في وقت لجأ طرفا الصراع في السودان، الجيش وقوات الدعم السريع، إلى ممارسة الحرب النفسية بينهما من خلال البيانات والتصريحات الصحافية، تواصلت المعارك العنيفة بين الطرفين في كل من مدينتي أم درمان والفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى وسط المدنيين، وتزايد حركة النزوح.
وبحسب شهود، فإن مدينة أم درمان شهدت يوماً حامياً، إذ أطلق الجيش قذائف مدفعية، بصورة مكثفة، من قاعدة وادي سيدنا العسكرية الواقعة شمال المدينة إلى نواحي تجمعات “الدعم السريع” بمدن العاصمة الثلاث، كما شنت مسيرات الجيش غارات على شارع النيل وأم درمان القديمة وأطراف سوق أم درمان، فضلاً عن اشتباكات بين الطرفين شمال المدينة في محاور شارع الوادي والنص والشنقيطي وغرب الحارات ومنطقة أمبدة، وكذلك حول محيط سلاح المهندسين والمناطق المتاخمة له في الفتيحاب وأبو سعد والحارات الجنوبية لأمبدة والمنصورة.
وأشار الشهود إلى تعرض بعض المناطق لقصف مدفعي عشوائي تسبب في خسائر مادية وموجات نزوح نحو المناطق الأكثر أماناً.
كذلك شنت مسيرات الجيش غارات على مواقع “الدعم السريع” في مناطق شرق النيل ببحري والعمارات والجريق شرق العاصمة الخرطوم. كما ذكرت إحدى المنصات الإعلامية التابعة للجيش أن قواته نفذت هجمات استباقية على تجمعات “الدعم السريع” في أحياء جنوب الحزام، وكبدتها خسائر في الأرواح والعتاد العسكري.
اشتباكات بالفاشر
وتجددت المعارك العنيفة بين الجيش و”الدعم السريع”، في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، أسفرت عن سقوط خمسة قتلى و18 جريحاً معظمهم من المدنيين. وأشار بيان لتنسيقية لجان مقاومة الفاشر إلى أن اشتباكات دامية اندلعت بين الطرفين في أحياء ديم سلك والثورة شمال والأهلية والغابة شمال الفاشر، حيث أطلقت قوات “الدعم السريع”، أيضاً، عدداً كبيراً من القذائف مما تسبب في نزوح أعداد كبيرة من مواطني الأحياء الشمالية والشرقية في المدينة إلى المناطق الآمنة.
وأوضح مواطنون أن أفراداً يرتدون لباس “الدعم السريع” تسللوا إلى داخل المدينة وهاجموا إحدى ارتكازات الجيش والحركات المسلحة التي تشكل القوة المشتركة لحماية المدينة قرب سوق المدينة الكبيرة التي أغلقت أبوابها فور اندلاع المواجهات، “وقتلوا أحد الأشخاص وجرحوا آخر من حركات الكفاح المسلح ولاذوا بالفرار”.
وعلى رغم تحذير أطراف دولية وإقليمية ومحلية قوات “الدعم السريع” من الهجوم على الفاشر، فإن هذه القوات تواصل تعزيز وجودها في المحاور الشمالية والغربية والشرقية من المدينة، مقابل رفع الجيش وحلفائه من الحركات المسلحة حالة الاستعداد تحسباً لقتال قد تشهده المدينة.
وترك التوتر المتصاعد بين أطراف النزاع تداعياته على مدينة الفاشر التي تعاني ندرة كبيرة في المواد الغذائية والمشتقات البترولية والأدوية عقب توقف القوافل التجارية التي كانت تؤمنها القوة المشتركة التابعة للحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام من ولاية النيل الأبيض حتى مدينة الفاشر.
وتسيطر “الدعم السريع” على أربع من أصل خمس ولايات في إقليم دارفور، وهي جنوب وغرب وشرق ووسط الإقليم، فيما يحتفظ الجيش بوجوده في الفاشر.
رسالة خطية
في الأثناء، تسلم قائد الجيش عبدالفتاح البرهان رسالة خطية من الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلي تتعلق بتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، وأكد البرهان، في خلال لقائه المبعوث الرئاسي للرئيس الجيبوتي عيسى خيري، حرص السودان على تطوير علاقاته مع جيبوتي في المجالات كافة.
