في وقت يتابع السودانيون بترقب تطورات الوضع في بلادهم جراء الحرب المندلعة بين الجيش وقوات “الدعم السريع” منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي، على أمل سماعهم نبأ ساراً عن التوصل إلى اتفاق ينهي هذا القتال الذي تسبب في مقتل أكثر من 12 ألف مواطن، فضلاً عن نزوح 10 ملايين شخص من مناطق الحرب بحثاً عن الأمان داخل البلاد وخارجها، فوجئوا اليوم الثلاثاء بأنباء تشير إلى إحباط استخبارات الجيش السوداني محاولة انقلابية في طور الإعداد من عدد من الضباط الفاعلين في قيادة متحركات منطقة أم درمان بحسب وسائل إعلام محلية.
فما حقيقة هذه المحاولة الانقلابية ومن وراءها من العناصر العسكرية سواء داخل الجيش أم خارجه، وما انعكاساتها وأثرها في العمليات الجارية الآن بين طرفي القتال داخل العاصمة الخرطوم وخارجها بخاصة في إقليم دارفور وولاية الجزيرة.
تململ وغضب
في حين أشار ضابط عسكري برتبة عميد طلب حجب اسمه إلى أنه من السابق لأوانه تأكيد أو نفي وقوع هذه المحاولة الانقلابية، في ظل شح المعلومات بسبب ظروف الحرب وانقطاع خدمة الاتصالات في البلاد، فضلاً عن تخوف كثير من الضباط الموجودين في مناطق العمليات من أية عملية تسريبات في ما يتعلق بهذا الموضوع.
لكنه أوضح أن هناك تململاً وسخطاً داخل أروقة الجيش من ناحية النقص الواضح في الإمدادات، سواء في الغذاء أو السلاح، بالنظر إلى ما يمتلكه “الدعم السريع” من أسلحة متقدمة وأخيراً استخدامه للمسيرات، وهو ما أثر في بطء العمليات العسكرية واعتماد سياسة الدفاع بدلاً عن الهجوم، مما أدى إلى سقوط عدد من المدن المهمة في دارفور وولاية الجزيرة.
وأشار إلى أن عملية إحداث تغيير في قيادة الجيش من خلال انقلاب عسكري لن تكون في صالح الجيش، لأنها ستحدث نوعاً من الانقسام والبلبلة والإرباك للخطط العسكرية.
سيطرة من جانب الإسلاميين
على رغم إعلان مكتب المتحدث الرسمي باسم الجيش السوداني عدم صحة الأنباء المتداولة عن وقوع محاولة انقلابية في البلاد، إلا أن عضو تجمع قدامى المحاربين السودانيين اللواء معتصم العجب لم يستبعد حدوث هذه المحاولة الانقلابية، قائلاً إن “هناك احتمالين للجهات المنفذة لهذه العملية، فإما أن تكون مجموعة من الضباط الوطنيين الساخطين على الوضع داخل الجيش بسبب سيطرة الإسلاميين على مفاصل القرار والخطط العسكرية، أو من الضباط الإسلاميين نفسهم، بخاصة أن هذه المجموعة تشكل ثقلاً كبيراً داخل الجيش وتسيطر على قاعدة وادي سيدنا العسكرية التي تنطلق منها المدافع طويلة المدى والغارات الجوية باتجاه مواقع ’الدعم السريع‘ في كل أنحاء البلاد”.
ورجح العجب الاحتمال الثاني من ناحية أن “الإسلاميين باتوا يتخوفوا من تسريبات اللقاءات السرية بين قيادتي الجيش و’الدعم السريع‘ التي حدثت أخيراً في المنامة بدعم أميركي وسعودي ومصري لإنهاء الحرب السودانية، وهو ما يعني أن تنتهي هذه المفاوضات بالتوصل إلى مسار سياسي يستبعد الحركة الإسلامية من السلطة خلال الفترة المقبلة، فضلاً عن أن هذه المجموعة المتطرفة داخل الجيش تريد أن تتحرر من هيمنة القيادة العسكرية وأن تنطلق في العمليات لحسم المعركة عسكرياً حتى على حساب تدمير كامل البنى التحتية ومنازل المواطنين”.
