيدا، الإثنين 19 فبراير الحالي، التي تبعد مسافة 60 كيلومتراً من الحدود اللبنانية الجنوبية، في تطور ميداني خطر، وتخطي لما يسمى قواعد الاشتباك التي كان معمولاً بها سابقاً بين الطرفين، مما ينذر بتمدد المواجهات والقصف إلى الداخل اللبناني.
وكان الجيش الإسرائيلي أعلن أنه استهدف ما قال إنها مستودعات أسلحة وبنى تحتية تابعة لـ”حزب الله”، لكن شهوداً من أبناء المنطقة نفوا لـ”اندبندنت عربية” أن يكون في المنطقة مواقع تابعة للحزب، وقالوا إن الغارات استهدفت منطقة صناعية تضم مصانع للزيوت، ومستودعات فيها مولدات كهربائية وطاقة شمسية، وصهاريج محملة بالمازوت ومواد قابلة للاشتعال.
لكن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي قال إن قصف الغازية جاء رداً على سقوط المسيرة المجهولة، التي يحقق في ملابسات سقوطها في منطقة طبريا، والتي لم يتبنَ أحد إطلاقها، كما استهدف الطيران الإسرائيلي بأكثر من غارة عمق مدينة النبطية في جنوب لبنان.
“الغموض البناء”
يأتي ذلك في ظل تصعيد من قبل “حزب الله” وعمليات قصف متبادل لم تهدأ وتيرته منذ الثامن من أكتوبر، لكن التطور الأبرز جاء بعد إعلان مصادر إسرائيلية عن مقتل مجندة وإصابة ثمانية عسكريين بعضهم في حالة حرجة في قصف بالصواريخ شنه “الحزب” واستهدف قواعد عسكرية في محيط مدينة صفد بالجليل الأعلى، شمال إسرائيل، وهو ما اعتبره وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير “حرباً فعلية” يشنها الحزب على إسرائيل، ودعا “للتخلي عن الفرضية المعمول بها حالياً في الشمال مع لبنان”. وبدوره هدد قائد سلاح الجو الإسرائيلي تومر بار، بأن “(حزب الله) سيستمر بدفع الثمن في منظوماته”، مشيراً إلى أن هناك عشرات القطع الجوية التي تعمل في جنوب لبنان، وعند صدور الأوامر ستتحول العشرات إلى مئات لتنفيذ مهامها خلال لحظات من استدعائها”، علماً أن الحزب لم يتبن عملية صفد ولم يصدر أي بيان في شأنها، لكن مصادر قريبة من “محور الممانعة” قالت في حديث صحافي “إن عملية قصف صفد والرسالة من ورائها، دلت على استراتيجية جديدة يجري اعتمادها من قبل (حزب الله) تقوم على الغموض البناء”. وكان أمين عام الحزب وفي خطابه الأخير، في 13 فبراير الحالي، قال إن “على وزير الحرب الإسرائيلي الذي يتوعد بتوسيع العمليات الإسرائيلية ضد لبنان أن يدرك أنه إذا شن حرباً على لبنان فإن عليه تهيئة الملاجئ لمليوني مهجر إسرائيلي من الشمال لا 100 ألف فقط”. واعتبر أن العدوان الإسرائيلي على المدنيين في لبنان، “كان متعمداً”، وتوعد بالرد، وشدد على امتلاك قدرة صاروخية دقيقة، “قادرة على بلوغ إيلات”. وتابع “نحن في قلب معركة حقيقية في جبهة تمتد أكثر من 100 كيلومتر”، وأن مقتل عناصر من الحزب “جزء من المعركة”، مؤكداً أن “إطلاق النار من جنوب لبنان لن يتوقف إلا بانتهاء العدوان على غزة”. وفي استطلاع للرأي لصحيفة “معاريف” الإسرائيلية، أظهر أن 71 في المئة من الإسرائيليين يعتقدون أن على إسرائيل شن عملية عسكرية واسعة ضد لبنان، وإبعاد “حزب الله” عن الحدود.
كيف سيبرر “حزب الله” فاتورته المرتفعة؟
من جهة أخرى، قال المحلل السياسي سمير سكاف إن عدد قتلى “حزب الله” منذ الثامن من أكتوبر وحتى اليوم تخطى عتبة الـ200 مقاتل، بينهم عدد كبير من القادة الميدانيين، هذا والحرب لم تبدأ بعد، في حين أن الحزب خسر خلال حرب يوليو 2006 نحو 250 مقاتلاً، والتي شهدت قصفاً وطلعات الجوية ومعارك ومواجهات برية على مختلف الجبهات، بما في ذلك الدمار الهائل الذي لحق بالضاحية الجنوبية معقل “حزب الله”.
ويتابع سكاف أن الفكرة الأساسية كانت “أن الحزب يقدم هؤلاء الضحايا على طريق القدس، لكن ما يجري حالياً ينافي تلك الفكرة، لأن ضحايا الحزب يسقطون إما اغتيالاً أو عبر مسيرات تقصف بيوتاً وأحياء في المناطق الجنوبية، مما يعني أيضاً أن إسرائيل كسرت قواعد الاشتباك ولم تلتزم بالمناطق الحدودية، في المقابل ما زال (حزب الله) يحافظ على قواعد الاشتباك نفسها، وهذا الأمر غير مبرر أمام بيته وجمهوره، فهو يبدو وكأنه في حالة دفاعية”. ويشير المحلل سكاف إلى أنه “حتى الساعة، لا يزال حزب الله يلتزم قواعد الاشتباك وتوازن العمليات العسكرية، في مقابل تفوق إسرائيلي واضح عبر استهداف قياديي ومقاتلي الحزب بمسيرات تحقق أهدافاً دقيقة، متخطياً المناطق الحدودية بعدما وصلت الغارات إلى منطقة جدرا، التي تبعد نحو 70 كيلومتراً عن الحدود الشمالية مع فلسطين”.
ويردف سكاف أن “بيئة الحزب غير متفهمة للفاتورة المرتفعة التي تقدمها من أعداد الضحايا والدمار، وفي مقابل ماذا؟ حيث كان السيد حسن نصرالله قد أعلن أن الجبهة الجنوبية هي جبهة مشاغلة، وأنه استطاع إشغال ثلث الجيش الإسرائيلي، لكن ذلك لم يمنع الحرب في غزة، إضافة إلى أن تعداد الجيش الإسرائيلي يبلغ 170 ألف عسكري، إضافة إلى 550 ألفاً في الاحتياط، فهو ليس في حاجة إلى أن يشاغله (حزب الله) لأنه بكل الأحوال هو لا يشغل كل قواته حتى الآن، مما يعني أن التأثير في حرب غزة من قبل الحزب حتى الآن شبه معدوم”.
وكانت بعض التقارير أشارت إلى أن عدداً من القتلى الذين يعلن “الحزب” عن سقوطهم على الحدود الجنوبية، لا يسقطون كلهم هناك، بل إن بعضهم سقط فعلياً في سوريا، لكن في محاولة لاستقطاب جمهوره يعلن عن سقوطهم في المواجهة مع إسرائيل.