وتسعى جيبوتي التي ترأس الدورة الحالية للهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا “إيغاد” لإعادة السودان لعضوية هذه المنظمة الإقليمية، من خلال العلاقات الثنائية التي تربط الدولتين.
وبذلت “إيغاد” مساعي جادة لوقف الحرب في السودان وتحقيق السلام من خلال المبادرات التي طرحتها في عدد من اجتماعات القمة، كما لعبت دور الوساطة لجمع قيادتي الجيش و”الدعم السريع” نهاية عام 2023 في جيبوتي، تمهيداً لاستئناف مفاوضات جادة عبر منبر جدة برعاية الوساطة السعودية – الأميركية، من أجل وقف الحرب بشكل فوري وإنهاء معاناة السودانيين.
وكان البرهان قد شن، أمام جمع من العسكريين، هجوماً على “إيغاد” مجدداً رفضه أي مبادرة تأتي من قبلها. وقال إنهم “غير معنيين بأي حلول تطرحها، وهذه المنظمة أصبحت غير معنية بالشأن السوداني”.
في المقابل، بعث قائد “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو “حميدتي” خطاباً لرئيس وأعضاء “إيغاد”، أبدى فيه استعداده للمشاركة في عملية السلام في السودان تحت رعايتها والاتحاد الأفريقي، أو في إطار أية عملية سلام إقليمية أو دولية أخرى، مطالباً بعدم إعطاء أي اعتبار للخطاب الذي أعلن فيه البرهان تجميد عضوية السودان في هذه المنظمة.
اتهامات متبادلة
في السياق، واصل طرفا النزاع تبادل الاتهامات بينهما في ظل توقف منابر التفاوض توصلاً لوقف دائم لإطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية انتهاء بالمسار السياسي، ووصف قائد الجيش أفراد “الدعم السريع”، خلال زياراته الأخيرة عدداً من المقار العسكرية بالولايات، بالمرتزقة والمجرمين والقتلة الذين جندوا لمحاربة الشعب السوداني واستهداف ممتلكاته وبنيته التحتية، فيما اتهمت “الدعم السريع” حكومة الخرطوم الداعمة للجيش بعرقلة مفاوضات الحل السلمي بعد إعادة علاقاتها مع إيران وحصولها على الدعمين العسكري واللوجيستي على الأرض.
في الأثناء، قال الناطق الرسمي باسم الخارجية السودانية خالد الشيخ، في مؤتمر صحافي، إن قوات “الدعم السريع” حرصت على مهاجمة السجون في المناطق التي سيطرت عليها، وقامت بإطلاق ما يزيد على 18 ألفاً من السجناء والمحكومين، بينهم إرهابيون من جنسيات سودانية وعربية وأفريقية، مؤكداً أن هذه القوات لا تقل خطورة عن “بوكو حرام” و”داعش”. وطالب الدول الشقيقة والصديقة والمنظمات الدولية والإقليمية إعلان قوات “الدعم السريع” منظمة إرهابية، وكذلك تسمية الشركات والكيانات التابعة لها كيانات إرهابية وحظرها وعدم التعامل معها.
رفض العقوبات
إلى ذلك، رفضت وزارة الخارجية السودانية قرار وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات على شركة “زادنا” العالمية. وأشارت، في بيان، إلى أن استهداف أية مؤسسة وطنية بحجة تبعيتها للقوات المسلحة لا يمكن فهمه إلا أنه محاولة لإضعاف الجيش الوطني. ووصف البيان القرار الأميركي بالظالم ويلحق ضرراً بأكبر شركة زراعية وطنية، تسهم بقدر كبير في تحقيق الأمن الغذائي في السودان والإقليم، مبيناً أن القرار تضمن مزاعم تدعو للاستغراب، مثل الحديث عن غسل أموال القوات المسلحة، وهي إشارة تجافي المنطق والمعقول. ولفت البيان، أيضاً، إلى أن مواقف الإدارة الأميركية من الأزمة في السودان تتسم بالتناقض والاضطراب إذ يقول مسؤولوها إن “الدعم السريع” ترتكب انتهاكات وفظائع تماثل التطهير العرقي والفظائع، “ومع ذلك تساوي واشنطن بينها وبين القوات المسلحة السودانية التي تتصدى لإرهابها وفظائعها ضد المواطنين العزل”.