ولفت عضو تجمع قدامى المحاربين السودانيين إلى أن الإسلاميين يعتقدون أن الحرب هي فرصتهم الأخيرة للوصول إلى السلطة عبر الآلة العسكرية أو من خلال صفقة سياسية، لكن لا بد من أن تحسين موقف الجيش ميدانياً من خلال استعادة عدد من المواقع التي سيطر عليها “الدعم السريع” من مدن ومقار عسكرية في عدد من الولايات.
انقلابات ناجحة سابقة
تجدر الإشارة إلى أن السودان يأتي على رأس الدول العربية والأفريقية في كثرة وقوع الانقلابات العسكرية الناجحة والفاشلة فيه، إذ تعرض لأول انقلاب عسكري بعد عام واحد فقط على استقلاله عام 1957 على يد الضابط إسماعيل كبيدة وبعض ضباط وطلاب الكلية الحربية، لكن رئيس الوزراء السوداني وقتها إسماعيل الأزهري تمكن من وأد هذه الحركة في مهدها.
وشهدت البلاد في تاريخها ثلاثة انقلابات عسكرية ناجحة، كانت الأولى بقيادة الفريق إبراهيم عبود عام 1958، إذ سقط حكمه من خلال ثورة شعبية وقعت في الـ21 من أكتوبر 1964، ثم أعقبه حكم الرئيس الأسبق جعفر نميري (1969-1985) الذي جاء للسلطة بواسطة انقلاب عسكري، وأخيراً فترة حقبة الرئيس السابق عمر البشير (1989-2019) الذي كان نتيجة انقلاب عسكري نفذته الحركة الإسلامية بقيادة زعيمها الراحل عبدالله الترابي.
ملاحقة ضباط في أم درمان
وكانت وسائل إعلام سودانية قالت إن استخبارات الجيش اعتقلت عدداً من الضباط بمنطقة وادي سيدنا العسكرية في أم درمان بتهمة “الإعداد لانقلاب”، ونقلت صحيفة “السوداني” عن مصادر لم تسمها القول إن حملة الاعتقالات “استهدفت ضباطاً نشطين في إدارة العمليات بأم درمان بصورة خاصة”.
لكن مصادر قالت إن “ما تناقلته بعض وسائل الإعلام حول وجود ترتيب لمحاولة انقلابية في البلاد انطلاقاً من أم درمان لا أساس له من الصحة”، معتبرة بأن “الهدف من تلك الإشاعات هو خلق الإحباط والتشويش على عمليات التقدم والانفتاح التي تمت في مدينة أم درمان، أخيراً من جانب القوات المسلحة”.
وكان عطاف محمد خطار رئيس تحرير “السوداني” قد كشف في تصريح لأحد القنوات العربية عن أن “اعتقالات الضباط تمت لمخالفتهم الأوامر العسكرية وليس بتهمة الانقلاب، وذلك لقيامهم بحملة عسكرية ضد قوات الدعم في أم درمان من دون التنسيق مع القيادة العسكرية”، وأضاف أن “الأمر لا يمكن حسمه أو فصله إلا عبر محكمة عسكرية وتحقيق عسكري”.
وفي حين رأى مراقبون أن الحديث عن الانقلاب بأي شكل كان يشير إلى أن الجيش السوداني بدأ يتفكك من الداخل، قال مصدر عسكري من قاعدة وادي سيدنا لصحيفة “السوداني” إن “اعتقالات الضباط تزامنت مع زيارة عضو مجلس السيادة مساعد القائد العام للجيش الفريق إبراهيم جابر، لمنطقة وادي سيدنا العسكرية”.
وذكر مصدر مطلع أن الضباط المعتقلين هم “قائد المتحرك الاحتياطي في معسكر سركاب، ومدير الإدارة الفنية بالدفاع الجوي ومسؤول الرادارات وأجهزة التشويش المضاد للمسيرات، ومسؤول عمليات الدعم والإسناد الاستراتيجي لمواقع المدرعات والشجرة”.