ونوه البيان بأن واشنطن بإمكانها إثبات جديتها حيال إنهاء الأزمة في السودان بإلزام الدول التي تواصل تزويد “الدعم السريع” بالأسلحة الفتاكة أو تسهل وصولها إليها الكف عن ذلك.
وفرضت الخزانة الأميركية عقوبات على شركة “زادنا” التابعة للقوات المسلحة إلى جانب شركتي “بنك الخليج” و”الفاخر” الخاصتين بقوات “الدعم السريع” بحجة أن هذه المؤسسات الثلاث تلعب دوراً في تمويل ودعم علامات عدم الاستقرار في البلاد وزعزعة الأمن بطرق مباشرة وغير مباشرة.
خطوة للأمام
سياسياً، رد عضو تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية “تقدم” جعفر حسن على حديث قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان من أنه لن يفاوض أحداً خارج البلاد، قائلاً “إنهم يتعاطون بإيجابية مع تصريح البرهان الذي حدد من خلاله لقاء وفد القوى المدنية بمدينة بورتسودان”، واعتبر حسن، في منشور على “فيسبوك”، تصريح البرهان بالخطوة للأمام. وطالب قائد الجيش بالإسراع في تحديد الزمان لأن الوقت ليس في مصلحة الجميع. وكان البرهان ذكر أن الحل السياسي يجب أن يكون داخلياً من دون تدخل أي طرف خارجي.
وسبق أن أرسل رئيس “تقدم” رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، رسالتين لكل من البرهان و”حميدتي”، طلب فيهما عقد لقاء مع الرجلين لبحث سبل وقف الحرب، واستجاب الأخير، وعقدت اجتماعات في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، توصلت لتوقيع اتفاق “إعلان أديس أبابا” الذي نص على الوقف الفوري للحرب وبناء جيش قومي موحد لا يخضع لأي قيود سياسية أو أيديولوجية.
“فرقعة إعلامية”
وقال الناطق الرسمي باسم حركة “تمازج” السودانية عثمان عبدالرحمن سليمان إن الجيش لا يمتلك أي مقومات لتحرير أي شبر من المناطق الاستراتيجية التي سيطرت عليها قوات “الدعم السريع”، وظل طوال الفترة السابقة يعتمد على “الفرقعة الإعلامية” وهي سياسة تخالف الواقع بكل المقاييس. وبين أن الكفة، الآن، “لصالح الدعم السريع لأن الجيش فقد خاصية ونظام القيادة والسيطرة على قواته، وأصبح القرار يأتي من مصادر عدة داخله، من ثم لن يستطيع الجيش حسم هذه المعركة عسكرياً على رغم أنه المخطط والمدبر لهذه الحرب بالتنسيق مع نظام الإسلاميين، لأن الذي يبدأ الحرب عادة يكون على درجة من التأهب والحذر لتحقيق أهدافه”.
وعن الحركات التي اختارت القتال لصالح قوى الثورة المضادة، أكد سليمان أنها “حركات لا وزن لها، والدليل أن بعضها اختار القتال إلى جانب قضية التحول المدني الديمقراطي وتحقيق تطلعات الشعب السوداني، لأنها تعلم نوايا الجيش السيئة تجاه اتفاق جوبا للسلام”.
وعن مساعي الحل السلمي، أفاد بأن قوات “الدعم السريع” قدمت رؤية متكاملة للحل الشامل وتأسيس الدولة السودانية الجديدة، لذلك يمكن أن نقول إن “الحل السلمي موجود إذا صدقت نوايا الجيش ولا بد أن يكون حلاً جذرياً صادقاً يحفظ حقوق الشعب السوداني، ويضع حداً لكل الأزمات”.
ونوه الناطق الرسمي باسم حركة “تمازج” بأن الحل السلمي للقضايا الوطنية مطلوب سواء كان داخلياً أو خارجياً “والمطلوب صدق النوايا والالتزام، وهي خصائص لا توجد في الجيش لأن قراره مختطف لا يستطيع المحافظة على المواثيق والاتفاقات”.